أزيز الصمت| خاطرة للقاصة المصرية: شيرين عبدالفتاح

 



بطبعي قليلة كلام فهل يروق لك ذلك؟

                        ***

ربما أبدو فاترة، أبخل الناس كلماتي، ولكنني في المقابل أهب كلمات صادقة تفيض منها المشاعر التي لا أعرف إن كانت تُفصح عن نفسها، أم أنها تتستر وراء رداء الحياء الذي ورثته عني لتظهر الكلمات باردة  جامدة كصاحبتها..

أفعل ذلك مجبورة مضطرة؛ "مجبورة"لأنني بطبعي قليلة كلام؛ أعرف جيدًا ما أريد أن أقول وكيف أقول..و"مضطرة" لأنني أحيانًا أضطر لفعل ذلك عن عمد، لأنني أومن أنه لا أحد سوي شريك حياتي الذي لابد أن أظهر أمامه كاملة؛ بحزني، فرحي، ضيقي، ضجري، ثرثتي وكل صغيرة تصدر عني..أثق أنني لن أنجح في أن أصبح ثرثارة، لكنني علي الأقل سأحاول..

سأحاول أن أخبره_ بقليل كُلمي _وسط محادثتنا بكل ما أشعر، ولن أبخله حرفًا..مثلًا أن أخبره أنني أحس أنه حزين مني لسبب لا أعرفه وهذا يضايقني جدًا، وأسأله علي إستحياء : " ما سبب هذا الحزن ياتُري؟" ..

أن أقول له أنني سعيدة جدًا لكونه تذكرني بحروف لامست قلبي، وتلك الجملة أغلب ظني أنها ستكون " ابقي بخير" التي قالها لي نهاية حديثنا السابق، فرأيتها ولم أُعقب عليها ولو بحرف ..ربما وصل بي الأمر ونزعت عني رداء الحياء لأخبره _بكل إضطراب وخجل_ أنني أحيانًا أتعمد أن أحادثه، فأضطر مدفوعة بلهفة العشاق لإرسال رسالة فارغة وبلا أي محتوي  ..رسالة فارغة إلا من كل ما في قلبي من مشاعر..وتساوي عندي" أحبك جدًا" التي لا أعرف كيف تُقال ..أو أن  أخبره بكل تلقائية وبدون مقدمات"لقد أحرقت الطعام" والتي  في الأساس أقصد بها  "أشتاق إليك كثيرًا جدًا" ...ثم لا أقول شيئًا بعدها، وقد أبدو فاترة، لتنتهي المحادثة بيننا باستعلامه عن الطعام المحروق وباعتذاري عن إقحامة في مثل تلك الأمور التافهه..

أظن أن الكلمات لن تخونني وستطيعني لأخبره أنني ومعه فقط أضغط زر" اضحكني" بأريحية علي نكاته  دون أن يتلقفني شعور الذنب لأنني أضحك علي نكات رجل غريب ..وأنني لا أستطيع أن أتفاعل مع ما يخصه من منشورات  باللايك الأزرق لأنه لا يليق بمكانته في قلبي ..أعتقد أنني سأتجرد من قناع الصلابة الذي أتقنت التدثر به لأخبره أنني الآن أبكي لوقع كلمته القاسية علي قلبي..وعندما يستنكر  سبب بكائي ويبرر أنه لم يتلفظ بكلمة قاسية من الأساس ..لن أسكت، بل سأخبره بأريحية وبكل ما أوتيت من ضعف، بكلمات ٍ متلعثمة كطفلة لا تقوي علي تحديد ما بها من مشاعر  أنني ربما شعرت ذلك لأننى حساسة جدًا، وأنه لابد أن يضع هذا في اعتباره، وأن يترفق بي من تلك اللحظة ..ولن أخفى عنه أن النبرة القاسية تحزنني حد البكاء بينما الفاترة تقتلني ببطء، وربما نوهت له ألا يصبح فاترًا معي أبدًا لأن هذا سيؤذيني كثيرًا لدرجة لا يتوقعها قط..

أعرف أن الكلمات ستخذلني حينما يعاتبني علي خطأ اقترفته دون وعي مني ولا قصد..فتهرب مني متخلية عني، فلا أستطيع النطق ويتملكني شعور الخوف..ستتداخل الحروف ببعضها البعض فأصاب بما هو أكبر من التلعثم؛ فلا أقدر علي نطق أي حرف كرضيعة جائعة خائفة"، وبعدما يغمرني الإرتباك والتوتر ،الذي يلي الغرق في مشاعر الحزن وعدم الاطمئنان، يتلقفني شعور الخوف فتسقط مني دمعة جاهدت كثيرًا في كبحها علي كتفه، تليها الثانية..ثم وعندما يضمني إليه في إشفاق استرسل في بكاء عميق سببه الأطمئنان بعد الخوف..

