الكاتبة الفلسطينية «سهى العديني» تكتب: أختي سارة


بينما كنت جالسة على سريري ، أقرأ كتاباً  ، جاءت أختي التي تصغرني بثلاث أعوام ، جلست بجواري  نظرتُ إليها ؛  فإذا بالدموع تملأ  مقلتيها  ، تركت الكتاب جانباً ،  واقتربتُ منها قليلاً  ، ربتُ يداي على كتفها بحنان ،  وقلت :  لمى عزيزتي : ما بكِ ، لماذا تبكين ؟
ثم أجهشت بالبكاء الشديد
أخذتها بين ذراعي لكي تهدأ قليلاً ، مررت يدي على شعرها الأملس ، حتى توقفت عن البكاء .
مسحت الدموع عن وجنتيها . صمتنا للحظات قليلة
ومن ثم قالت : سارة ، لقد مللت من هذه الحياة  أرغب بالموت ، لا أحد يحبني .
أجبتها قائلة : ماذا حدث بالتحديد ، أخبريني
لمى : لا شيء ، سوى أنني  تعبت ، ليست لدي رغبة في الإستمرار  والوجود أكثر بعد ،  لا أحد يحبني .
نظرت إليها وقلت : ما هذا الهراء الذي تقولينهُ ؟
جميعنا نحبك .
لمى : هل سيشكل رحيلي فارقاً بالنسبة لكما ، هل يعني وجودي شيء ، أم أنني بلا قيمة .
اسمعي يا لمى ، لدي فكرة
هل تذهبين معي في رحلة ؟
نظرت إلي لمى بذهول وعلامات الإستغراب على وجهها ، ثم قالت :  أتمزحين ؟ هذا ليس وقت المزح .
أنا لا أمزح ، اسمعي لي جيداً ، ستغمضين عينيكِ ، وسأقوم أنا بالحديث ، وأنتي تتخيلين ما أقوله فقط  ، إياكِ أن تفتحي عينيكِ ، حتى لو كان الكلام قاسٍ أو مؤثر أياً كان .
اتفقنا ، تحمست لمى للفكرة ،  ووجدتها ممتعة قليلاً ،  فعندما كنا صغاراً كان أبي يقولوا لنا : سنذهب في رحلة ، هل أنتم جاهزون ؟  لقد سافرنا إلى جميع أرجاء العالم مع أبي  من خلال مخيلتنا الواسعة  وقصص أبي الظريفة
قالت لمى : نعم اتفقنا
قلت لها جاهزة ، قالت : هيا ابدئي .
تخيلي معي أنا أبي جاء ليوقظكِ  لصلاة الفجر ، كما يقوم عادةً قبل ذهابه إلى المسجد ، يناديك بإسمك مراراً وتكراراً  ، وليس هناك من مجيب ،  يسألني ما بها أختك ، لما لا تنهض ، أقول له لا أعلم يرفع الفراش عن وجهك ، ويظنك نائمة في سبات عميق ، يحاول كثيراً أن يوقظك وليس هناك أي فائدة ، ثم
يشك بأنك رحلت ، يبدأ الصراع بداخله ودقات قلبه تتسارع ، يسأل نفسه،  هل ذهبت لمى حقاً ؟ يقترب منك أكثر وأكثر ليسمع دقات قلبك فلا يسمع أي شيء  ،  فيجد روحك قد فارقت الحياة ، ماذا ستكون ردة فعله ؟
ربما سينهار ، ابنته الجميلة والمطيعة  لا تنهض
من نومها ، أميرته التي يفتخر بها أمام الجميع اليوم رحلت !
أنظر إليه بخوف  وأنا أردد ما بها أختي يا أبي ، أصرخ بصوت عالٍ
تأتي أمي مسرعة مفزوعة لصراخي
فتجد   أبي  ،و هو يتوسل لكِ   لكي تنهضي  وأنا أبكي مرعوبة
