«محمد علاء الدين» يكتب: المدرسة!



في يوم نجحت في الاعدادية و كان نجاحي عدل من نفسيتي و كنت في المدرسة و روحت البيت بس الفرحة انكسرت بسبب ان لما رجعت من المدرسة لأقيت " ابويا " انتحر ... مشوفتش انتحارو وقتها بس أمي كان باين عليها الحزن الشديد ، الحزن بيكسر النفسية ، و قلتلها: 
- مالك يا " أمي " في ايه؟.
- " ابوكي " انتحر من فوق السطح ... مبقاش موجود!.
- يعني ايه ... هنفضل لوحدنا؟.
- معانا ربنا يا " حبيبة ". 
و دخلت الاوضي بتاعتي و العياط كان جزء من وقتي خد من وقتي كتير ، لحد ما لاقيت ورقة مكتوب فيها كلام ، فتحت الورقة ... دي مكتوبة من " ابويا " ، كان كاتب: 

- أيتها الاحزان القادمة ... أنا غير موجود ... انا فقط اريد اجازة ، اجازة من الحياة طويلة ، لا بل اريد استقالة من الحياة نفسها ، اريد ان اتقاعد ، في الحقيقة الذين تركتهم ورائي هم المنتحرون ، لا تدعوا لي ، الله يعرفني و سيتفهم موقفي جيداً ، أتمني يا الله لو أنك تقرأ هذه الرسالة و تأخذ روحي في الحال بدلاً من هذا كله ... احبك ربي ، أحد عبادك المقصرين ، انا حقاً اسف ، ألم الحياة تغلب علي متعتها ... الحزن سيدوم للأبد ، و البؤس لن ينتهي ابداً ، غداً لن يكون هناك اكتئاب ، سأحيا حياة جديدة ، و هذه المرة سأعيش من أجلي ، كنت أتمني ان ينقذني أحد ، أعتذر علي شناعة المنظر ، فأنا لا املك ثمن مسدس ، لقد نجوت من الحياة بأعجوبة ، الحياة لم تعد تحتمل سامحوني ، يأ زوجتي العزيزة ... يا " حبيبة " ... لا تبحثو عني يوماً فلست مختبئاً ولا تحت السرير أو خلف الستائر ، انني اهرب من البشر الكاذبين و المنافقين و قلة المال.
ده اللي كان مكتوب في الورقة ، ده كلام " ابويا " أنا عرفت هو انتحر ليه ... كويس انو كتب الكلام ده قبل ما يسافر الحياة التانية ، " أمي " برده قراءت و قالتلي:
- هنروح نعيش مع عمك " بسيوني " ورث ابوكي معاه هنقدر نعيش بيه و هنبيع الشقة دي علشان تقدري تدخلي المدرسة اللي انتي عيزاها.
مش كان عندي كلام خالص اقولو "وافقت" بجدارة و استحقاق ، مفيش حل تاني ... انا حلمي كان يتقال عليا طالبة ممتازة كان نفسي اسمعها و اتخرج ابقي دكتورة او مهندسة ، احلام اي حد في الحياة ... الحياة من غير احلام مش هنعرف نعيش فيها لازم نحلم حتي لو الحلم مش هيتحقق بس انا كنت لازم اسعي لكده و حلمي متحققش بس مش هعمل زي ابويا هفضل اواجه الحياة بصعوبتها ، و في يوم روحت اقدم علي المدرسة الثانوية و ظروفي الخاصة دخلت صنايع كان مدرسة اسمها " السلام الثانوية الصناعية بنات " ... ده اسمها و اتقبلت بمجموعي فيها ، و روحت البيت و اتكلمت مع " أمي "  :
- ليه بابا عمل كده يا ماما؟
- ابوكي كان دايماً يأس من الحياة و معقد انا اتجوزتو علشان بحبو مع ان دي عيوب كانت فيه بس الحب بيمنع العيوب ... اللي بيبعد بسبب العيوب مش بيحب! بيكون مزيف في حياتك علشان يكتشف مميزاتك فقط ... انصحك يا " حبيبة " انك تتجوزي اللي بتحبيه علشان تحسي بالراحة.
- طيب يا ماما انا دلوقتي لأزم انام علشان اول يوم في المدرسة بكرة.
- ادخلي نامي و متفكريش في احزانك او ابوكي علشان تعرفي تواجهي الحياة دي ابوكي معرفش يواجها علشان كده استسلم.
و صحيت علي صوت أمي ، و لبست و نزلت في طريقي للمدرسة ، قبل ما ادخل المدرسة كان تفكيري في المستقبل ياتري المدرسة دي هطلع منها ايه؟ الحقيقة انا مكنتش بفكر في جواز او خطوبة او حب كنت عايشة لنفسي و بس ، زحمة رهيبة و انا مش بحب الزحمة مش علشان الزحمة نفسها لأ في وسط الزحمة ماليش قيمة محدش يعرفني و شكلي كان مش حلو علشان كده مكنتش لافتة للنظر ان حد يعجب بيا علشان كده مش بحب الزحمة ، و دخلت حضرت الطبور و خلص و طلعت الفصل كان اول يوم ، ناس غريبة ... مكان غريب ... مش مهمة ... مر عليا كل ده في ثانية واحدة ، و جت قعدت جانبي طالبة من الطلاب و اتكلمت معايا: 
- انتي منين؟.
- قريبة من المدرسة هنا.
- اسمك ايه؟.
- " حبيبة ".
- اسمك جميل ... انا اسمي " وعد " اتمني نكون صحاب. 
- تتمني ليه ... الامنية دي لما تبقي عاوزة حاجة و بعيدة عنك انا دلوقتي جانبك ملهاش لازمة الامنية من غير ما تقولي احنا اخوات.
- شكراً ، انا هقوم بقا ادخل الحمام.
- ماشي.
بعد ربع ساعة ، اتاخرت اوي " وعد " و غريبة ان محدش سئل عليها؟ ، قولت اقوم ادخل الحمام اشوفها يمكن حصل فيها حاجة ، قولت للـ " الاستاذ " اللي كان واقف علينا و وافق اروح ... و دخلت الحمام و خبط علي الباب سمعت صوت وعد بتقول:
- ايوة ... قربت اخرج اهو.
استنيت "3د" بالظبط و دخلت طالبة من الطلاب و فتحت الباب اللي كان فيه " وعد " و دخلت عادي استغربت و قولت في ايه؟ ، و بعد شوية خرجت الطالبة دي و سئلتها :
- انتي ازاي دخلتي كده؟.
- يعني ايه ازاي دخلت!.
- طيب بقولك ... كان فيه حد جوه؟.
- لأ مفيش حد.
صدمة كبيرة و رهيبة هي راحت فين؟ ياتري كرهتني او فكرت ان ممكن ابلغ عنها الاستاذ بسبب تأخيرها علشان كده هربت من شباك الحمام؟ اسئلة كتيرة في دماغي بتلف و مش لاقية اجابة واحدة لـ سؤال من الاسئلة دي كلها ، رجعت للفصل و استنيت "الفصحة" و لما جت الفصحة فعلاً نزلت تحت و قابلت " الاستاذ " اللي كان واقف علينا و عرفت ان اسمو "وائل" و قولتلو:
- بقول لحضرتك يا استاذ " وائل ".
- في ايه يا بنتي؟.
- حضرتك انا عايزة اسئلك علي الطالبة " وعد ".
- اه دي كانت طالبة شاطرة جداً و ممتازة في المادة بتاعتي بالذات. 
- ليه بتقول "كانت" يا استاذ؟.
- اصلها ماتت السنة اللي فاتت!!!.
انا كده فهمت ليه مسئلوش عنها لما اتاخرت ، و ان مكنش ليها ظهور اصلاً في الحمام لما قالتلي قربت اخرج اهو ... طب في ايه؟ انا مش فاهمة حاجة انا لازم امشي من المدرسة خالص ، و لما روحت البيت قولت لـ " أمي " :
- انا مش هكمل يا ماما في المدرسة دي تاني.
- ليه كده؟ حصل ايه حد ضيقك من المدرسة؟.
- لأ بس سبب غير مفهوم و مش هينفع اقولك خالص لو سمحتي مش هكمل.
- طيب يا بنتي هنقلك مدرسة تانية.
- ياريت. 
و تاني يوم سحبت ملفي من المدرسة دي و مش هرجع ليها تاني ، و هحذر كل اللي هيدخلها ... و انا في طريقي قابلت الطالبة اللي كانت في الحمام لما سئلتها ان كان فيه حد جوه؟ و قالتلي: 
- انا سمعت انك هتمشي من المدرسة حصل ايه؟.
- مفيش حاجة.
- هو انتي شوفتيها؟.
- هي مين؟.
- " وعد " !!. 
- انتي تعرفيها؟.
- ناس كتير بيقولو انهم بيشوفو واحدة بتكلمهم و ملهاش وجود من عالم تاني يعني و اسمها كده و كل اللي بيمشي كان بيكون بسبب كده.
- طب و انتي مش بتشوفي حاجة غريبة هنا؟.
- انا شوفتها.
- طب و معملتيش زي كل اللي عملو ليه حتي معملتيش زي ما انا عملت ليه؟.
- مش من المميز انك تعملي حاجة زي الكل ... انا فضولية ، عندي رغبة اعرف مين دي مستنياها بقالي " سنتين " في المدرسة هنا و مش راضية تظهرلي تاني.
- طب معرفتيش السبب.

