قرية الأموات_ قصة للأديب الهندي: سنتوش أيتشيكانم
ترجمة: عبدالغفور فاثيبارمبات
(قطر_ الهند)
السيد/ فيشوان كوتور الذي بلغ من العمر 45 سنة، أصبح الآن محط أنظار وسائل الإعلام حيث فاجأ الجميع بلوحة علقها أمام منزله كتب عليها " سوف انتحر أنا وعائلتي معا في تمام الساعة 12.00 صباحا في اليوم الخامس عشر من شهر أغسطس هذا العام" و هذا الإعلان الصارخ عن الانتحار الجماعي يعبر أكثر عن أوجه عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية والنفسانية التي تمر بها ولاية كيرالا في الوقت الراهن. هل سينتحر فيشوان مع عائلته أم لا...؟ ينضم إلينا السيد/ فيشوان نفسه للإجابة عن هذا السؤال الموجع الذي أقض مضجع جميع أهل كيرالا. ماذا ستكون العواقب الوخيمة فيما إذا تمكن هو على تنفيذ هذا التهديد الغريب من نوعه في يوم الاستقلال التاسع عشر للهند؟. ولمن ستحمل مسؤولية هذا الانتحار الجماعي؟ هل بنك فيلور التعاوني أو الشخص المدعو/ سهوداكاران بن كونجامان والذي يقيم في قرية فيلور الشرقية – الرقم المساحي 1256/83 ، صديقه الحميم الذي اختفى إلى الأبد بعد اقتراض مبلغ وقدره 50,000روبية هندية من البنك المذكور بضمان شخصي من السيد/ ويشان، هذا موضوع حلقة اليوم . للحديث حول النواحي المختلفة لهذه المسألة التي أثارت ضجة كبيرة في وسائل إعلام ولاية كيرالا ، نستضيف الدكتور/ سي نانثا كومار العالم النفسي الكبير والناشط الاجتماعي والكاتب المرموق ويشارك معه في الاستوديو السيد/ مادهاوان ناير أمين بنك فيلور التعاوني والسيد/ آلاكس بونوس ضابط مكتب بحوث الجنايات الوطنية ويوجد معنا السيد/ فيشوان كتور نفسه والمحامية فاطمة بيجوم على الهواء، يبدأ نقاش نيوز تايم ، بعد فاصل قصير.
(دعايات ترويجية )
نحن معكم لتحقيق منازل أحلامكم ............................
أبراج ومساكن مولور.
المواقع الخلابة وأنماط الحياة الفاخرة
إبداعات أنيقة لأجيال لاحقة.
يتابع نيوز تايم .... مرحبا بكم .......المشاهدين الكرام
عزيزي فيشوان كوتور، هل تسمع؟ ما الذي حدث بالفعل؟ هل بإمكانك أن توجز خلفية عائلتك؟
" أنا فيشوان ........ كوتور"
" نعم ، فضل... نستمع إليك يا ويشان"
" أن معول زوجة وابنتين ... كل ما املكه هو منزلي هذا وقطعة الأرض المحاطة به بمساحة لا تزيد عن 7 سنت ونصف، استحققته من إدخار مكاسبي بكد اليمين وعرق الجبين وتخفيض ميزانية الأسرة للأطعمة والملابس ولم يتم تجصيص جدران منزلي حتى الآن وتمكنت بطريق ما على إكمال أعمال الهيكل والسقف ومع ذلك بدأنا مؤخرا المكوث فيه في شهر تولام ( شهر ملياضم). وليس أمامنا أي سبيل لتسديد قرض البنك سوى الانتحار"
" عزيزي ويشان، كيف انخدعت في قرض ربوي كهذا؟
" ما انخدعت يا سيدي ولكن خدعني ...... صديقي سوداكارن، وذلك أنه ما مضت إلا سنتان مذ انتقالي مع أسرتي إلى قرية كوتور. وكنت أسكن في قرية فيلور سابقا وعشت أنا وسوداكاران كصديقين كنا متحابين جدا وتعلمنا معا في مقعد واحد من مدرسة فيلور الحكومية إلى الصف الثامن. وكان الاستاذ/ بوثووال يدرسنا قائلا " الخير كل الخير في مساعدة الآخرين". ولم أنس تلك الجملة حتى الآن. وجاء صديقي المذكور إلى منزلي ذات صباح باكيا متذللا وطلب مني بكل ضراعة لتثبيت إمضائي على استمارة طلب القرض كضامن أول. و بعدما تمكن من الحصول على توقيعي كرر نفس الجملة ماسكا وسط كفي " الخير كل الخير في مساعدة الآخرين" ولن أنس هذه المساعدة أبدا يا ويشا.." ثم مسح سوداكارن عينيه قائلا " لا تتردد للاتصال بي لأي مساعدة تحتاج إليها" والآن قد مضت ثلاث سنوات إذ فوجئت بإشعار بنكي وصل إلى منزلي مؤخرا طالبا مني تسديد مبلغ خمسين ألف روبية هندية مع الفوائد بصفتي ضامن أول لقرضه فسألت " يا سوداكارن ! ألستُ أنا معولا لابنتين صغيرتين .... لقد تركتنا وأوفقتنا في منتصف الطريق...؟
" صحيح....... يا ويشان! سوف أعود إليك، والآن انضم إلينا في الاستوديو السيد/ مادهاوان ناير أمين بنك فيلور التعاوني ليتحدث عن هذا الموضوع.
