الباحثة «كاملي زهيرة» تكتب: مظاهر الحياة العلمية في الأندلس
«الملخص»
إن الفتح العربي للأندلس حمل معه حضارة راقية تستحق الدراسة وبحث، فهي تضئ الكثير من الزوايا المظلمة في تاريخ الحضارة الإسلامية في مختلف الميادين. وتصف النشاط الكبير وكيان الحضاري الذي أسهم في تقدم الإنسانية؛ فقد كانت الحياة العلمية في الأندلس مزدهرة تعبر عن التاريخ الإسلامي الحافل بالإبداع الحضاري في شتى العلوم.
ولقد لعب الاستقرار السياسي والاجتماعي دورًا مهمًا في انصراف الرغبة نحو الميادين العلمية بمختلف وجوهها، وقد استطاع الأندلسيون أن يطرقوا أبواب المعرفة المختلفة وهذا ما يظهر جليا في الإنتاج العلمي الغزير ،والحركة العلمية في ذلك العصر. ظاهرة تستحق من الباحث الوقوف عندها ودراستها بصورة وافية.
«المقدمة»
إن الفتح الإسلامي للأندلس يعتبر من أعضم الانجازات في تاريخ المسلمين وذلك عام (92ه711م ) وتمت السيطرة كلية عام (95ه-171م )،وبعد هذا الفتح بذل المسلمون جهودهم للدعوة للإسلام وكانوا يعملون بإخلاص وبعمق بعيد في سلوكهم وتعاملهم ودعوتهم وبذلك تغيرت الحياة في الأندلس وأصبحت قطب علمي يعبر عن حضارة إسلامية عريقة و وقدمت إسهامات علمية كبير ومقدرة للأمة الإسلامية والعالم العربي والعالم الغربي علي حد سواء،ولو بقيت تلك الحضارة قائمة لغيرت في حياة العالم الإسلامي تماما، لكن حال الضعف الذي عرفه المسلمون في الأندلس أدت إلى تراجعها وانكسارها وضياع علم كبير خاصة عندما قامت محاكم التفتيش بحرق الكثير من المخطوطات الهامة .ورغم ذلك لازلنا ننهل من العلم التي تركه علماء الأندلس وبقيت أثار المسلمين إلى يومنا هذا خالدة في الأندلس،ووجب علينا كالباحثين أن نهتم بتاريخ الثقافي للأندلس لكي لا ينسى ويطوى في صفحات التاريخ.
«عناصر الخطة»
أولا: اهتمام الحكام بالعلم والعلماء.
ثانيا : أثر الرحلات العلمية في النهضة الفكرية في الأندلس .
ثالثا: المنهج العلمي في الأندلس.
1- اهتمام الحكام بالعلم والعلماء:
لقد ازدهرت الحياة العلمية في الأندلس خلال العصر الأموي 138-400ه/755-1009) بشكل لم تشهده من قبل وذلك يرجع إلى اهتمام الولاة بالعلم والعلماء وخاصة في عهد الخليفة عبد المالك ابن مروان (86-96) ومن جاء بعده من ولاة وخلفاء فقد سارو على نفس النهج،إذ كانوا يخصصون أموال كثيرة لطلاب العلم والعلماء وإنشاء المراكز العلمية وتشجيعهم على البحث في شتى العلوم والمعرفة من رياضيات وآداب وفنون، كما اهتموا بإنشاء المكتبات وتعين لجنة خاصة للعناية بالكتب وذلك من خلال النسخ وتدقيق والمراجعة وتصحيح الأخطاء(1).
إن اهتمام الحكام الأمويين بالعلم والعلماء خلق أرضية خصبة للباحثين والعلماء فقد ازداد الإنتاج العلمي وازدهرت العلوم ،حيث وجد العلماء الأندلس وأيضا العلماء الوافدين من بقاع أخرى؛ البيئة العلمية فاستقروا هناك وأصبحت الأندلس وطن للعلم والعلماء دون منازع في تلك الفترة.
