الباحث المغربي «سعد أزدو» يكتب: كرونولوجية التحليل المعاصر للخطاب القرآني




         
تقديم:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد : 
فالقرآن الكريم كان ولايزال مركز اهتمام العلماء والمفسرين قديما وحديثا , والذين حاولوا الوقوف على متنه تفسيرا وتحليلا وتأويلا ,وبرجوعنا لكرونولوجية الاهتمام بكتاب الله نجدها اهتمت في " المراحل الأولى" ببيان معاني الآيات عن طريق الإيضاح اللغوي موازاة ونصوص الحديث وأقوال الصحابة , بغية الوصول لمعنى الآية أو الآيات , ثم مرحلة التلخيص والتعليق ., بعد منهج التفسير الموروث جاء مايعرف " بالتفسير العصري " الذي تأثر بالنتائج الغربية المعرفية الحديثة في السبعينيات مع " مصطفى محمود " , لكن على المستوى المنهجي لم يتغير شيئ , بل اكتفوا بإجراء تأويلات على بعض الآيات تتصل بتصورهم الجديد للعالم  ليأتي بعد ذلك " التفسير الحداثي المعاصر " الذي اعتمد أدوات ومناهج جديدة , أما بداياته فتعود إلى الأربعينيات مع الكاتب السوري " محمد شحرور " الذي أعطى مصطلح " القراءة المعاصرة " .
ثار علماء هذا العصر على الموروث السابق الذي تراكم لقرون  خاصة فيما يتعلق بأصول التفسير التي نادوا بهدمها وتعويضها بالمناهج المعرفية المعاصرة , كالمنهج ( الماركسي , البنيوي  السيميائي , الألسني ..) مما أدى إلى بروز معاني جديدة , ومن بين هؤلاء نجد    "محمد أراكون""ناصرحامد أبو زيد""الحاج حمد"  أما نهجهم هذا فيمكن إرجاعه إلى العقل العربي الإسلامي المتأثر بالقرآن الكريم , أما الدافع لهذه الدراسة أن الدراسة الأولى اعتبروها حجرت الفكر وقيدته , وبالتالي وجب الانسلاخ من كل ذاك الموروث ودراسة القرآن الكريم دراسة جديدة منفتحةمتحررة من أي قيود  الشيئ الذي سيعطي تقدما وتطورا مجتمعيا .

يمكننا أن نشير أيضا إلى أنه سبق للمجتمع الإسلامي أن اصطدم بثقافة غربية " ثقافة اليونان " ,فانقسم بذلك المجتمع فريق رفض تلك الثقافة رفضا تاما  وآخرون استخدموا المنطق العقلي  وزاوجوا بين العقل والوحي لإثبات أن لا اختلاف على الحقائق وان تعددت المناهج .
1 – تحليل الخطاب القرآني في ضوء المناهج الحديثة
تجدر الإشارة إلى أن تحليل الخطاب يمكن اعتباره : " مجموع المعاني التي يستطيع متلقي الخطاب أن يفهمها ويعقلها , لأن أي خطاب في حقيقته كلام ذوا قصد وإرادة ومغزى يريد إيصاله "
المنهج الماركسي وسياسة تفريغ الدين من الدين

تأثر عرب كثر بالمنهج الماركسي وحاولوا تطبيقه على القرآن الكريم , من ذلك ماكتبه " محمد عيتاني " 1989 "القرآن في ضوء الفكر المادي الجدلي" , نجد أيضا
" حسن حنفي" ,إذ لم ينظروا إلى القرآن الكريم على أنه وحي , بل هو جزء من التراث أنتجه عقل بشري , كما أخضعوا الوحي للتاريخ باعتبار القرآن نزل ليحل مشاكل أمة معينة , والضمني في قولهم ( نزع الشمولية عن القرآن الكريم مما يجوز لهم التصرف فيه على أنه فكر أنساني أي إيديولوجيا  ) ., كما انطلقوا من " أولوية الواقع " أي : النظر في الواقع ومن ثمة نتجه للقرآن الكريم ونصوغ تأويلا ملائما لما نجده في الواقع .
المنهج البنيوي
تعود جذور البنيوية للعالم السويسري رائد اللسانيات الحديثة " فرديناند دوسوسور " والذي جاء بنظرة مخالفة لما كانت المناهج الخارج نصية تنهجه , فكان بمثابة بوابة جديدة للاهتمام بالجانب اللغوي , والذي يمكن استخدامه في كل العلوم الإنسانية , كما أعطى مجموعة من الثنائيات من بينها أنه فرق بين "اللغة والكلام " محاولا دراسة اللغة لأنها بمثابة نسق système 

