الكاتبة الفلسطينية «سهى العديني» تكتب: أختي سارة
ثم أجهشت بالبكاء الشديد
أخذتها بين ذراعي لكي تهدأ قليلاً ، مررت يدي على شعرها الأملس ، حتى توقفت عن البكاء .
مسحت الدموع عن وجنتيها . صمتنا للحظات قليلة
ومن ثم قالت : سارة ، لقد مللت من هذه الحياة أرغب بالموت ، لا أحد يحبني .
أجبتها قائلة : ماذا حدث بالتحديد ، أخبريني
لمى : لا شيء ، سوى أنني تعبت ، ليست لدي رغبة في الإستمرار والوجود أكثر بعد ، لا أحد يحبني .
نظرت إليها وقلت : ما هذا الهراء الذي تقولينهُ ؟
جميعنا نحبك .
لمى : هل سيشكل رحيلي فارقاً بالنسبة لكما ، هل يعني وجودي شيء ، أم أنني بلا قيمة .
اسمعي يا لمى ، لدي فكرة
هل تذهبين معي في رحلة ؟
نظرت إلي لمى بذهول وعلامات الإستغراب على وجهها ، ثم قالت : أتمزحين ؟ هذا ليس وقت المزح .
أنا لا أمزح ، اسمعي لي جيداً ، ستغمضين عينيكِ ، وسأقوم أنا بالحديث ، وأنتي تتخيلين ما أقوله فقط ، إياكِ أن تفتحي عينيكِ ، حتى لو كان الكلام قاسٍ أو مؤثر أياً كان .
اتفقنا ، تحمست لمى للفكرة ، ووجدتها ممتعة قليلاً ، فعندما كنا صغاراً كان أبي يقولوا لنا : سنذهب في رحلة ، هل أنتم جاهزون ؟ لقد سافرنا إلى جميع أرجاء العالم مع أبي من خلال مخيلتنا الواسعة وقصص أبي الظريفة
قالت لمى : نعم اتفقنا
قلت لها جاهزة ، قالت : هيا ابدئي .
تخيلي معي أنا أبي جاء ليوقظكِ لصلاة الفجر ، كما يقوم عادةً قبل ذهابه إلى المسجد ، يناديك بإسمك مراراً وتكراراً ، وليس هناك من مجيب ، يسألني ما بها أختك ، لما لا تنهض ، أقول له لا أعلم يرفع الفراش عن وجهك ، ويظنك نائمة في سبات عميق ، يحاول كثيراً أن يوقظك وليس هناك أي فائدة ، ثم
يشك بأنك رحلت ، يبدأ الصراع بداخله ودقات قلبه تتسارع ، يسأل نفسه، هل ذهبت لمى حقاً ؟ يقترب منك أكثر وأكثر ليسمع دقات قلبك فلا يسمع أي شيء ، فيجد روحك قد فارقت الحياة ، ماذا ستكون ردة فعله ؟
ربما سينهار ، ابنته الجميلة والمطيعة لا تنهض
من نومها ، أميرته التي يفتخر بها أمام الجميع اليوم رحلت !
أنظر إليه بخوف وأنا أردد ما بها أختي يا أبي ، أصرخ بصوت عالٍ
تأتي أمي مسرعة مفزوعة لصراخي
فتجد أبي ،و هو يتوسل لكِ لكي تنهضي وأنا أبكي مرعوبة
أمي ستصدم وربما يغمى عليها من إثرِ الخبر ، لن تصدق الأمر ، ستظن أنها في حلم بأن إبنتها ذات التسعة عشر عاماً بعمر الزهور ودعت الدنيا هكذا ، لم تفرح بكِ بعد ، كيف ستتقبل هذه الحقيقة المرة .
صمتُ قليلاً ، فتحت عيناي لكي أتأكد من أن لمى ما زالت مغمضة العينان ، نظرت لها ووجدت عيناها تذرف بالدموع ، كنت أتأملها وهي تبكي ، على ما يبدو أنها تأثرت جداً من كلامي وأنا الرحلة لما تكون جميلة كما كان أبي يوصفها لنا
شعرت لمى بهدوئي ، كانت على وشك أن تفتح عيناها
قلت لها مسرعة : لا تفتحي عيناكِ لم أنهي كلامي بعد
أكمل قائلة وأكاد أن أبكي ، يرتجف صوتي وأقول :
فأما أنا ، التي اعتدت على وجودك ، كيف سأتقبل خبر رحيلك ، أختي الوحيدة لي في هذه الحياة وصديقتي أيضاً ، ذهبت
ترى كيف سأنامُ من دونك ؟ وكيف ستكون الحياة من بعدك حين ترحلين ؟
سأنام وحدي ، لن يشاركني أحد قهوتي في الصباح ، فأنا اعتدت على شربها معكِ سأذهب للجامعة وحدي ، أنتي التي شاركتني تفاصيل حياتي بكل ما فيها ، كبرنا معاً وتشاركنا جميع الأشياء سوياً ، فأنتِ الصديقة الأوفى والأفضل والأجمل لن أجد أخت و صديقة مثلك ، صحيح أننا قد نتشاجر كثيراً في بعض الأحيان ولكن هذا لا يعني أنني لا أحبكِ وأنا وجودك بالنسبة لي ليس مهماً ، بل أحبكِ فوق ما تتخيلين ، ولا أستطيع أن أعيش دونك ، صدقيني يا لمى الحياة من بعدك ستصبح سوداوية وبلا أي قيمة .
ستتغير حياة الجميع من بعدك ، حياتي وحياة أمي وأبي ، سيكون هناك نقص كبير ، وفراغ لن يملأه أحدٌ غيرك .
سنفقدتك بين الحين والآخر ، بين كل لحظة وأخرى ، سناديكِ لكي تتناولي الطعام معنا ومن ثم نتذكر بأنك رحلت ، سيأتي أبي لإيقاضك لصلاة الفجر ليوقضك ومن ثم يتذكر بأنك رحلت وما عدت بيننا ، لن نستطيع نسيانك أبداً بهذه السهولة
الجميع سيفتقدتك الجيران وصديقاتك ، كل شخص تعاملتي معه سيفتقدتك .
لا تستهيني بوجودك على الإطلاق .
حياتك ليست لكِ وحدك ، لا يحق لكِ تمني الموت .
فتحت لمى عيناها
وعانقتني بشدة وهي تقول لا أريد أن أموت ولن أتمناه أبداً ، ليس هناك أي داعي للموت كم أنا غبية أريد أن أوجع قلوبكم برحيلي ، لا يستحق أن أموت من أجله ، فلدي عائلة جميلة تحبني وأحبها
أحبكِ سارة ، لم أفكر بماذا سيحدث لكم بعد رحيلي ، فكرت فقط بنفسي أنا أنانية .
عزيزتي لمى : وأنا أحبك ، لا تفكري بالموت ثانية ، اعديني بذلك
أعدك بذلك سارة ، كيف سأتمناه وأنا لدي أخت مثلكِ .
إرسال تعليق
0 تعليقات