«فقدتُ جزءً مني» خاطرة للكاتبة: فاطمة صديق
في اللحظةِ التي أردتُ أن أَسْبِقَ أختي وأهرولُ إلى بؤس الحياة، بالفعل كنتُ الأولى ولكن ضريبةِ ذلك أصبحتُ الأولى وكذلك الأخيرةُ للأبد، بعد أن رأيت نُورَ الحياة لحقتني أختي ولكن لم تبكي، لم تصرخ، لم تتحرك ، كانت فقط جسدٌ بِلا روح، جسدٌ صغيرٌ اختار الظلمات للأبد، رُبما بعد خروجي تَسَلَّلْت خَفِيَّة ولم تُعْجِبهَا رائحةُ الحياة فاختارت الرحيل بهدوءٍ تام دون أن تجلب أي فوضى أو إزعاج، كان ذلك آخر لقاءٍ بيننا إلى الأبد وانتهت القصةُ برحيلها وبؤسي الذي أتجرعهُ كل يوم منذُ ولادتي.
مرَّ عشرون عاماً من الحادثةِ وما زال يوم ميلادي هو يوم وجعي رغمَ أن الجميع لا يُلاحظ ذلك ولا يلتفت لذلك التاريخ أنهُ تاريخ فقدٍ بالنسبةِ لي، يصرُّ الجميع على الاحتفال وأتظاهر بالفرحةِ معهم، أنا بِمُفردي أكبرُ عاماً وأفتقد لعامي أختي التي لو كانت هُنا لشاركتها هذا اليوم المجيد، أتناول حصتها من الكعكة وأطفئ بدّلها الشمعة وأتقاسم الهديةُ نصفين لي ولها.
أخمن أنّها ستكون بذاتِ ملامحي عينانِ واسعتان يكتساها لونُ الزرع، أنفٌ صغيرٌ مُحدب، وفمٌ كالفراولة، شعرٌ مسدولٌ كالحرير، رُبما لو كانت هُنا لما استطاعت الناظر أن يُفرق بيننا من الشبهِ المتماثل ولكن شاءت الأقدار أن أُصبح وحيدةً للأبد لم تُنجب أمي فَتَاة بعدي كانوا ثلاثة صبيان وكنتُ الفتاة الوحيدة التي تتوسطهم دائماً.
افتقدتُ دور الأخت في حياتي، لا أجدُ من يذهبُ معي إلى الأسواق كي أختار ملابسي، ولا من يقوم بسرقةِ أشيائي، لا أجدُ من يضع لي مساحيق تجميل على وجهي، ولا من يُشاركني في تحضير وجبة خفيفة أُحبها في منتصفِ الليل بعد سهرٍ طويل، ولا أجد أحداً احتضنهُ عندما أشعر بوجعٍ يُداهمني فجأةً، ولا أجد أحداً يذهبُ معي مشواراً لزيارةِ صديقتي المريضة، كُلّ ذلك أنجزهُ بمفردي، لا أحد يُشاركني ذات السرير ولا المقتنيات ولا أتبادل مع أحدٍ أشيائي.
أشعرُ بالوحدةِ بدونكِ يا أختي رحلتي دون أن تُرِيَ نورُ الحياةِ المُعتمة اخترتني الذهاب بعيداً حيث الأمان والسعادة الأبدية، لم تريدي أن تُجربي مَرَارَةَ الألم ولا وجعِ الفقد ولا أنين الجُرح، رحلتِ بسلام وجعلت روحي تهوي جحيماً من بعدكِ، أتذكر الأيام التي جمعتنا وإن كانت في ظلمةِ الرحم ولكن كُنت أشعر بكِ وأُدرك بحنانِ يديك وبحضنكِ الذي حُرمت منهُ ، كبُرت أعضاؤنا سوياً، خرجنا من ذاتِ الرحم، كُنا متعادلات، سبقتُكِ للحياة وسبقتيني للموت، ما زلت أصارع الحياة إلى أن ألتقي بكِ تذَكِّرِينِي يا مودة عندما نلتقي ستكونين في الجنان اطلبي من الله أن يغفر لي ويجمعنا في الجنة سوياً.
ما زلت أُردد في دعائي :
"ود فقدت مَوَدَّة للأبد لطفاً بقلبي ود يا الله"
بقلم: فاطمة صديق
.
إرسال تعليق
0 تعليقات