كما يؤكد أغلب باحثين أن عصر الحركة العلمية بدأ مع حكم المستنصر حيث سعي للنهوض بالمستوى العلمي بمن خلال العناية بالكتب والاهتمام بجمعها وحيازتها في كل مكان، ذلك لأنه يري أنه لا يتم النشاط العلمي في بلاده ولن يستطيع ربط المتعلقين بالعلم في وطنه إلا بتوفير وسائل الثقافة والعلم لهم ،فكان حرصه علي الكتب ناتجا عن اهتمامه العلمي ورغبته في تيسير الإمكانيات العلمية لشعبه وقد بلغ حبه للكتب وشغفه بها أنه لم يسمع في الإسلام بخليفة بلغ مبلغه في اقتناء الكتب والدواوين حيث يعتبر الكتب أوعية للعلم ومصادره(2).
2- اثر الرحلات العلمية في النهضة الفكرية في الأندلس:
مما يفتخر به المسلمون من سمات تطور الحضاري والتفوق العلمي ما اعتاد عليه علمائهم من اتخاذ الرحلات والأسفار بين مراكز العلم في العالم الإسلامي عادة حميدة وسنة كريمة للتزويد بالعلم واكتساب المعرفة ،وقد تولد عن ذلك نشاط علمي باهر في الدولة الإسلامية ،كما أن دين الإسلام حث عن العلم وطلبه واثر علي علماء المسلمين برحلاتهم العلمية ،لذلك حرص المسلمون على اكتساب المعارف والتزويد بالعلم وتحمل ظروف المشاقة وألوان التعب في سبيل ذلك(3).
كان علماء الإسلام يرحلون في طلب العلم بين مراكز العلم من دولة الإسلامية من حدود الصين شرقا إلي الأندلس غربا وكانت بغداد ومكة المكرمة ،والمدينة المنورة ،والقاهرة والقيروان وقرطبة أكثر المدن اشتغالا بالعلم ومقصد علماء وطلاب العلم .أما الحج الي مكة يمثل هدفا دينيا بأداء هذا الركن الإسلامي ولطلب العلم بعد ذلك من جهة أخرى فكان العلماء الأندلس يؤدون الحج ثم يتجهون الى المدينة المنورة للقاء شيوخها وعلمائها مما أُخذ عن صحابة وتابعيهم فيأخذون العلم وغالبا ما يكون الحديث والفقه والقراءات .
لقد كانت لهذه الرحلات العلمية أثر كبير علي نهضة الفكرية والعلمية في الأندلس إذ عاد العلماء حاملين معهم كثير من علوم وتصنيف وضروب التأليف النفسية من المشرقين مما ساهمت هذه العلوم التي نقلوها الي فتح أفاق واسعة للبحث وإقبال علي دراسة الكتب والنظر فيها و الاستفادة من المناهج العلمية في البحث والتأليف والتي سبقهم لها المشرقين ،حيث تأثر علماء الأندلس بعلم المشرقين وآخذو عنهم الكثير حيث إن عصر الولاة يعتبر مرحلة اقتباس والتي ما لبث أن خفت حدتها بعد فترة من الزمن لتأخذ الأندلس طريقا نحو الاستقلال بالشخصية العلمية والمشاركة في بناء الدولة الإسلامية .ومن اشهر العلماء الأندلس في الترحال هو الأديب: عباس بن ناصح الثقفي. من أشهر علماء عصره يشتهر برحلاته العلمية أوضح تأثير الثقافي للمشرق في الأندلس فلقاءه بالأصمعي وبالحسن بن هاني وتردده علي أحياء العرب هناك انعكس علي ثقافة التي أسهم بدورها في نشاط الحركة العلمية الأندلسية .ونجد أيضا فرج الأندلسي بن سلام الذي ادخل إلي الأندلس كتب الأديب المشرقي: عمر ابن بحر الموصوف بالجاحظ والذي التقى به في العراق واخذ عنه العلم(4).