أمي ستصدم وربما يغمى عليها من إثرِ الخبر ، لن  تصدق الأمر  ، ستظن أنها في حلم بأن  إبنتها ذات التسعة عشر عاماً بعمر الزهور ودعت الدنيا هكذا ، لم تفرح بكِ  بعد ،  كيف ستتقبل هذه الحقيقة المرة .
صمتُ قليلاً  ،  فتحت عيناي لكي أتأكد من أن لمى ما زالت مغمضة العينان ، نظرت لها ووجدت عيناها تذرف بالدموع  ، كنت أتأملها وهي تبكي ، على ما يبدو أنها  تأثرت جداً من كلامي وأنا الرحلة لما تكون جميلة كما كان أبي يوصفها لنا
شعرت لمى بهدوئي ، كانت على وشك أن تفتح عيناها
قلت لها مسرعة :  لا تفتحي عيناكِ لم أنهي كلامي  بعد
أكمل قائلة وأكاد أن أبكي ،  يرتجف صوتي وأقول :
فأما أنا ، التي اعتدت على وجودك ، كيف سأتقبل خبر رحيلك ، أختي الوحيدة لي  في هذه الحياة  وصديقتي أيضاً ، ذهبت
ترى  كيف سأنامُ من دونك ؟  وكيف ستكون الحياة من بعدك  حين ترحلين ؟
  سأنام وحدي ، لن يشاركني أحد قهوتي في الصباح ، فأنا اعتدت على شربها معكِ  سأذهب للجامعة وحدي ، أنتي التي شاركتني تفاصيل حياتي بكل ما فيها ،  كبرنا معاً  وتشاركنا جميع الأشياء سوياً ، فأنتِ  الصديقة الأوفى والأفضل والأجمل لن أجد أخت و صديقة مثلك  ،  صحيح أننا قد نتشاجر كثيراً في بعض الأحيان ولكن هذا لا يعني أنني لا أحبكِ   وأنا وجودك بالنسبة لي ليس مهماً ، بل أحبكِ فوق ما تتخيلين ، ولا أستطيع أن أعيش دونك ، صدقيني يا لمى الحياة من بعدك ستصبح سوداوية وبلا أي قيمة .
ستتغير حياة الجميع من بعدك ، حياتي وحياة أمي وأبي ، سيكون هناك نقص كبير  ، وفراغ لن يملأه أحدٌ غيرك  .
سنفقدتك بين الحين والآخر ، بين كل لحظة وأخرى ، سناديكِ لكي تتناولي الطعام معنا ومن ثم نتذكر بأنك رحلت ، سيأتي أبي لإيقاضك لصلاة الفجر ليوقضك ومن ثم يتذكر بأنك رحلت وما عدت بيننا ، لن نستطيع نسيانك أبداً بهذه السهولة
الجميع سيفتقدتك الجيران وصديقاتك ، كل شخص تعاملتي معه سيفتقدتك .
لا تستهيني بوجودك على الإطلاق .
حياتك ليست لكِ وحدك ، لا يحق لكِ تمني الموت .
فتحت لمى عيناها
وعانقتني بشدة وهي تقول لا أريد أن أموت ولن أتمناه أبداً ، ليس هناك أي داعي للموت كم أنا غبية أريد أن أوجع قلوبكم برحيلي ، لا يستحق أن أموت من أجله ، فلدي عائلة جميلة تحبني وأحبها
أحبكِ سارة ، لم أفكر بماذا سيحدث لكم بعد رحيلي ، فكرت فقط بنفسي أنا أنانية .
عزيزتي لمى :  وأنا أحبك ، لا تفكري بالموت ثانية ، اعديني بذلك
أعدك بذلك سارة ، كيف سأتمناه وأنا لدي أخت مثلكِ . 
_____
بقلم سهى العديني ، فلسطينية  ، ٢٢ سنة ، خريجة لغة عربية  
نشرت ٣ نصوص بثلاث مجلات 
تم نشر نصين لي بكتاب  ١٠٠٠ كاتب ولاجئ 
نشرت قصة بكتاب اكتب إذا ما استطعت الكتابة 

إرسال تعليق

0 تعليقات