" أهلا وسهلا بك!، وشكرا لحضورك معنا،، السيد/مادهاون ناير كيف ترى أن سيقدم إنسان بريء على إنهاء حياته فقط بسبب بنك تعمل فيه كأمين عام وماذا تقول عن هذه المشكلة؟"
" ليس لدينا خيار آخر إلا المضي قدما وفقا لقانون البنك التعاوني الهندي. السيد/ سوداكاران هو المقترض الحقيقي وحيث لم يسدد القرض في الموعد فلا بد للضامن الأول من دفع مبلغ وقدره 90045 روبية هندية (تسعة عشر ألف وخمسة وأربعون روبية هندية ) كقرض رئيسي مع فوائد مترتبة. وإن لم يسدد المبلغ المذكور سوف يقوم البنك بمصادرة منزل السيد/فيشوان وقطعة أرضه والبنك مضطر لأخذ هذه الخطوة النهائية".
" وهل أخبرتم السيد/ فيشوان عن خطورة هذه المشكلة؟"
" طبعا، قد اتخذنا جميع الإجراءات الخاصة بالبنك بما فيها إرسال الإشعار بالبريد المسجل للعلم بالوصول وحاولنا إطالة الأجل حسب إمكاننا. وقمنا بتمديد فترة سماح تكفي لتأدية القرض للسيد/ ويشان. بيد أنه سدد فقط مبلغ سبعة آلاف روبية هندية والآن قد بلغ السيل الزبى ووصل القرض الإجمالي مع الفوائد إلى مبلغ وقدره تسعون ألف"
دعونا نرجع إلى السيد/ فيشوان ، هالو... عزيزي ويشان.... هل سمعت ما قاله أمين عام البنك؟"
" نعم يا سيدي، صحيح ما قاله. وأنه بمقدوره أن يستهزأ بكل بساطة قائلا - مجرد مبلغ سبعة آلاف روبية هندية. ولكن هل تعرفون غاية العناء والتعب وراء هذا المبلغ لزوجتي "راتا" منذ ثلاث سنوات متواصلة بماكينة الخياطة التي تدور بالقدم وتورم ركبتيها لخياطتها بقدمها ليل نهار حتى لم تستطع المشي وظلت في معالجة الطبيب/بولاكادا لمدة أسبوع. أنا إنسان عادي مراع للقوانين والأنظمة هذا سبب تسليمي إلى أمين البنك مبلغ سبعة آلاف وإن كان سبعة آلاف ضئيلا جدا لدى البنك وقمت أمامه منحنيا رأسي وهل يوجد في الأرض شيء أكثر مدعاة للمهانة والذل من أن يركع إنسان أمام إنسان آخر؟ وتحملتُ كل الذل لسبب صديقي المذكور السيد/ سوداكارن والآن لا يبقي لدي شيء إلا منزلي وقطعة الأرض الماثلة"
" السيد/ مادافان ناير، هلا يمكن أن يتوقع من البنك أية رحمة مثل إعفاء قروض التنمية الزراعية في أمر هذا الضامن المخدوع والمخلص إلى هذا الحد؟"
" إذا بدأنا إعفاء القروض على أساس الدموع المسالة فيكفينا إغلاق البنك للأبد واللجوء إلى بيوتنا ونجلس مكفوفي اليدين. ولا نضطلع على عاتقنا مسؤولية إنقاذ حياة الأشخاص بل نهتم فقط بصرف النقود وتداولها. وإن لم يرد المبلغ المقترض فنحن مضطرون لمصادرة أرض فيشوان ومنزله"
" وقد قدم السيد/ مادافان ناير شرحا كافيا عن موقف البنك. غير أن السيد/ فيشوان كوتور أضحى حياته تتأرجح بين كفتي الميزان. أهلا وسهلا بك السيد/ نانثا كومار، كيف تتفاعل بهذا الموضوع الذي تطرقت له وسائل إعلام ولاية كيرالا بصفتك طبيبا نفسيا وناشطا إجتماعيا؟ وهل سينتحر السيد/ ويشان؟
" هناك احتمالية الانتحار وعدمه على السواء. مع ذلك يمكننا الاعتقاد بأن السيد/ فيشوان لديه فكرة قوية عن خطته المدبرة لتنفيذ الانتحار غير أن إغراءات الحياة الفاتنة تعجب كل من يتفكر عن الموت وتسحبه إلى الوراء وكل نفس مجبولة بحب الحياة فيصبح مدهوشا مذعورا للغاية فاقد الهمة عندما ما يقترب من إنهاء حياته على سبيل المثال هلا يسأل للمجرم الذي يساق إلى حبل المشنقة عن آخر آماله؟
" أجل..أجل... يا دكتور... تفضل....
ولا يتجرد الإنسان عن آماله حتى أمام وفاته الحتمية الملفوفة بحبل المشنقة حيث يطالب آنذاك للطعام الشهي ... والملابس .... أو اتصال هاتفي... فلا تنتهي آمال الإنسان حتى بعد وفاته. وشأن السيد/فيشوان لا يختلف عن الأشخاص الآخرين. فلا مندوحة له عن الانتحار ومع ذلك في صميم قلبه ما هو أشد من ألم الموت يئن في داخله كغليان المرجل ويخدشه من جميع النواحي لأن للحياة ثمة إغراءات شديدة لا يمكن التخلص منها وتطرحنا إلى الدرك الأسفل من الآمال وننزل إلى أعماقها مثل الدلو المطروح الملقى بحبل مشدود طرفه بالحجارة ونتمتع في ليونتها ونقع في أحضان الاشجار المائية الوارفة التي تغمرنا بلمسات رقيقة فلن تتمالك أعيننا من النوم و الأحلام التي قد تجلبنا وتسحب بنات أفكارك إلى مكان بعيد مثل صديق منذ الطفولة يغمز أكتافنا ثم يتركنا وسط غابة لا يدخلها خيط من الضوء. فنشتم الرائحة الشديدة التي تكمن في التراب الندي والنباتات النادرة التي لم ترها عين ولم تمس بها يد أحد حتى نصبح فراشات تنغمس في هدوء أقدم أشجارها الوارفة وصمتها القاتل ونسبح بينها مترجمين معاني تأملها العميق. وإذا تغلب السيد/ فيشوان على جميع هذه الهواجس واستمر كمدين بنك فيلور التعاوني أو زوج السيدة/ راتا الخياطة فلا شك أنه سينتحر لا محالة فيه.....