وكانت تحدث موجات رحيل متعاكسة فيرحل علماء المشرق إلي الأندلس لينشروا علومهم هناك وليبلغوا بذلك الجاه ومنزلة عند السلطان، وهذا ما يوضح النشاط العلمي في جذب العلماء من خارج الأندلس للمشاركة في النهوض بالحركة العلمية وهذا ما يدل أيضا علي ما يتمتع به سكان الأندلس من حب للعلم وتشجيعهم للعلماء .ومن كبار الوافدين من الأندلس المحدث أحمد التميمي البخاري (382-471) الذي عهده العلماء طبقة ابن حزم وابن عبد البر النمري والذي يصفه المقري "الذي اعتقده أنه لم يدخل الأندلس من أهل المشرق حفظ للحديث وهو ثقة عدل ليس له مجازفة والحق ابلج"(5).
منهج التعليم في الأندلس:
ازدهرت العلوم في الأندلس ولعل أهم هذه العلوم هو التفسير ،الفقه واللغة،التاريخ والجغرافيا ،الطب والصيدلة ،الفلك والهندسة ،الرياضيات .ولقد كانت المساجد هي أولي لأماكن التي تلقي فيها الأندلسيون تعليمهم وكانت تنتشر بكثرة في المدن الكبرى كقرطبة واشبيلية وغرناطة وكانت زاخرة بالحلقات العلمية والجدير بالذكر إن جامع قرطبة يمثل قمة النشاط العلمي في الأندلس وأيضا جامع الزهراء الذي انتقلت إليه مؤسسات الدولة في عصر الخلافة وهو من المساجد التي شهدت حركة علمية نشطة. كما عرفت الأندلس المكاتب وهي أماكن خصصت لتدريس غالبا ما تكون غرفة وفناء يتسع لعدد من الأطفال، انتشرت بكثرة في قرطبة و ساهمت الدولة في إنشاءها وكانت تدفع اجر للمدرس وكان يطلق عليه اسم مؤدب في ذلك العصر(6).
كما كانت منازل العلماء وقصور الحكام وأمراء مراكز لتعليم فهناك ظروف معينة حتمت علي العلماء التدريس في منازلهم ،وأيضا كان الأمراء يتخذون بعض العلماء ليدرس أبناءهم داخل القصر السلطاني.
اعتمد التعليم في الأندلس خلال العصر الأموي علي تحفيظ القران وبعض نصوص الحديث النبوي وتعليم النحو والخط وتحفيظ بعض النصوص والأشعار ،وكان تأسيس أول جامعة في قرطبة أثناء عهد حكم المستنصر (350-377) وقد اعتمد منهج التدريس فيها اللغة العربية بفروعها المختلفة وعلوم الدين والتاريخ والقضاء والفلك والرياضات وأصبحت بذلك الأندلس مركز تجمع الطلاب الأوروبيين الغربيين وبهذا صارت كل من قرطبة واشبيلية قبلة لطلاب والعلماء المشارقة والأوروبيين بسب مراكزها العلمية الزاهرة والرعاية والاهتمام الذي كانوا ينعمون به(7).
إن الحديث عن علماء الأندلس الذي ساهموا بشكل كبير في بناء الحضارة الأندلسية الإسلامية ليس بالأمر الهين،ذلك لسببين السبب الأول هو كثرة العلماء وكثرة مؤلفاتهم العلمية والسبب الثاني هو كثرة التخصصات التي برعوا وأبدعوا و فيها ولم يكن هناك تخصص إلا و أضافوا عليه الكثير ،ونذكر منهم دون حصر :
-عبد الرحمان بقي ابن مخلد(ت 276ه) من أوائل علماء الأندلس في التفسير وقد ألف كتاب في تفسير القران قال عنه ابن حزم :"فهو كتاب الذي اقطع قطعا لا استثنى فيه أنه لم يؤلف في الإسلام مثله،ولا تفسير ابن جرير الطبرى ولا غيره".
-القاضي منذر بن سعيد البلوطي قاض ناصر دين الله هو عالم في القران الكريم وتفسير له كتب مفيدة منها كتاب الأحكام وكتاب ناسخ والمنسوخ.
