«حرب الدواجن» قصة الكاتب التونسي: أمين الحداد




كل صباح كان جدي يشير لي بفتح نافذة حجرته الضيقة المطلة على الأراضي الحكومية المجاورة ليراقب من بعيد السحب و هي تمضي فأراه يتمتم بكلام غير مفهوم ثم يذكر لي قصصا عجيبة لطالما ظن والدي أنها خرافات و هلوسات فيدعوه  بالعجوز الخرف.
 جدي يكره الدجاج و بيضه فقد كان يعد بالنسبة له من أرذل المخلوقات و يصفه بالكائن الجبان.
وله في معضلة الدجاج خطابات عظيمة كان يروي قصصه العجيبة بأسلوب إستقاه من الشيوخ الواعظين فيظن نفسه يحدث آلاف الناس الخاشعين الذين يتوقون إلى هلوساته فيصيح قائلا:
"انصتوا لي يا قوم  أترون ما يحدث في زماننا هذا انظروا كيف تنفخ الديكة صدورها أمام دجاجاتها في هيبة و جبروت هم بمثابة الحصن المنيع لدجاجاتها وفراخها الصغيرة ، لكن حين يهجم عليها صغار الإنسان تفر تاركة أعشاشها. يجب على دجاج اليوم أن يتحسر على ماضيه ألف مرة فقد كانوا في الزمن الغابر مدججين بالسلاح و كان الديك قائدا مقداما و فدائيا لا يخشى الموت على أيدى الأعداء، هم الآن لا يتذكرون يوم كانوا يعشقون رائحة الدم حين يسيل من أعدائهم.
هم يستحقون هذا العقاب الإلاهي الذي يحدث لهم في هذه اللحظة من لحظات الزمان السرمدي كان يحكمهم ملك آثم… وكل حكام الدجاج آثمين و في الختام أقول لكم لا يوجد من هم أكثر بؤسا من الدجاج فلعنة الله عليهم و على بيضهم.
 و نستخلص من خطبتنا اليوم أن وراء كل ديك فاشل دجاجة حمقاء“
يصمت بعد هذا الخطاب طويلا ثم يغيب عن الوعي مرة ثانية!
- كنتم مع هلوسات جدي اليومية التي يقدمها لي قبل غيبوبته الصباحية.
 كنت أنا المشاهد الوحيد لهذه الفقرات المتنوعة من حديث الخرف العظيم جدي. تملك عائلتنا أعدادا كبيرة من هذا الكائن الجبان و لجيراننا الكثير أيضا. ولطالما تساءلت ما السبب الذي دفع أهالي مدينتنا أن يطلقوا أسماء غريبة على الشوارع و الساحات العامة ؟
بيتنا يقع في شارع عقيد جيش الإوز أما بيت خالي في شارع الديك الأصلع و في سوق المدينة توجد ساحة المعركة الحاسمة ...مات جدي و بقيت قصصه تجول في خاطري فتخلف أحاسيس غريبة كانت قصة حرب الدواجن من أمتع القصص التي سأرويها على لسانه الآن.
في تلك الحقبة كانت هناك تغيرات سياسية كبرى تأخذ مجراها في بلاد الدواجن. كان أول صدام حدث بين الدجاج و الإوز حين شنت جماعة من الدجاج يقودهم ديك أصلع هجوما على مملكة الإوز أشعلو  فيها حريقا و دمروا المحاصيل ، ضربوا الأعناق فأثاروا الرعب ثم دخلوا ساحة المدينة شاهرين خناجرهم و يهتفون بإسم ولي عهد مملكة الدجاج؛ حين حاصرهم جيش الإوز، فاستطاع البعض منهم الهرب ، لكن قبض على قائدهم و نفر منهم.
كان الدجاج في ذاك الوقت ثائرا يحاول فرض هيمنته على كل الممالك في أرض الدواجن لذلك جند محاربين أشداء و تكونت جماعات ذات اختصاصات متعددة في الحروب فمنهم جماعة الفدائيون و الخيالة والمشاة  واهتموا أيضا بالسلاح فكانوا أول من صنعوا الرماح و الخناجر و الدروع و بنى قادتهم فكرا جديدا جل مخططاتهم و أفكارهم تحوم حول فكرة الفوز في حرب الإستنزاف التي أرادوا أن يخوضوها حتى تخضع لهم الممالك لذلك كان أول هجوم شن هدفه تعجيز إقتصاد مملكة الإوز.
فأختير الديك الأصلع قائدا لهذه المهمة لما يكتسبها من شجاعة و إقدام. جرت مفاوضات ماراثونية جمعت كل من ملك الدجاج بملك الإوز و جماعة من الدبلوماسيين من كلا الطرفين في مملكة الدجاج  للتشاور حول الأزمة الحاصلة. ادعى ملك الدجاج أن تلك الجماعة كانت متمردة  فطردت من المملكة  و اتخذت من المغاوير  في أعالي الجبال مراكز تدريب لهم ، أبدى إهتمامه تجاه التنمية الإقتصادية التي تسعى لها مملكة  الإوز، ثم اتهم مستشار ملك الإوز بتخطيط مع هذه الجماعة لإسقاط المملكة كان ملك الإوز يعلم أن كلام ملك الدجاج كذب و إفتراء هدفه بث الفتنة، و بعد نقاشات حادة توصلوا في النهاية الى قطع العلاقات العامة بين المملكتين