" دكتور، نتثا كومار، دعونا نعود إلى موضوع نقاشنا"
" نعم... أدخل إلى صلب الموضوع ونبحث عن تلك الناحية. الإنسان الذي قرر على تنفيذ الانتحار ألا يكفيه أن ينهي حياته بطريقة أو بأخرى ؟ غير أن السيد/ فيشوان شأنه ليس كغيره قد اختار يوم الاستقلال كموعد انتحاره وكتب التهديد بانتحاره أمام منزله بأحرف كبيرة. وكل هذه الأشياء أدل دليل على أنه يفضل البقاء على قيد الحياة من إنهاءها"
"وكما ذكرت سابقا، يحب الحياة أكثر من الموت ، مهما يكن الأمر فإن هذه مشكلة خطيرة للغاية. والحق في الحياة مع الحرية الشخصية يعد من الحقوق الأساسية لكل إنسان. وأما حرمان الإنسان حتى من هذا الحق الأساسي فهل شيء أشد اشمئزازا منه..... والذي كتب السيد/ فيشون أمام أعيننا يعبر عن التشوهات الكامنة في البنية الاجتماعية البشعة في الوقت الحالي. وليست المسؤولية مقتصرة على بنك فيلور التعاوني"
" ولكن السؤال المطروح يا استاذ نانثا،،، ما هو موقفك في أمر السيد/ فيشوان ، هل يجب أن ينهي حياته أم لا؟"
" لست أهلا للإجابة عن هذا السؤال، مع ذلك ، الحقيقة يجب أن تقال وهي أنه لا تطرح مسألة كهذه للنقاش أمام الجمهور إلا بولادة شهيد مثله يضحي نفسه لأجلها "
" أجل، اجل يا استاذ، نتابع النقاش ... بعد سرد أبرز عناوين أنباء اليوم ...
تفاهم متبادل بين الهند والأمريكا لتغزيز التعاون النووي
اعتمد مجلس التشريع قرارا بزيادة ضريبة الملاهي
سيغلق معبد شاباريمالا غدا.
خرجت آستراليا في الشوط الأول من مبارات كريكات آشيس بـــــ196بولينج
" الدكتور/ نانثا كومار قد فتح آفاقا جديدة في حلقة البحث بتحليل نفسي مستعرضا عن مشكلة السيد/ فيشوان والآن تنضم إلينا المحامية/ فاطمة بيجوم وكيلة المحكمة العليا وسوف تتطرق إلى بعض النواحي القانونية لظاهرة الانتحار هالو! يا الاستاذة/ فاطمة بيجوم هل تسمعين حضرتك!!
" نعم،
أهلا وسهلا إلى نيوز تايم، اعتقد أن حضرتك قد استمعت، ما دارالنقاش عنه إلى حد الآن
" طبعا"
" هل سينتحر السيد/ فيشوان أم لا ؟ موضوع نتركه وسبيله والذي أريد أن أسأل للمدام هو ما يتعلق بالنواحي القانونية للانتحار وما هي العواقب التي يتعرض لها شخص قرر أن ينهي حياته حسب القانون الهندي؟
" هالو.... هالو.... هالو..... نعتذركم لانقطاع الخط للأسباب الفنية سوف نعود إليها فيما بعد. والآن يتحدث معنا السيد/ أليكس بونوس الضابط الكبير للمكتب الوطني للسجلات الجنائية (NCRB) عن ظاهرة الانتحار الجريمة العظمى التي يقبل عليها الكثيرون ولا يزال يزداد معدلها في ولاية كيرالا في كل سنة. مرحبا أهلا وسهلا بك ..السيد/ الكس بونوس هل هذه صحيحة ؟
نعم صحيح جدا، ولاية كيرالا تمثل أعلى معدل الانتحار في الهند و تنتقل إلى حالة أشد خطرا عند مقارنته بمعدل الانتحار الوطني وليست حالة كيرلا مختلفة في تعاطي الخمور وارتكاب الجرائم الأخرى. وحسب إحصائيات عام 2004م يلقى ما يقارب 11300 شخص حتفه كل عام بسبب الانتحار في ولاية كيرالا ويرتفع معدل الانتحار في كل سنة. ولدي بعض المعلومات الذي يفاجئنا جميعا ،بل يثير حيرتكم إذا سمعتموه ." أظهرت دراسة استطلاعية حول ظاهرة الانتحار بين إحدى عشرة آلاف طالب وطالبة من المدارس المختلفة ... كم عددهم ؟ عشرة آلاف طالب وطالبة ... بأن نسبة 27% منهم يتفكرون دائما حول الانتحار وقد خطط ما نسبته 16% من الأطفال لإنهاء حياتهم وحاول نسبة 8% للانتحار للمرة الأولى. إذا ما تواصلت هذه الحالة سوف تصبح كيرالا في ظرف عشرين سنة ولاية الموتى مثل قرية كومالا المذكورة في رواية بيدرو بارامو للأديب العالمي المشهور خوان رولفو. أنا وأنتم وكلنا موتى .. هاهاها... كيرالا نفس قرية كومالا، كومالا كيرالا، ههاها.
