الكاتبة اللبنانية «رنا خليفة» تكتب: في زمن الزعامة!
تائه في أفكاره ، يجول في المكان، ضائع! يحاول أن يركّب ما يراه ليعرف أين هو؟! ولكن دون جدوى فالأمور قد تغيرت عليه و بدلت حاله ليصبح زعيم في زمن لا تليق فيها الزعامة ، و لكنها فُرضت عليه بإصرار الجميع! هاهو محاطا بالجميلات من كل جانب، و قد لبسن أثوابهن البيضاء ليختار واحدة منهن لتكون عروسته الجميلة ، و يحملن بأيديهن صينية مليئة بأغراض أشكالها غريبة غير مفهومة! ولكن لا يهم فهي تُهدِّئ من روعه العصبي ، فكلما كان مزاجه سيء ،سرعان ما يطلب عروسا لتأتيه بتلك الأغراض و تزرع بداخله السكينة و الهدوء! و أنامليها تداعب وجهه و تدلّك كتفيه لتريح فكره المتضارب! أما عند احتلال الجوع و العطش لجسده الجسيم، يصرخ هذا الزعيم صوتا واحدا فتهب إليه الحسناوات و بأيديهن ما لذ و طاب! و يطعمونه بأيديهن الرقيقات ، فيداه مكبلة بحبال جمالهن فيعجز عن تحريكهما!! أليس هو بالزعيم ، فالصراخ لا يفارق حنجرته ، و الغناء الراقي متربص على لسانه ، يرقص و يتمشى من نافذة لأخرى ، ينادي لحراسه متى شاء ، فلا أحد يملي عليه ما يريد!! إن أراد أن يُسرِّح شعره يُسرَّح دون جدال ، وإن رفض الاستحمام لا يستحم فكلماته أوامر!! و إن حاصره الملل طلب من حراسه أن يخرجوه في نزهة ليستمتع بالطبيعة و يراقب الأناس من حوله فيتسلى، و يدون ملاحظاته، فهناك أناس لا تعجبه طريقة عيشهم فيحاول اصلاح حالهم بتدوين أساميهم على لائحة المحتاجين! كان زعيم رؤؤف محب لشعبه و يساعد فقرهم و يحاول تبديل ما أمكنه ليصلح أموروهم ، الجميع يحبه و يكنون له الاحترام ،و لكن على الرغم من رأفته بالآخرين، كانت نوبات العصبية لا تفارقه فسرعان ما يصعد إلى جناحه الأبيض ليُكبّل من جديد بحبال الحسناوات ليهدئ و يستريح! في صباح كل يوم تتسلل خيوط الشمس من نافذة جناحه الأبيض لتوقظه من أحلامه الوردية التي تتبخر بفعل حرارتها، عندها يزوره الغضب و يتربص على عرش فكره من جديد! الصراخ في كل مكان فهو دائما يأمر الخادمات بإقفال الستائر في الصباح لأنه يكره الشمس و إزعاجها ، فنوبة العصبية حلت لعنة على الجميع و قرر أن يربيهم لكي لا يكرروا فعلهم من جديد!! الاستهتار ممنوع فبدأ بالتكسير و يداه لم ترحم الجدران من الخبيط ، و النوافذ لقيت المنية عندما أُصيبت بطاولة خشبية لا ذنب لها لكي تعاقب على فعل الآخرين!! أما السرير فقد انقلب على الأرض يناجي الخالق بالنجاة من أيدي الوحش المخيف! الصياح كان بالمسيطر اللئيم و الضجيج دوى بالمملكة لتوقذ الجميع ، فهبت الحسناوات إلى جناح الزعيم لتعطيه من الأكسير و تهدئ من روعه و لكن للأسف قد وجدوه مرميا على الأرض ملطخ بدماءه و الزجاج يحاوطه من كل جانب!! وفي صباح اليوم التالي نشرت الصحف خبر ما حل بالزعيم قائلة:《 بفعل استهتار ممرضات في مستشفى المجانين ، انتحر مجنون بضرب نفسه بمزهرية زجاج موجودة بغرفته، و قُبض عليهن و ستجري محاكمتهن! فمكان المزهرية غير مشروع》
بقلم رنا خليفة✍
إرسال تعليق
0 تعليقات