كما حاول بعض المعاصرين إسقاط هذا المنهج على القرآن ., ويعد " محمد أراكون " أول من طبق هذا المنهج حيث اعتبر القرآن ( مجموعة محدودة ومفتوحة من النصوص ثم شرحها وإسقاطها على الناس بطريقة لاتسمح بحرية الفكر ) . كما طالب بالرجوع إلى الوحي وتمحيصه وإعادة كتابة قصة تشكله , باعتباره لم يجمع إلا في القرن الرابع الهجري , أي الرجوع إلى الوثائق التاريخية التي أتيح لها أن تصلنا سواء كانت سنية أو شيعية ..للتأكد من أننا تجنبنا أي حذف , كما أراد من خلال دراسته للعلاقة القائمة بين الوحي والتاريخ أن يزحزح تلك النظرة القدسية عن الوحي التقليدي , لكي يصبح بمثابة موضوع يخضع لمناهج حديثة علمية , باستخدام جميع مصادر المعقولية والتفكير مايسميه " الفعل الاستطلاعي المنبثق حديثا " , كما أن الفكر إذا استمر زمنا طويلا وهو يكتفي بترديد ماتسمح به اللغة والنصوص العقائدية , فانه يتضخم ويثقل ويتراكم ويسيطر على العقل .
الجانب التطبيقي عند أراكون
من الدراسات التي قام بها في إحدى محاضراته أنه انطلق من قوله تعالى : " وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم مافي البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولاحبة في ظلمات الأرض ولارطب ولايابس إلا في كتاب مبين "
ثم أشار إلى من أول هذه الآية وأنهم اعتبروا أن جميع ماتوصل إليه العلماء قد صرح به القرآن الكريم , كما يدعوا إلى الموضوعية في التعامل مع النص القرآني , أي اعتماد العقل وهو محرر من الاهتزازات الوجدانية .



إحصاء الألفاظ
قام بإحصاء الألفاظ المشتقة من الأصل "عليم" :
عليم === 140 مرة
العلم === 80 مرة
الأفعال في الماضي والمضارع === 388 مرة
خلص إلى أن : " العلم يدل على عالم من الحقائق لايدركها الإنسان لأنها مرتبطة بعالم الغيب , والعلم الغيبي يؤتى بأجزاء ضئيلة لعباد الله الصالحين عن طريق الرسل والأنبياء "
" عرف " == : مرتبطة نحويا بالإنسان أي بعملية فكرية خاصة وهي ادراك بالحواس لأشياء وأشخاص .
 كما حصر ألفاظ القرآن في " بنية دلالية محيطة " "وبنية دلالية محاطة "
الأولى شملت حقائق الاهية خارجة عن الإدراك الإنساني
الله==2696 , الكتاب==230 , حق ==287
جزاء==362, عذاب==119 , حل==83
حرم==51
الثانية شملت أعمال الإنسان
- الإدراك السليم : سمع=183 , بصر=148 , نظر=129
- معجم المجادلة :  ظن=69,حسب=44 ,جدل=29,   زعم=17
- معجم الكفر : كفر= 525, ضل=191 , جهل=24 .



نقد منهج محمد أراكون
-كانت القراءة المعاصرة قد قطعت الصلة مع القراءات الإسلامية القديمة , واعتمدت مايعرف ب" أنسنة القرآن الكريم"  أي رفع القداسة عنه وعقلنته أي رفع عائق الغيبية عنه , وكذا استبدال " علوم القرآن " بالمناهج الإنسانية .
نزول القرآن == الواقعة القرآنية
القرآن الكريم == المدونة الكبرى
الآية === العبارة
-يميز أراكون بين " الخطاب النبوي " و " الكلام الالاهي "  فالأخير ( قيل في الأزل ) , ولايقدر أي خطاب بشري احتوائه  , وبالتالي نجد أن القرآن عنده هو " ما استقر عند النبي صلى الله عليه وسلم من معاني , كما لايمكن رفع القرآن مرتبة الاهية لأنه تلفظ به نبي بما يتوافق ومستواه اللغوي ومقدرته البيانية " .


2 – تحليل الخطاب القرآني في ضوء المنهج التأويلي 
الانزياح إلى فساد التأويل
اعتبر المؤولون المعاصرون أن لغة القرآن الكريم لغة عادية ليست بالمعجزة وأنه في قمة البيان والوضوح , ولا يحتاج إلى تفسير أو إلى وسيط يكون بيننا وبينه , مما مكنهم من إخراج الوحي من سياق الخارق إلى مفهوم يخضع لسلطة العقل , كما اعتبروا أن العبادات التي لاتقبل اعمال العقل بمثابة طقوس جامدة .