" أجل... حضرتك.. لماذا يقع الإنسان فريسة الانتحار؟
" هذا السؤال يجب أن تسأله لفضيلة الدكتور نانثا كومار"
وليس لدينا إلا البيانات حول الانتحار والجرائم. ومع ذلك أقول ما بدا لي: إن الأمراض والديون وعلاقة حب فاشلة والاكتئاب وأسباب أخرى تدفع الإنسان إلى قتل نفسه عمدا.أما في شأن السيد/ فيشوان فهو الدين. ولكن لا نستطيع حصر سبب انتحاره في الدين فقط. ولكن يجب علينا التفكر عن البنية الاجتماعية التي جعلت السيد/ فيشوان مقرضا فليس الدين هو السبب الحقيقي وراءالانتحار غير أن الحكومة التي تجعل الأفراد مقرضين هي المسؤولة عن الانتحار. على سبيل المثال....
"نعم، سوف أعود إليكم الآن قد وصلت المحامية/ فاطمة بيجوم على الهواء.هالو يا مدام... قد طرحت قبل عدة دقائق سؤالا عن النواحي القانونية للانتحار. هل بإمكان حضرتك تقديم البيان الموجز؟"
"إن الانتحار جريمة مؤثمة بموجب المادة 307 من قانون العقوبات الهندي وللمحكمة السلطة المطلقة لمعاقبة محاولي الانتحار بتسجين لعشر سنوات مع الغرامة. وأما مسألة فيشوان فلا تنحصر في الإقدام على الانتحار بل فيها إثارة وتشجيع للآخرين على الانتحار. ولذا يعاقب
السيد/ فيشوان والذي كتب في لوحة بأنه سينتحر مع عائلته في اليوم الخامس وعشرين من شهر أغسطس إذا فشل في محاولته، لتلك الجرائم كلها. لأنه الآن يقتل زوجته وأولاده من ناحية أخرى"
" ألم يسبق حكم من المحكمة بأن الانتحار ليس جريمة البتة؟"
" نعم وذلك حكم صدر عن محكمة ولاية مهاراشترا غير أن محكمة النقض الهندية قد أبطلت ذلك الحكم"
" وهل هذا يعني أنه يتعين على السيد/ فيشوان أن يموت مع عائلته؟"
" لا أقول كذلك ولكن نستطيع ان نقول بالتأكيد واليقين الذي لا يشوبه الشك بأنه سوف يعاقب وفقا للقانون المذكور إذا فشل في محاولته"
" أجل، شكرا جزيلا، يا مدام، نعود مرة أخرى إلى السيد/ فيشوان نفسه ، هالو. هالو فيشوان ؟
" نعم استمع .. أنا فيشوان ..."
"قد انتهت الآن مباحثة مفصلة حول قضيتك. هل لديك شيء آخر فيما يخص بهذه القضية ؟ يمكنك التوضيح بكلمات قصيرة لأن وقت نيوز تايمز على وشك الانتهاء ...كلمات قصيرة جده، أوكيه.. فضل يالاخ فيشوان ...
" أنا إنسان عادي ولم أتعلم كثيرا وليست لدي معرفة كثيرة أو فصاحة وطلاقة لسان أعبر بها عن جميع ما في داخلي حق التعبير . والذي يمكنني قوله هو أننا نحن أنا وعائلتي نمشى على خيط رقيق مشدود بين الموت ومصادرة البنك. قد عشت طيلة خمسة و أربعين سنة حياة نكدة تحملت فيها كثيرا من المصاعب والمنغصات وتعبت منها. والتجربة هي مفتاح المعرفة الحقة ومنها يتعلم الإنسان كل شيء. ولي بعض النصائح للجميع لئلا ينخدع أحد لسبب الضمان الشخصي "
"فضل... بسرعة... الوقت قليل جدا..."
" على كل حال، كلنا أشخاص منفردون وغرباء في مسيرة حياتنا في هذا العالم. والمثل يقول " يجب أن تكيل حتى المياه التي تصبها إلى النهر الجاري" فالمال يفسد كل شيء فتأثيره في البشر غريب وسلبي بشكل عام. ولعل كل واحد منا شهد على علاقات عائلية أو زوجية انتهت بسبب المال فلذا ينبغي احتساب ما تنفق حتى على والديك. ليس لغرض استرداد ما أنفقته ولكن لتقديم الأدلة في حال نشوب النزاع فيما بعد. وهلا ينبغي علينا أن نجيبهم مع البراهين الثابتة عندما يطرحون الأسئلة؟"
وثانيا: لا تقم بالاستدانة أو إقراض المال لأي من الأصدقاء المقربين "
وثالثا: لا تقرض لأحد أكثر من خمسة آلاف روبية هندية وإن كنت تقرض مبلغا يزيد عن خمسة آلاف، فيجب عليك أن تستلم منه عقد قرض وشيك مؤجل. وإلا إذا احتدم أي نزاع لاحقا حول المبلغ المقترض، فستتبدل العلاقة كلها وكل كلمة وتصرفات ستتم ترجمته بشكل سلبي وسيتم تحميله أبعادًا غير موجودة. لأن المال عندما يدخل بين الأصدقاء فنحن هنا نسير في حقل ألغام، فلا سبيل لمعرفة مكان اللغم وما إن كنا سندوس عليه. إذن تصبح الصداقة الراسخة كلمة براقة جوفاء خداعة، فلا تنخدع بمظاهرها بل ضع بالحسبان أن الامر كله يتمحور حول المظاهر، فلعل صديقك قد لا يملك ما يدعي. وهذه العلاقة قد تتدهور تماما فورا لسبب مشابكة كلامية بسيطة .