في طريق عودة ملك الإوز و موكبه اعترضتهم جماعة من الدجاج الثائرين نشبت بينهم معركة حامية الوطيس أسر خلالها عقيد الجيش الإوز  ثم أعدم.
قام الاوز بشن حملة انتقامية ضد الدجاج فأرسلوا لهذه المهمة جماعة يشهد لها بشجاعة و الإقدام أهلك خلال هذه الحملة ما يزيد عن خمسمائة ديك و دجاجة و غنم  الاوز غنائم كثيرة و سلب منهم السلاح بعد أسبوع أبرموا قوانين و معاهدات لحضر إستخدام الخناجر و بعض الأسلحة الأخرى و جرم المساس بالرعية و بالأمن الغذائي أثناء أي حرب ستقع في المستقبل.
 منحت الغنائم لأهالي الضحايا و للفلاحين الذين تكبدوا الخسائر التي لحقت بمحاصيلهم كتعويضات. قام الإوز بتدعيم قوتهم ببناء حصن منيع يقيهم من شر أفعال الدجاج و استولوا على أراض مجاورة لمملكة الدجاج و تحالفو مع بعض ممالك المجاورة و اتفقوا جميعا على فرض حصار و سد جميع الطرق المؤدية إلى هؤلاء القتلة، و منعوا جميع القافلات من العبور إليهم، فأصبح الإوز السادة الجدد و أصبحت مملكتهم من أقوى الممالك  في بلاد الدواجن.
في هذه الأثناء تحالف الدجاج مع البط بمساعدة من طيور الدوري فوصلت المساعدات والمؤن جوا و كانوا يخططون للإشارة إلى الجماعات التي تتدرب في الجبال بتقدم لشن ضرابتهم
و أخيرا انتهى حكم ملك الإوز بموته جراء مرض استعصى على الأطباء ، تقلد نجله و هو فرخ صغير منصبه حدثت بعد هذا هدنة صغيرة مع مملكة الدجاج لم يلبث أن قطعها الملك الجديد بمذبحة للرهائن... كان فرخا هزيلا عيناه تشعان كبريق من نار لطالما لعن الدجاج و مخططاتهم التي تمس من أمن المملكة التي سهر والده على إزدهارها. و كان يردد في خطاباته أمام شعبه كلمات ذات وقع سخيف بسبب صوته الرقيق الأبح فيجهد نفسه و يصيح قائل " هم لن يصمدوا أمامنا حتى لو حاولوا الصمود !!"
كان كلامه يثير الضحك و أحيانا شفقة في أنفس الجماهير الغفيرة التي تقف أمام كتكوت هزيل!
بعد أسبوع بدأت الشائعات تحوم حول سبب وفاة الملك ثم إتضحت الشبهات و العلامات و توصل الرعية إلى أن موت الملك ماهو إلا بتدبير من أحد زوجاته وهي والدة الملك الجديد فقد قامت بدس السم في طعام الملك حينها قامت الثورة مطالبة بحساب القاتلة.
أصدر الملك قرارا بإعدام والدته ليكسب تأييد الرعية و ليكون ملكا عادلا في نظرهم، وبعد هذا القرار تيقن الرعية أن الملك الذي يحكمهم مستعد أن يبيدهم من أجل سلامة المملكة و الحفاظ على الأمن و الأمان كان مشهد إعدام والدته أمام ملأ إستعراضا لإقدامه أمام كل ما يعترضه و كان الإستعراض القادم هو تدمير مملكة الدجاج الحلم الذي كان يطمح له والده فجهز أسطولا حربيا بالأسلحة التي أبرمت في شأنها  معاهدة لحظرها في بلاد الدواجن .
خلال هذه الفترة كان الدجاج يخطو بخطى ثابتة نحو استعادة المجد السابق و فك الحصار عليهم فتمردوا على قوانين الدواجن و تسلحوا و أرسلوا قواتهم الداخلية لتتدرب في أعالي الجبال فوصل عددهم إلى خمسة ألاف دجاجة و جماعات أخرى متطوعة من البط و طيور الدوري على أهبة الاستعداد لاسترجاع الهيبة و الكرامة  و كانوا على يقين أن المعركة التي سيخوضونها ستنتهي بفوزهم،
هنا انتهت القصة حين فقد العجوز الخرف وعيه للمرة الأخيرة قبل أن يقول لي أخر كلماته:
 " لو سمحنا للدجاج بأن يدجج نفسه بالسلاح لقضي علينا "
 تركني أتخبط ألما و شوقا لتتمت القصة و في النهاية لم يصدق جدي الخرف العظيم الذي لازمته لسنوات في حجرته الضيقة يحدثني فيها عن كائن جبان.

إرسال تعليق

0 تعليقات