- عرفت السبب ، ان كل اللي كانو في المدرسة مش بيحبوها ولا حتي المدرسين و لما ماتت ده كان احسن ليها علشان ترتاح كانت كل يوم بتتوجع عن اللي قبلها من كلام الناس عليها و معاملة الناس ليها كمان ، حتي الموتة بتاعتها كانت في المدرسة و وقعت من فوق السطح ... في ناس بتقول ان حد كان بيراقبها و هي كانت مطلوب منها انها تجيب حاجة " لأستاذة " من فوق السطح ، و لما اللي بيراقبها ده شافها فوق رماها كان "قاصد" او "قاصدة" الله اعلم الجنس كان ايه؟ استاذ او استاذة او طالبة من البنات عملو كده علشان تموت ، و لما ماتت تقريباً الروح بتعتها بتكلم و بتقرب من كل الجدد علشان تمشيهم من المدرسة دي روح ماتت و كرها المدرسة ... الله ينتقم من كل حد وجعها و كان بيتكلم عنها وحش و بيتريق عليها و ، وصلها الألم.
- كلامك زي الفل ، البنات هنا وحشين اوي مش كلهم اغلبيتهم ، الطيبين و المحترمين قليلين او تقريباً الوحشين فيها موضح انهم كتير بس هما اقل عدد علشان المحترمين مش باين ليهم صوت علشان كده مش بتحسي بالكترة بتعتهم و بتحسي بالكترة بتاعت الوحشين بسبب صوتهم طالع و مسموع ... و ده سبب من الاسباب ان هيخليني امشي من المدرسة.

- ربنا يوفقك في حياتك و فرصة سعيدة. 
و مشيت و هي مش راضية عني كانت عاوزاني ارجع المدرسة بس ده مستحيل ، 
و عمي "بسيوني" سئل علي مدرسة كويسة و محترمة و دي اللي هكمل فيها حياتي .


إرسال تعليق

0 تعليقات