رابعا " عليك الاعتناء بنفسك والاهتمام بوجودك أنت وممتلكاتك قبل الإقدام على مساعدة أي واحد ولو بفلس واحدا . وعندئذ قد يقول الناس عنك فيما بينهم في البداية بأنك شخصية أنانية مركزة بمصالحك الخاصة. وسوف تفهم فيما بعد أن هذا الموقف هو الذي يساعدك لإبقاء الصداقة والقرابة. وعلى العكس إذا نفذ ما عندك وتراكمت الديون وتعطلت أمامك السبل لسبب مساعدتك للآخرين، قد يعطيك صديقك كوبا من الخمور عندما تجلس معه ولكن إذا طلبته كيلو واحد أرز لإعالة أسرتك، فيطوي عنك كشحا ويعرض عنك بوجهه.
" ويشان، حان الوقت أن ينقضي !!"
وأخيرا، أمر واحد فقط يا سيدي... إذا كان يتبعك صديق جديد مظهرا غرائز المحبة والوعود المتكررة، يمكنك أن تمتحنه بشيء واحد. استدن منه بعض الأموال. فيفاجئك بقطع كل علاقته معك ويختفى من اليوم التالي إلى الأبد مثل (حمر مستنفرة فرت من قسورة)
صحيح يا ويشان، قدمت نصائح ذات أهمية بالغة مأخوذة من تجربتك في الضمان الشخصي. أشكركم جميعا سعادة الدكتور ننثاكومار، والسيد/ مادهافان ناير، والمحامية / فاطمة بيجوم والسيد/ ألكس بونسو والسيد/ فيشوان لمشاركتكم في هذه المباحثة ، أشكركم شكرا جزيلا.
موضوع تصويت اليوم لنيوز تايم
" هل يجب على السيد/ فيشوان كاتور أن ينتحر أم لا ؟؟"
ندعو آراء المستمعين الكرام. يمنكنم أن ترسلوا رأيكم من جميع أنحاء العالم. يرجى منكم إرسال رسالة قصيرة إلى قناتنا في رقم 6798 من دول الخليج وفي رقم 2354 من داخل الهند.
وفي صباح اليوم التالي خرج السيد/ فيشوان من منزله مبكرا وتوجه تلقاء المكتبة حيث يجتمع الناس هناك لاستماع قراءة نشرة الأخبار، قبل نصف ساعة من بدء القراءة بقناة نيوز تايم بلهفة لاستماع آراء الجماهير الذين صوتوا في نيوزتايم عن قضيته. ومشى تحت رذاذ المطر صوب المكتبة وهو يغطي رأسه بيديه ليواري قطرات المطر وإذ دخل المكتبة رأى حشدا كبيرا من الناس قد تجمعوا أكثر من العادة .... ولكن لم يطرح أي واحد منهم سؤالا عن تفاصيل المباحثة التي تمت البارحة حول قضيته وجد كل شيء على مألوف حاله ،وإنما يهمهم بدلا منها إعصار ضرب خليج البنغال والذي أصبح محط اهتمامهم أكثر من اهتمامهم ولم يعد للناس حديث عن انتحار
السيد/ ويشان بل كان حديثهم يدور حول الإعصار و هم يضعون السجائر بين شفتيهم وبدؤوا فى نفث دخانها واستنشاقه ! ،
وانتظر السيد/فيشوان بفارع الصبر وبدأت قناة "نيوزتايم" قراءة نشرة الأنباء وكانت عادة القناة إبراز النسبة المئوية لآراء المستمعين في التصويت وموقفهم مع تقديم بيان موجز حول الإجراءات التي يجب على الحكومة اتخاذها بخصوص تلك الآراء . وانتظر السيد/ ولكن لم يوجد شيء من هذا القبيل وكانت بداية قارئ نشرة الأنباء هكذا.
" و بخصوص نتيجة التصويت لآراء المستمعين ( هل يجب على السيد/ ويشوان أن ينتحر أم لا )إننا لم نجد أية إجابة لسؤالنا عن تهديد السيد/ويشوان كاتور بانتحاره يوم الاستقلال، وهذه تجربة هي الأولى في تاريخ نيوز تايم. على كل حال ندخل إلى نقاش اليوم.
" اطلاق مكوك ديسكفري – هل يتكرر نفس ما وقع لكولومبيا ( Columbia) مكوك فضاء تحطم فوق وسط ولاية تكساس؟ هذا موضوع بحث اليوم، وقبل بدء المباحثة، إليكم استراحة قصيرة"
ثم لم يقف السيد/ فيشوان هناك وقبل خروجه من المكتبة إلى المطر المنهمر، نظر إلى المكتبة التي جدرانها مزدحمة بصفوف الكتب المتراصة على أرفف الخشب المحمولة من أطرافها بالحبال المجدولة فذهب إلى السيد/ راميش -مسؤول المكتبة- وسأله عن كتاب "بيدرو بارامو" الرواية المكسكية المشهورة التي تآكلت حافات أوراقها من البلى والتلف وكادت أن تتمزق وأخذها السيد/ راميش من رفوف الخشب البالية المكتظة بالكتب وضحك قائلا " عزيزي ويشان، آنت ستموت قريبا؟ .... فهذا كتاب الموتى و الأشباح...."
