الكاتبة الأردنية «ليال وليد نوفل» تكتب: المؤنسات الغاليات
الحياة هي قصة عليك قراءتها حتى النهاية، فعليك الا تتوقف أبداً عند سطر مؤلم ،فكل كلمة بمثابة طاقة حياة في داخلك ، سواء كانت ذات طاقة سلبية أو ايجابية،فقد تكون نهاية القصة جميلة...
أجلس في شرفة منزلنا ارتشف كوب قهوتي واقلب في ألبوم صورنا القديمة ،فلكل صورة ذكرى ولكل صورة قصة فمنها السعيدة ومنها الحزينة، وأسبح في بحر ذكرياتي الذي يوجد فيه كثير من الوجع والألم وقليل من الفرح ،وبينما انا كذلك سمعت جرس الهاتف يرن ذهبت لأُجيب عليه ،إنها أختي هالة تطمئن علينا وعلى أحوالنا ؛هالة طبيبة مقيمة في إحدى الدول العربية مع زوجها وتعمل هناك، نحن خمس أخوات هالة أكبر مني وانا ليلى الثانية بين أخواتي البنات، وبعد أن أقفلت الهاتف مع اختي عدت إلى جلستي ، كل ما أنظر الى صورة أرى امي الحبيبة فرحة بنا اما ابي فلم يكن كذلك او غائباً لا يوجد في كثير من الصور، والسبب نحن وللأسف أقول ذلك فنحن البنات (وهم البنات للمات) هكذا كانت جدتي وجميع من في البيت يقولون عنا فغلطت أمي الوحيدة انها أنجبت خمس بنات لا يوجد بينهم ولد ،فنحن كنا نقمة لجدتي ولأبي ولعائلتي وبنظر المجتمع، ام امي الحبيبة هي من كانت تتحمل من أجلنا أتذكر كيف كانت أمي تعاني من جدتي وظلم ابي وظلم الجميع لها وتبكي كل ليلة ؛ فنحن جميعنا نعيش في بيت العائلة كل منا في طابق مع جدي وجدتي واعمامي وعائلاتهم ، وبالطبع نحن المميزون لدى الجميع لأن ابي هو أبو البنات ، أتذكر دمع أمي عندما سردت لنا كيف كانت فرحتها هي وأبي عندما أنجبت أختنا الكبرى فهي اول فرحتها كيف كانت الفرحة والدمعة يختلطان معاً ؛ حتى دخلت جدتي عليهم وقلبت الفرحة الى نكد وهم وكيف تحولت فرحة أبي الى حزن عندما رأى ردت فعل والدته ، تقول أمي حتى أن جدتكم رفضت أن تحمل اختكم فقط عبست بوجهها وقطبت بين حاجبيها وخرجت وهي تردد : (ربنا يعوض عليك يا ابني بالولد)، حتى اعمامكم كانوا يباركوا لوالدكم ربنا يعوض عليك بالولد ....
ومن بعدها أتيت انا الى هذه الدنيا لأُلاقي نفس الاستقبال وبدون ترحيب من أحد ونفس مسلسل البنات الذي لا ينتهي، كما حدث أيضا في كل مرة كانت امي تنجب بنتاً كانت جدتي وزوجات اعمامي يرمون أمي بسهام الهم والنقمة والذنب ، خاصةً بعد ما أنجبت كل واحدة منهن الولد او السند كما يقولون.....
فنحن النقمة التي لازمت امي بالأخص وأبي وبعد إنجاب امي البنت الخامسة ؛أقنعت جدتي ابي بالزواج بأخرى لإنجاب الولد ، وبالفعل تزوج أبي وكانت من أمر الأيام التي مرت على امي وعلينا ، ومن وقتها تغيرت كل حياتنا اصبحت أمي اكثر خوفا علينا وعندما انتشر خبر حمل زوجة ابي وخاصة عندما عرف الجميع حملها بالولد و فرحة جدتي بذلك الخبر أصبحت زوجة ابي هي محط إهتمام الجميع ارضاءاً لجدتي ، اما نحن فلم يعد أحد يهتم بنا حتى ابي اصبح لا يدخل علينا إلا للضرورة القصوى......
ومع انجاب زوجة ابي الولد انتهى مسلسل البنات عند أبي وأصبح الجميع يهنؤون ابي بالسند، كأننا نحن لم نكن قبل ذلك ، كبر اخي الصغير بكل دلالة وعز ومحبة الجميع عكسنا تماماً، اما أمي فقد صبرت وتحملت وجاهدت وربتنا واهتمت بنا واصرت على أن ننهي جميعنا دراستنا الجامعية، فمنا من أصبحت طبيبة ومنا المعلمة و منا المترجمة، وكل هذا لم يفرح ابي او العائلة بنجاحنا كان اهم شيء اخي الولد وللأسف كان فاشلا دراسيا على الرغم من كل الاهتمام و المدرسين أصبح اخي رمزاً للفشل والمتاعب والتهور، فكان ابي والجميع يدللونه إلى ابعد حد ليصبح ما أصبح عليه الآن ،وبقي الوضع كذلك إلى أن أتى الحدث الذي تغير فيه كل شيء ......
دخل أبي المستشفى لإجراء عملية جراحية خطيرة ، وكانت تستدعي بقائه في المستشفى فترة طويلة، فأصبحنا كل يوم انا واخواتي البنات لا نترك والدي ونهتم فيه في الوقت الذي غاب ابنه عنه ولا يزوره إلا كل حيناً وآخر وذلك لإنشغاله بأصحابه وسهراته ،وقتها تغير أبي وأصبح يتودد لنا وكأنه يعود لنا من جديد بعد انقطاع السنين ، وعاد ابي من المستشفى ولكنه عاد إلى بيتنا عند امي، ولا يريد سوانا لا يريد أن يرى اخي الذي لم يهتم به طوال مرضه ،و أخيراً ابي وامام جدتي والعائلة يعترف إنه نحن النعمة والراحة التي يسعد بها اما اخي ما هو إلا النعمة التي كان يحسبها وأصبحت نقمة وهم ، وكم من نقمة في طيها نعمة وكم من نعمة في طيها نقمة .....
ومن هنا اسأل لماذا بعض الناس عندها مشكلة مع خلفة البنات؟ وذلك لأنهم لا يعرفون قيمة البنت، يريدون الولد اللي يحمل إسم العائلة ويشارك في الورث ويكون السند، لكن ليس كل ولد سند، ولا كل ولد رجل، ولا كل ولد أمان ....
لذلك لا أحد يقول للخلف البنت ( ربنا يعوض عليك بالولد) فكرة العوض خلقت داخلنا مفاهيم ومعتقدات خاطئة عن البنت بالرغم أن العوض من وجهة نظري ان البنت موجودة في البيت حتى يمتلئ بالحب والحنان والعاطفة بدون مقابل ، ولذا علينا إلا نوصم المرأة التي تنجب البنات بالعار الاجتماعي .
__________
ليال وليد نوفل
عمان- الأردن
إرسال تعليق
0 تعليقات