***
الحروب ظاهرة قديمة بصراعاتها المسلحة للدفاع عن المصالح والأهداف تبدأ بنشوء الخلافات بين الدول، وتحسم بالقوة بعد الفشل في التوصل إلى حلول سليمة ليدفع الأبرياء الثمن ويحترق بنارها الفقراء فتخلف ملايين الضحايا. فقد شهد التاريخ حروباً أدت إلى خسائر بشرية فادحة يستحيل تعويضها ، وأضرار مادية جلبت المعاناة لدى الإنسان، ساهمت بدورها في العنف وارتفاع معدلات البطالة وتأثيراتها السلبية على الأخلاق والقيم الإنسانية فانتشرت الموبقات والفوضى ودمرت المدن، بل يمكن القول أنها دمرت مقومات الوجود الإنساني وباتت تهدد حياتهم وتنغص عيشتهم الطبيعية الهادئة .
وبالرغم مما سبق يحتفل العالم باليوم العالمي للشباب والذي يصادف الـ " 12 أغسطس" من كل عام ،كمناسبة لتمكين الشباب والاعتراف بحقوقهم وقدراتهم في تنمية الوطن ورسم الملامح لغدٍ مشرق لبلدانهم، ويأتِ موضوع الاحتفال تحت شعار" إتاحة مساحات مأمونة للشباب"، وذلك لإتاحة مساحة أكبر من الحرية للشباب في العمل ببيئة آمنة وأفق مفتوحة لتحقيق تطلعاتهم وأحلامهم التي يرسمونها.
إلا أن هذا الاحتفال لا يلبي الطموح للشباب في فترة الانحطاط جراء الصراعات والحروب المدمرة- كما سبقت الإشارة، فإذا نظرنا للمجتمعات المتقدمة فإننا نجد الاهتمام بالشباب فتطوروا وتقدموا ووصلوا إلى ما وصلوا إليه في شتى المجالات؛ لكون تلك المجتمعات تعتبر الشباب هم العمود الفقري ومحور الارتكاز لنهضة الأمة. أما الشباب على مستوى العالم الثالث عموماً واليمن خصوصاً فقد أصبح بين دائرة سياسات التفقير المُمنهجة والتجهيل وبين البطالة و تعطيل العقول عن التفكير فأصبح عنصر مُهمش في المجتمع.
وهنا نجد الشباب تائهين بين ماضيهم المُـر ومستقبلهم الضائع بين الحرب والهجرة، وبين الطموحات والأحلام ، وبين الخوف والطمأنينة مما هو قادم . فأصبح يمتلك وقت فراغ كبير يقضيه في المقاهي أو على أرصفة الطرقات، فلو قمنا بدراسة في فترة الحروب والصراعات على الجيل الشاب، لوجدنا أن الكثير من الشباب لم يلتحقوا بالجامعات، وذلك لأنهم لا يملكون المال للالتحاق بالجامعة، فتراهم فقط يبحثون عن لقمة عيشهم التي ينالونها بعدما يذوقون الكثير من الذل والإهانة والمرار، إضافة إلى أن نسبة الخريجين العاطلين عن العمل باضطراد مستمر.
فالذين أتخذوا من الحرب وسيلة لتحقيق أهدافهم لم يتفكروا للحظة وتوقفوا قبل أن يبدؤوا ، لوجدوا أن البناء بالرغم من صعوبته هو أفضل من الهدم على الرغم من سهولته. فكان الأجدر لهم بأن يتجهوا إلى التنمية لا أن يتجهوا إلى الصراعات .
فالشباب في المجتمع اليمني تحديدا لا نطالب بالرفاهية ورغد العيش ؛بل نطالب بأبسط حقوقها التي سُلبت منها وهي بالأصل حق لها. في المقابل لا أحد يخسر غير الشباب الذين تحطمت آمالهم على صخرة الواقع الأليم وذهبت مع الريح ،حُيث يكون الهلاك. وعند الحديث عن الشباب في هذا المقال فإنه لا يستثنى الذكور عن الإناث، فلكل واحد منهم دوره في الحياة وهدف ومكان فمن حيث الفتيات نجد عزوفهن عن استكمال التعليم إلى الزواج في سن مبكر نتيجة للضغوط الحياة اليومية القاهرة التي تواجه الأسر اليمنية اقتصاديا جراء الحروب، علاوة إلى القوانين المجتمعية للعادات والتقاليد اليمنية في الزواج المبكر للفتيات الصغار.
وأخيراً آن للأحلام أن تنفض نيران الحرب وقناع الفقر والمرض. أليس من حق الشباب اليمن العيش بحرية وكرامة وحياة آمنة؟ هل ستحصل عليها بعد أن تشيخ وتحتضر أحلامهم وطموحاتهم؟ . ولكن ستظل الأحلام مشروعة ، والطموح المستمر ، طالما لا تزال القلوب تنبض بالحياة ،فهناك ثمة شباب استطاعوا أن يتحدوا الصعاب في حدود المتاح لهم ويصلون لأبعد المدى، فقط لأنهم آمنوا بقدراتهم وطوروا مهاراتهم وسعوا نحو احلامهم بمجاديف الأمل لا بمخالب الهدم . الشباب روح وعزيمة ستظل شعلة متوقدة لن تطفأها نيران الحرب ولا سياسة التهمـيش .
بقلم/ ثـراء القباطــي
إرسال تعليق
0 تعليقات