وزاد شوقه ليعرف عن قرية " كومالا" التي أشار إليها الاستاذ/ أليكس بونيس خلال المناقشة في البارحة. وعندما اضطجع الجميع للنوم في تلك الليلة الحالكة، بدأ يقلب صفحات الرواية تحت ضوء لهيب المصباح الشاحب. ولم يكن السيد/ فيشوان من يُحِس بمتعة ولذَّة تعتري عند قراءة الآداب. ولكنه فهم بالوهلة الأولى أن " كومالا" هي قرية الموتى ومأهولة بالأرواح الهائمة التي ضلت طريقها نحو العالم الآخر.تبدأ الرواية عندما يصل الفتى المدعو/ خوان» ابن «دولوريس» طلبا لوالده السيد/ بيدرو بارامو. فلم يجد سوى الهمس الذي ينطلق من كل مكان. همسات الأشباح في المدينة المقفرة بعد أن مات الجميع وليس هناك إلا صدى همسات الأموات ويموت السيد/ برسيودوف أيضا فور وصوله إلى تلك القرية.ووضع خطا بحبر قلمه تحت كلمات يقولها " بارتلوما" عن قرية كومالا"................. لا شيء هنا، إلا الرائحة الكريهة النتنة المريرة... هذه قرية منحوسة . ليس بها إلا سوء طالع "
عندما أغلق كتابه بعد ما فرغ من قراءته بليلة واحدة اعتراه شعور يغشيه الضباب المطبق من كل جانب لأجل شكل الكتاب ومحتوياته المستغربة. وأدرك السيد/ فيشوان أن حياته أيضا أصبحت جافة وتعيسة للغاية مثل "كومالا" كلمة تطن في رأسه وبكى لمدة طويلة وهو يمد بصره إلى قطرات المطر التي تنساب خيوطاً من الماء على زجاج نافذة منزله فلا يسمع إلا فحيح المطر فأطفى نور مصباحه ونام.
ولما استيقط في الصباح ارتأى أمامه مشهدا أشبه بكومالا اختمرت في نفسه فكرة تجعله أنه يعيش في قرية كومالا و ضاعت هويته بين الحياة والممات ولما وصلت إليها زوجته بفنجان الشاي، فكأنها تكاد تشبه بـــــــ" دوروتيا " ما أشبه اليوم بالبارحة!! وأصابه بنوبة ذعر وهلع وتفكر" هل ماتت زوجته بالفعل؟.
الإعصار الذي ضرب خليج البنغال البارحة كان قد هز شجرة القرنفل وتناثرت أوراقها وانتشرت فناء المنزل وتفكر في حاله وقال في نفسه " يجب عليَ التفقد والعثور على السيد/ سوداكاران بأي حال. ولكن كيف أستطيع العثور على شخص يختبئ في مكان مجهول"
" لا تستطيع العثور على السيد/ سوداكاران أبدا " قالت زوجته عندما بدأ السيد/ فيشوان أن يخرج من منزله
"نعم صدقت يا حبيبتي " قال السيد/ فيشوان وهو ينفض نعله عن قطرات المطر " يبقي لنا أسبوع واحد إلى خامس عشر أغسطس قد أصابني الملل الشديد، والسبب فيه قرارنا للانتحار و الانتظار سيد الملل ولعلي قد أشعر كثيرا بالضيق والملل والاكتئاب وقد أعاني في الأيام السبعة الباقية عزلة سبعين عاما. فلذا أذهب في رحلة فقط للتخلص من الملل وآمل أن أعثر على
السيد/ سوداكاران ولن أحزن إذا لم أنجح في العثور عليه وهذا أملي. وليس لهذا العالم بقاء إلا بركوب على متن الآمال"
وشعرت زوجته بأن السيد/فيشوان قد تغير تماما بين ليلة وضحاها وكانت اللوحة التي أعلنت الانتحار الجماعي قد مالت قليلا لسبب الإعصار فقــوَّمها السيد/ فيشوان وقال متجها نحو منزله.
" لا تخافي..... سوف أرجع قبل حلول موعد انتحارنا...."
هزت زوجته رأسها إقرارا له وأغلقت باب المنزل الأمامي. وذهب السيد/ فيشوان كل الاتجاهات للعثور على السيد/ سوداكاران. وفي الحقيقة لم يكن " السيد/ سوداكارن " إلا هدف وهمي لسد فراغه قبل منيته الحتمية. وسأل عن سوداكارن لكثير من الأفراد الذين التتقى بهم. فكان معظمهم ينتظرون المحتالين الآخرين الذين خدعهم مثل سوداكاران.
وفي اليوم الخامس من رحلته تأخر كثيرا وبدأت الشوارع تخلو من حافلات النقل العام وسيارات الأجرة فمشى إلى الطريق السريع الوطني حيث يوجد فيه شاحنات ومقطورات تأتي بعد منتصف الليل ومد يده أمام كل شاحنة تمر به بغية أن تقف ويركب فيها غير أن الشاحنات لم تكترث به ومرت به دون إيلاء الاهتمام به. وتكثفت الأوساخ والعرق النتن في لباسه لسبب الرحلة الطويلة وظهرت آثارها في قميصه
ووصل إلى تقاطع مكتظ بالمباني الشامخة ولم يفتح آنذاك في تلك الليلة المظلمة إلا بوفيه واحد وقدْ أحاطت به أخلاطُ الزُّمَرِ. إحاطَةَ الهالَةِ بالقَمَر. والأكْمامِ بالثّمرِ ولا يسمع هناك إلا هدير موقد غلاية شاي سماور وهو صمت أشد من صمت الموتى. والقى النظر عليهم وهم يمدون بقصعهم إلى صاحب البوفية لقطع اللحوم المشوية في الزيت المغلي و الأفراد الموجودون في قرية كومالا يكادون يشبهون كثيرا بهؤلاء الناس. تأمل السيد/ فيشوان برهة " لعل الشخص الذي يتلقم عجة البيض هو السيد/ أبونديو .... والذي يغسل يديه ويمسح وجهه بالمنديل هو السيد/ ديونا أدوهيس..."