-بن عبد البر النمري القرطبي (368-463/978-1070) ألف عدة كتب منها ،الاستيعاب في أسماء الأصحاب ،الاستذكار لمذاهب العلماء لما تضمه الموطأ لمالك من معاني الرأي والآثار وغيرها من المؤلفات كان إمام عصره وواحد في دهر.
-عبد الملك بن حبيب الفقيه (ت238ه) من أوائل المؤرخين ومن اهم كتبه كتاب في تاريخ بعنوان "المخطوط" يتحدث فيه بداية خلق الله بخلق السموات والبحار وجبال وقصة سيدنا ادم وحواء وقصتهم مع إبليس ،وقصص الأنبياء إلي غاية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ويتكلم عن كتب المنزلة وسير خلفاء الأندلس والقضاة في الأندس(8).
-خلف بن عباس الزهراوي الذي ينسب إليه، علم أسس الجراحة الحديث ،كما برز من أطباء ا آنذاك: عريب بن سعد القرطبي، الذي صنف كتاب في طب الأطفال وأشهر أيضا الطبيب بن جلل بدراساته المعمقة في الطب و الصيدلة.
«الخاتمة»
كان عصر الخلافة مضيئة في جبين التاريخ الأندلسي يشهد لأهله ببلوغهم العلمي وقدرتهم علي إثبات ذاتهم في ميدان الحضارة الإسلامية ،كما كان للعلماء اثر كبير في ازدهار الحركة العلمية في الأندلس كما أن عصر الخلافة الأموية يمثل الانطلاقة الواسعة في ميادين الحضارة والبناء الفكري ،إن
رحلات الأندلسيون في البداية يقومون بنقل المعارف والعلوم خاصة عن المشرقين، وبمرور الوقت اخذ نشاطهم العلم يتخذ اتجاها أخر مغايرا لاتجاهه الأول يحثوا أولو من الواقع الانتماء لوطنهم أن يكونون لهم شخصية علمية مستقلة يثبتون من خلالها أنهم اقدر علي صنع حضارتهم وبناء كيانهم العلمي بأنفسهم.
******
«الاقتباسات»
1- جانفي 2006 ،جوانب من النشاط العلمي في الأندلس (138-400ه/755-100/ ص111) محمد أبو الإمام ،مجلة الدراسات الدعوية ،العدد11.
2- ص40 سعد عبد الله صالح،الحياة العلمية في الأندلس في عصر الولاة ،مكتبة الإسكندرية ،1996.
3- أبو إمام، مرجع سابق،ص112.
4- ص42 سعد عبد الله مرجع السابق.
5- مقري شهاب الدين احمد نفخ طيب في غصن الأندلس الرطيب ،تحقيق إحسان عباس ،دار صدور ،بيروت ،1968،ص5.
6- شوقي ضيف ،عصر الدول وامارت في الأندلس ،دار معارف،1986،ص61.
7- يوسف علي إبراهيم العريني ،الحياة العلمية في عصر الملوك طوائف،مكتبة عبد العزيز،رياض ،1995 ،ص43.
8- ص112 محمد ابو امام ،مرجع سابق.
********
«قائمة المراجع»
1-مقرى شهاب احمد (1041-1632)،نفخ طيب في غصن أندلس الرطيب ،تحقيق إحسان عباس ،دار الصادر ،بيروت ،1968
2-شوقي ضيف،عصر الدول وإمارات في الأندلس ،دار المعارف ،1989.
3-يوسف علي إبراهيم العريني ،الحياة العلمية في الأندلس وفي عصر ملوك الطوائف ،منشورات مكتبة ملك عبد العزيز ،الرياض ،1995
4-سعد الله صالح ،الحياة العلمية في عصر الخلافة في الأندلس ،مكتبة الإسكندرية ،1995
5-محمد أبو إمام،جوانب من النشاط العلمي في الأندلس خلال عصر الأموي(138-400/755-1009)، الدراسات الدعوية،العدد11 جانفي 2006 .
******
نبذة عن الكاتب:
الاسم: كاملي زهيرة
الدولة: الجزائر
الدراسة: تاريخ مُعاصر
إرسال تعليق
0 تعليقات