وحينما أهدأ سأخبره أنني لا أجيد الدفاع عن نفسي أمام من أحب..لهذا كان البكاء أسهل عندي من تعنيفه علي حدة معاتبته لي بناءً علي معلومات سمعها عني ولم يكلف نفسه أن يسألني" هل أفعالك في الفترة الماضية مبنية مع الذي سمعت، أم أنها مجرد تصادف؟!"

ولأنه يراني علي قدر عال من الذكاء سيظن بقدرتي العالية علي التلاعب، كما ستكون مهمة إقناعه بأن كل ما وهبته له من مشاعر كان صادقًا..مهمة شاقة جدًا، ولكنني ببساطة سأخبره أنني لا أحب التفكير بتاتًا فيما يخص المشاعر، لهذا أتصرف بعفوية مطلقة..أقول ما أشعر به في سلاسة ووضوح ؛فكثرة التفكير لتهذيب الكلمات تفقدها جمالها، كما أنني أحس ذلك نفاقًا  لأن التفكير يجبرنا علي تخبئة أهم جزء من مشاعرنا؛ ألا وهو الدفء..

حينما يرسل لي قصيدة غزليه سهر الليالي لكتابتها من أجلي، سأفتش عن حبه في كل حرف منها ، وعن صدق مشاعره في كل شطر، وعن الأمان والدفء في كل بيت..ولن أفرح لمجرد أنه كتب لي من الشعر أبيات..؛لابد أن يقدم لي أشياء صادقة كما أفعل معه..لابد أن يعرف أنها إن لم تلمس حروفها روحي لست بحاجة إليها ولا لمثلها من الكلمات المنمقة..كما أنني لن أقدر أن أقول له ولو علي سبيل المجاملة أنها رائعة، لأن أشد ما أكره هو الكذب،ليس فقط في الحروف ولكن أيضًا في المشاعر..

أعرف أن هذا قد يدفع به إلي الضيق والضجر مني، لكنني صدقًا لا أستطيع أن أكذب عليه، ولا أحب تزين الكلام علي حساب المشاعر، كل ما أريده مشاعر صادقة تجيد التعبير  عن نفسها لأنني إنسانة صادقة لأبعد حد..وعلي ذكر الصدق، قد أراساله لأخبره أنني حزينة جدًا وقد نال مني البكاء، فيجيني بكلمة واحدة، لأقول له بعدها  بجزل طفولي محبب أنني أصبحت بخير الآن..لابد أن يصدقني، ولا يشك في كوني أقول ذلك لمجرد القول ، فأنا لا أستطيع النطق إلا بما أشعر به حقًا ،لهذا حينما أخبره أنني حزينة فأنا بالفعل أكون حزينة، وحينما أقول أني سعيدة، فبالفعل أكون سعيدة.. ؛متقلبة كأمواج البحر إلا أن أمواجي لا تؤذي مهما علت وتلاطمت..

قد أكثر من إبداء مشاعر الضيق ..الحزن..الضجر ولكنني_ إن فعلت_ لا يكون قصدي أنني أفكر  أو فكرت ولو لمجرد التفكير في البعد وفض ما بيني وبينه، بل تعديل الوضع  وليس هدمه أو زعزعته ؛ فأنا لا أرضي بديلًا  عن الاستقرار، أحب أيضًا  أن أشعر ببقائه عليّ، وأتمني لو أخبرني مرارًا بطريقته أنه يحبني لأهدأ ويستكين بالي..

قد أكون حساسة وهذا أمر مزعج، أنتظر منه أشياء بعينها وهذا أمر مرهق، متقلبة وهذا أمر مخيف، أحتاج منه أن يطمئنني كل فترة أنه لن يفلت يدي  مهما بدر مني وهذا أمر متعب ، لكنني ورغم كل ذلك واثقة جدًا من أنني سأدفع عنه كل عناء العالم ..ولكن هل سيجيد هو احتواء ضعفي في المقابل؟!فأنا أؤمن جدًا بأن الحب ضعف!

____

#شيرين_عبد_الفتاح







إرسال تعليق

0 تعليقات