أصابه جوع شديد ولكن لم يكن في جيبه إلا بعض النقود المعدودة بعد خصم أجرة السيارة التي تقله إلى منزله.
" قهوة حمراء واحدة"
طلب لصاحب البوفيه
فألقى بوردة الشاي في الماء المغلى وحركه بالمغرفة و وضع صاحب البوفيه فنجان القهوة أمام السيد/ فيشوان . وما إن لامست شفتاه فنجان القهوة إذ سمع صراخا جهوريا وصرير الفرامل الشديد مع الانفجار وارتطام سيارة بدراجة نارية وقرقعة صادرة من الإطارات فالتفت إلى جانب الصوت فرأى حادث طريق مروع للغاية إنسان يرمى إلى الهواء ويسقط إلى الأرض ملقيا به على رأسه في نهر الطريق، ودارت العجلة المطروحة من الدراجة النارية بشدة في مستنقع المياه القذرة في حافة الطريق وتوقفت ببطء . وصاحب البوفية لم يهزه هذا المشهد المروع ولو كان به أي إحساس لترك فنجان القهوة وانهمك بكل ما بوسعه لإنقاذ إنسان يخسر حياته
وتوقع أن يقدم أي واحد منهم لإنقاذ الشخص المتعرض لحادثة المرور ويمد يده نحو المركبات التي تسير في الطريق لتوصيل هذا المسكين إلى المستشفى. ولم يزل يرشف فنجان القهوة على مهل. ولم يتحرك أي واحد ممن أحاط بالبوفية ولم يكن منهم حتى نظرة بسيطة بلطف إلى سوء حظ الشاب الذي تعرض لحادثة المرور. ولكنهم أمعنوا في الأكل والشرب مثل الأموات.
هل هذه هي نفس قرية كومالا في الحقيقة؟
وهل أرى أمام أعيني فيلما قصيرا عن الوفاة؟
تأمل السيد/ فيشوان وخالجته أفكار غريبة " هل هؤلاء الناس ممن قرروا على الانتحار مثلي في الأيام القادمة؟
هل أكلت دودة الموت جميع أوراق حياتهم ؟ وهل هؤلاء كلهم أشجار الديدان ؟ بينما هو كذلك إذ مرت به شاحنة كبيرة بسرعة فائقة وأصابت برجله دفقة سائل ساخنة وابتلت بها رجله
فإذا هي دماء ساخنة.
وراح اسفلت الطريق المضرج بدماء الشاب يهدر تحت العجلات التي تسير بسرعة فائقة وكانت العجلات تصدر صوتا متقطعا يملأ الجو ..ولم يعد يستطع السيد/ فيشوان أن يستمع صرير العجلة على رمال الطريق الملطخ بدم الشاب الساخن فهرول إلى الشاب وحمل جسم الشاب الثقيل وأخرجه من نهر الطريق ووقف في حافة الطريق وهو يمد يده أمام المركبات التي تمر به وهو يصرخ " ساعدوني" " توقفوا" " أنقذوا هذا المسكين" ويضرب بيديه على زجاجات وبونيه المركبات. ولم تتوقف السيارات بل سارت كلها بسرعة فائقة وذهب جميع الناس من البوفية وأغلق صاحب البوفيه محله وجاء نحو السيد/ فيشوان وضحك باستهزاء” وهذا منظر عادي في هذا الطريق وإذا كنت تتفكر بضرورة في إنقاذ حياته سوف أرتب لك مركبة إلى المستشفى الحكومي ولكن يجب عليك أن تدفع أجرة السيارة”. وارتوى إلى ستار الظلام قائلا أنه لا يستطيع أن يصطحب معه
فوصلت سيارة جيب(Jeep) في ظرف عشر دقائق وبدا سائق الجيب مستعجلا جدا ولم يكن مستعدا حتى أن يمس بيديه رأس الشاب المجروح المنكسر الذي داهمه الخطر فقال السيد/ فيشوان في نفسه مرارا : هذه هي قرية كومالا ...فم الجحيم ....
وفوجئ بقدوم رجل كهل وقد تأبط حقيبة سوداء وجاء قرب سيارة الجيب.
" سوف أصطحب...." قال ذلك الكهل.
واقتنع السيد/ فيشوان بهذا الرجل العطوف. وشعر ببرودة في قلبه. واطمأن في وجود رجل كريم مثله وقال في نفسه أنه لم ينضب معين الخير في قرية كومالا.
ولم ينتظر ذلك الكهل إذن السيد/ فيشوان بل امتطى مقعد سيارة الجيب على التو ورتب فسحة للجلوس بتحريك قدمي الشاب المجروح وسارت سيارة الجيب.
ولم يزل الكهل المذكور يتحدث عن خلفية الخطر وعنوان الشاب والأمور الأخرى طيلة سير سيارة الجيب. ولم ينس كذلك ليتسائل عن قصة السيد/ فيشوان . وكان هذا الكهل ممن استمع إلى مباحثة "نيوز تايم" في الليلة الماضية غير أنه لم يحض إلى تفاصيله ولم يكن يقلقه قط حياة السيد/ فيشوان أو انتحاره.
