نظارة الحاسد | حكاية | رمضان سلمي برقي



يحكى أنه كان هناك رجل بالعقد الخمسين من عمره، معروف بالقرية أنه حاسد ذو عين صائبة، لا تحيد نظرته أبداً عن إيذاء من يحسده، بل والأنكى من ذلك أنه كان على علم تام بما توقعه نظراته في الناس من أضرار، لكنه كما كان يُحكى عنه كان غير قادر على منع نفسه من حسد الناس.
في البيت كان أولاده لا يأكلون كثيراً خشية أن تصيبهم عين أبيهم إن رآى أحدهم قد سمن جسمه، حتى أصبحوا ضعاف الأجساد شاحبي الوجوه..
وكانوا أيضاً يحبسون عنه البهائم من جاموس وحمير حتى لا يحسدها إن رآها سمينة، أو تُدر لبناً وسمناً وفيرين، بالاتفاق معه بالطبع، رغم أنه كان يتحرّق لرؤيتها ليطمئن على ماله، ولكنه حبذ هذه الفكرة كثيراً خشية إلحاقها بالأضرار..
وحدث ذات يوم أن صنع له أولاده نظارة بصر تُصغِّر كل الأشياء عن حجمها الحقيقي ثلاث مرات ليرتديها، وقالوا له: «هذه النظارة ستوقف الحسد». وأقسموا عليه ألا يخلعها أبداًإلا وقت الاستحمام، داخل الحمام فقط، ولبسها مُنشدهاً سعيداً..
انحلت المشكلة، وعاد الأولاد يأكلون وردت إليهم صحتهم، وسمنت زوجته وربربت، وأصبح يدخل حوش البهائم ولا يحسدها؛ لأنه يراها أصغر من حجمها، وتوقف عن حسد الناس وحسد بهائمها..
حتى هو أصبح يرى الطعام أمامه ضئيلاً، فيأكل أضعاف ما كان يأكله..
صباح يوم ما خرج كالعادة إلى الحقل، وبعد العودة جلس على ناصية الشارع أمام داره، اقترب منه رجل ضعيف البصر، وجلس بجانبه، وبعد أن سلم عليه، أخذا يتحدثا، فقال ضعيف البصر: «سمعتُ عن نظارتك الجديدة، ويقولون أنها تُحسن الرؤية!»
«أجل هي كذلك!»
«اعطنيها أجربها، أريد أن أصنع مثلها؟»
خلعها الحاسد، بعد أن أغمض عينيه، فلبسها ضعيف البصر، ولمّا لبسها انكمش إلى الجدار مشدوهاً، وفجأة دوّت صرخة من داخل البيت، فتح الحاسد عينيه، وأسرع إلى الداخل، فوجد زوجته واقعة، والجاموسة قد كسرت الباب الداخلي بين البيت والزريبة، فوقف أمام الجاموسة مأخوذاً من عافيتها، وضخامتها قائلاً:
«عفيّت وسمنت، إذاً من حقها أن تترك الزريبة وتدخل البيت لتأكل أكلنا الآخر!»
فغرت زوجته فمها لمّا رأته بلا نظارة، وأطلقت صرخة مدوية لمّا رأت الجاموسة قد سقطت أرضاً تلفظ أنفاسها الأخيرة!.
نظر الحاسد إليها قائلاً :
«ألن تقومي لتر ماذا أصاب الجاموسة؟ أم عفيتي وسمنتي أنت الأُخرى؟!»
أطلقت الزوجة صرخة لم تكتمل، هرع على إثرها الأولاد من الخارج، فاستدار الحاسد يتأملهم جاحظ العينين، بينما ضعيف البصر مُنكمشاً بالخارج لا ينطق بحرف، مراقباً الحاسد خارجاً من باب داره نحيفاً كعود قصب منزوع الأوراق، يضرب كفاً بكف مُغمغماً:
- بيت وخَرُب!..

إرسال تعليق

0 تعليقات