كما انصرف التأويل في أحيان كثيرة إلى الخروج عن المعنى المقصود مثال ذلك :  " القرامطة والجهمية "
الذين أولوا :
الصيام === " كتم السر "
الحج === " السفر إلى زيارة شيوخهم "
الجنة === " الاستمتاع بملذات الدنيا "
نجد كذلك " حسن الشابندر " الذي اعتبر القرآن الكريم مليئ بمجموعة من الفراغات وجب ملِؤها , فكتب مقالا بعنوان فراغات النص القرآني ... من يملؤها وكيف؟ , وفي هذا الإطار يشير الأستاذ " عبد الرحمان بودراع " أن ملئ الفراغ ربطه القدماء " بتقدير محذوف دلت عليه قرائن الأحوال " من ذلك : قوله تعالى ( فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا )     
وتقديرها :  (فأتيناهم فأبلغناهم الرسالة فكذبوها فدمرناهم )
خطوات التحليل السليم للخطاب القرآني
يمكن اعتبار السياق ذاك " الإطار العام الذي تنتظم فيه عناصر النص ووحداته اللغوية , وهو مقياس يصل الجمل فيما بينها "
وهناك أنواع من السياقات يمكن توظيفها عند تحليلنا للخطاب القرآني :
-السياق المكاني : سياق الآية داخل السورة , أو سياق الجملة داخل الآية مع ربط الآية بما قبلها وما بعدها .
-السياق الزمني : سياق الآية بحسب ترتيب نزولها
-السياق الموضوعي : دراسة الآية أو الآيات التي يجمعها موضوع واحد .
-السياق اللغوي : دراسة النص من خلال علاقات ألفاظه بعضها ببعض .
من بين الأمثلة التطبيقية على ذلك :
قال تعالى " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه "
قد يفهم من ظاهر الآية أن يوسف هم أن يفعل بامرأة العزيز مثلما همت أن تفعل به .
اختلف المفسرون في تأويل الآية منهم من قال : " أن هم بها بمعنى تمناها زوجة له "
لكن السياق اللغوي سيحسم في دلالتها , يقول النحاة في معنى ( لولا ) :
     لولا التي للابتدا حرف تفيد      لتلو تلوها امتناعا لوجود
ومعنى ذلك أن " لولا " تجيئ بعدها جملتان , فالجملة الثانية تكون ممتنعة لوجود الجملة الأولى نقول على سبيل المثال :
" لولا نبح الكلب لدخل اللص" , ( فدخول اللص امتنع لوجود الجملة الأولى نبح الكلب ) .
أما تقدير الآية " لولا أن رأى برهان ربه لهم بها "
مثال آخر : " قوله تعالى : وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي " .
وهذا من قول امرأة العزيز وليس من قول يوسف , لأن السياق المكاني يفيد أن كلام يوسف قد انتهى , وبدأ كلام امرأة العزيز في جمل متصلة .                                                        وبربط الآية بالتي قبلها نجد قوله تعالى : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لايهدي كيد الخائنين , وما أبرئ نفسي .... "


4   نتائج مستخلصة : 
نتيجة 1 : لم يوفق أي من المعاصرين في تأليف تفسير كامل للقرآن الكريم , بل طبقوا تلك المناهج على بعض النصوص .
نتيجة 2 : المفسر للنص القرآني مطالب بالبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية كونها ضرورية لفهم الواقع وإدراك أبعاد الإنسان , وهذه الدراسات تقدم نتائج تصبح معه ضرورة شرعية  " فالفقه يؤسس على أحوال تلك البلاد ومتطلباتهم فالإمام الشافعي كان له مذهب لما أقام بالعراق فلما انتقل إلى مصر بنى مذهبا آخر " .
نتيجة 3 : لكي يكون الانتفاع بالمناهج الحديثة فعالا , وجب وضع ضوابط تعصم التفسير المعاصر من مزالق الإسقاط الخارجي .
نتيجة 4 :  علم الاجتماع الغربي لايصلح أن يستفاد منه لفهم نصوص القرآن , إلا إذا خضع لتعديلات تمس الرؤية والمقاصد لأنه يعتمد على عالم المحسوسات والمادية في التفكير .
نتيجة 5 : رغم اختلاف المناهج التي اعتمدها المعاصرون في تأويلهم لآي القرآن , إلا أننا نجدهم ينطلقون من خاصيتين :
طرح اللسان العربي وتعويضه معللين ذلك بتجديد اللغة     ( لكن اللغة هي الضابط لتفسير القرآن , إن ثم تجاوزها سهل إدخال مالاتحتمله النصوص )
هدم الموروث القديم باعتباره وسيط بيننا وبين القرآن .

خاتمة 

هذه نتافات وشذرات عن أهم المناهج العصرية الحديثة التي طبقت على آي القرآن الكريم, إذ كان استعمالها على الوجه السليم يصل بالمفسر إلى المعنى المراد ., وكما يوجد صالح يوجد أيضا طالح فقد برز مجموعة من المعاصرين الذين قادهم تحليلهم إلى الانزياح عن المقصود في أحيان كثيرة مما أعطى تأويلات فاسدة بناء لإعمال مفرط للعقل على حساب الوحي , أو بإبعاد آيات يمكن أن تكون هي المفسرة لتلك الآية , أو بتعويض اللسان العربي بآخر معاصر مما يؤدي لتقويل النص مالايقوله , وتبقى كتابات المعاصرين في تحليلهم للقرآن الكريم اجتهادات لهم وعليهم .

المراجع  :
1 – " الخطاب القرآني والمناهج الحديثة في تحليله "
                  دراسة نقدية ( صليحة بن عاشور ) .
2 – " القرآن الكريم ومناهج تحليل الخطاب "
               ( عبد الرزاق هرماس )
3 – " الخطاب القرآني ومناهج التأويل " نحو دراسية نقدية    للتأويلات المعاصرة "
( عبد الرحمان بودراع )

إرسال تعليق

0 تعليقات