وحاول الشاب الذي داهمه الخطر أن يلتوي قليلا بجسمه يكافح لأجل استشناق بعض الهواء فساعده السيد/ فيشوان كمسعف بالضغط على القلب بشكل عمودي ودلك أصابع قدميه وفركها للتدفئه وفهم أن الشاب قد كاد أن يموت وحاول أن ينبس بكلمات...
وفوجئ أن وكز الكهل المذكور سائق سيارة الجيب قائلا " قف يا عمي أنا نازل هنا "
وتوقفت سيارة الجيب، وأخذ الكهل حقيبته وتأبطها ونزل من سيارة الجيب بسرعة.
" أنا آسف" قال ذلك الكهل" ألا ترى تلك الأنوار ، يقع منزلي هناك وكنت تأخرت جدا وخلا الطريق السريع من حافلات النقل العام وكنت قلق جدا عن وصولي إلى منزلي فإذا أنتم تذهبون بهذه السيارة، فأتيت معكم فقط لأصل إلى منزلي فشكرا لكم لمساعدتكم لي وسفري معكم كان ممتعا جدا فشكرا جزيلا لكم ، مساء الخير"
واختفى إلى الظلام ومضت سيارة الجيب إلى الأمام
وهل طمس حتى آخر رمقٍ للنور! كيف انقلبت الأمور رأسًا على عقب في لمح بصر. تفكر السيد/ فيشوان في أمر الرجل الكهل الذي اصطحبه لأجل مصلحته الخاصة وكلامه المعسول حينما كان في سيارة الجيب قبل بضعة دقائق وتوسم أن يكون معينا له في إنقاذ حياة الشاب. وكان يتحدث عن المسؤولية الاجتماعية وبإخلاص وجدية لكن سرعان ما تبدد كل شيء. فقلوبنا تبني المخيلة الرائعة بطوب المحاسن والمكارم مثل عامل البناء الذي يرص مداميك الطوب فسرعان أن تتدهور بصفعة قاضية قبل أن نستمتع بجمالها وتصير مخيلتنا حطام الأحجار البالية. وقد يضحك الإنسان أو يبكي لمثل هذه الحالات ولم يتمالك السيد/ فيشوان من الضحك بدلا من البكاء. وضحك بدون صوت ملأ شدقيه وشر البلية ما يضحك منه.
وبدا التجفاف في شفتي الشاب وذبلتا كوردة خامدة والتصق بصاقه في حافة الشفة مثل الغراء وظهرت أسنانه خلالها. وسمع حشرجة وغرغرة وعينين غائرتين ترسلان نظرات واهنة وانطوت انسانة العين إلى الوراء.
وساد بياض المنية الشاحب في جسده.
وكز السيد/ فيشوان كتف السائق فائلا "أوقف السيارة" فوضع السائق قدمه على مكبحة السيارة ولفت إلى الوراء
نزل السيد/ فيشوان خارج السيارة قائلا " قد احتضره الوفاة "
"ولا بد أن أعطيه قطرات المياه قبل أن يلقي حتفه." فأخذ السائق قارورة وقلبها للاستدلال على أنه لا يبقي فيها ولو قطرة واحدة. فتسلم السيد/ فيشوان تلك القارورة ومشى بها طلبا للماء وأوقف السائق سيارته في جنب الطريق بشكل صحيح.
مشى بين الأشجار الخضراء الوارفة في الظلام الدامس وفجأة ظهر ضوء القمر خلالها وهب نسيم بارد وكلما نزل إلى الأشجار المكتظة، سمع عن كثب خرير الماء الذي يلامس النباتات المعترشة ويروى أطراف الأوراق ويجرى مثل بساط زجاجي على الاحجار البلورية لأجل هذا الشاب المحتضر
وهذا الشاب ايضا كان يعيش مثلي ويسير في مكان ما و يتحدث لكثير من الناس ونافس وذاق مرارة الفشل وبكى عند الرسوب وكذلك نجح وارتاح بالسعادة واستمتع بالفرح الغامر. وهو الذي أحب وكره وسقط وقام. ولم يزل يطبخ جسمه بالأحلام والطموحات ويغسله من براز ناتج عما أكل. وكم من أناس أداروا دفة البحث عن هذا الشاب.... وأجروا تصويت الآراء . ولكن انتهى به المطاف إلى هنا وأصبح آخر ما يطلبه هو قطرة ماء من هذا المنبع الصغير الذي يقبل أصابع رجلي...!
وهنا ينتهي جميع طموحاته وصب السيد/ فيشوان قطرات الماء إلى فم الشاب المحتضر قليلا قليلا. ووضع يده إلى صدره.
فلفظ آخر أنفاسه وفارق الحياة.
والسائق الذي أظهر الثبات والاستقرار سابقا، تردد أمام الوفاة.
وشرب السيد/ فيشوان ثمد الماء الموجود في القارورة.
إذا تفكرنا وتدبرنا ملياً فكل إنسان مقترض بقرض لا غنى عنه.
ومشى في النسم البارد
وقرضي منه هو قطرة ماء لآخر أنفاسه.... وقد أديت ذلك القرض.
وتهديد الانتحار الذي كتبت بالأحرف الكبيرة أمام منزلي من الحماقة الكبيرة في حياتي
فيجب إزالته فورا.
إرسال تعليق
2 تعليقات
رائع
ردحذفموفق ان شاء الله
حذف