هُوَ .. مسافةٌ قلب!| سحر آل نصراوي
(سحر إبراهيم النّصراوي – تونس)
لطالما كان للحديث بقية …لكن يقينه ظلّ في صدري , حقيقتهُ هي , كُلّ ما لم أُجاهر به يومًا , هيَ كُلّ مارٍّ في خَلدي ساعةَ ضيقٍ و ظننتُه تجاهلاً
لكنك في الحقيقة تجاهلتني , أجل لقد تجاهلتني , ..
تجاهلتني , لتدفعني قُدُمًا إلى طرحِ كُلّ تلك الأسئلة , و التي لم تكن إجاباتها …
كُلّ الإجابات المَكتوبةَ و الصُّحُفُ لتقربني منك -
كُلّ القوانين التي وُضعت للمُثول في حضرتك …لم تزدْني إلاّ بعدًا -
يا بعيدًا …قربهُ يقين
يا قريبًا , بُعدُه فجر الظَّلال
فلم أبعدتني …؟
- في الحقيقة , و إن يكن , فلم يزدني كلّ ذلك , إلاّ تعلّقا بتلابيب نُورك , التي تعقّبْتُ خيوطها واحدًا تلو الآخر , تتبعتها , جمعتها , و نسجت من خِلالها البُرهان
- لُغةً خاصّةً لا يفقهُها غيرُنا , لغَةً جاوزت السّمع إلى الإيماء , لغَةً جاوزت البَصَرَ إلى البَصيرة
– لكنّها تظلّ مُجرّد محاولة , غير خاضْعَةٍ لأيّ من قواعد الصّفح و لأنّني تعوّدْتُ أن أجد طريقي بمُفردي , ارتجلتُ و جعلتُ من ارتجالي أُغنيَةً , تُمجّدُ صفحك …
جعلتُ العشقَ , صهوتي إليك …
لكنَّ هذا أبدًا لم يَقِني شرّ الوقوف عندَ مُنعطف الشّكّ أكثر من مرة , مُنعطفٌ يقفُ عندهُ كُلُّ هائم , حالم , عالم أو فيلسوف أو روائي , يريد أن ينجو من كلّ صُور الألم التي تتربّصُ به و تُلاحقه , لتسكُنهُ في لحظةِ ضعف
فتبدأ بالاختلاس من أناه عند زاويةِ كُلّ رغبة.
لتظلّ الإجابة في صدْرِ السّؤال :
- أما آن الأوان بعدُ لأن أتلوَ رسالتي و أُبعثَ في قومٍ يؤمنونَ بنُبوءات الرّؤى ؟
قد ألومُك و قد أُعاتبك و حتّى هذا لستُ متأكدة منهُ , لأنّني أساسا لا أعلم إن كنتَ قد خذلتني و تخلّيت عنّي أم أنّني أقتفي خُطى رفيقِ الخضر فيَخْذِلُني إلحاح السّؤال و يغلبُ طبعي عجلةُ صائد الوقت
في كلّ الحالات لن يُفضي كُلّ هذا البوح إلّا إلى سُؤالٍ جديد ؟
– هل تنصت ؟ أتسمعني ؟
قدْ يَضطَرّني كُلّ هذا الصّمت إلى تغيير مَسلكي و أن أشحنَ خِطابي بكثيرٍ من قلبي و أن أترُكَ للعقلِ الذي أدركَكَ منذُ بداياتِ الوعي , أن يرتاحَ و أواصل اقتفاء إعجاز حرْفك عند كلّ مرفأ و ستحملني إليك أنغام حوتي الضّال و سأملأ عيني بنور وجدك عند كل سَحَرٍ
- يا أنتَ يا مُجيبَ كُلّ باحثٍ في مَلَكوتِ حُبّك العَظيم , أنا لن أتذمر بعد اليوم و سأكتفي بالبحث في وجوه طالبي الوصل , حيث سيقفون جميعا رافعين أكف الرضا و هم يرددون
- يا جبار
- يا جبار
- يا جبار
نحن أضعف من أن نحمل كل هذا في صدر آدمي منهك
- 2 -
أراك تتسع في صدري , و تمتد لتطال اكبر مساحة منّي, تدأب الغواية على تجفيفها و قطع منابعها , شريانا تلو الآخر
فتتحدّاني و تنتصر عليّ داخل أراضي
تراني أفرغت كل تلك المساحات منّي , تهيئا لك ؟
ما الذي كنت لتجيب به لو أنك أجبت ؟
عشق
سمّها الفتنة و هي تتغلغل في شرايينك , سمّه العشق و هو يجتاحك .
و في ظرف وجيز و لأنّه يفوقك , عتادا و عددا , فلن يهمل ركنا مُظلما , إلا ينيره و لا أمنيةً إلا يتغنى بها , ليلملم من بعضك الباقي
ما تناثر
ثم ما يفتأ أن يصير رسّاما , قد يجعلك , بطلاً للوحة لم تكتمل بعد , فيضيف لونا أو فراشةً , كلما تقدم في البناء أو نبتا يابسا, يعود ليرويه خضارا كلما تقدمت الساعة
يا أنت ,
يا فتنتي عند كل سؤال ,
يا دفء روحي عند صقيع الحاجة
الحاجة لأن تسري في هذا القلب دماء جديدة , تضخّ وجدا عند اكتمال كل قمر
أنا لن أشبّهك بالقمر و أنت صانعه و لا بالسّماء التي يزيّنها و أنت رافعها و لا بالأرض التي يطلّ عليها و أنت واضعها , مثبّتها و مثبّت هذا اللّسان اللّزج , الذي بات يتحاشى ذكرك إلا سرّا خوفا من أن يغلب صاحبه الطّبع البشري الغيور
الغيرة من أنّ المجاهرة بهذا الحبّ قد تحثّ طالبي وصلك على مزيد من البحث
أريد أن أكون وحيدا عند لقاءك تماما كما وعدتني , و أن أنعم بمفردي بذلك البرد الذي يطفئ لهيب قلبي عند كل كَلَمِ
- 3 -
يا صانع كلّ ألوان السعادة و محرّك رسّاميها
تعقبت لمساتك بين الألوان فوجدتك في نضارة كل لون تصبغ , اسما
أنت يا راسم هذا الوجود و مازجه بالألوان
أنت يا من امتزجت , كل الألوان لتخلّد عظمتك
جعلتَ في روحي مسار محبة لأتعقب تفاصيل و جهك العظيم فيها
فمزجتها بكل لون فصيح , بصمَ القلب بالنّضارة.
فعانقت الأخضر بأمنية اجتاحته و جعلت من الروح مسارا إلى اللانهاية
جعلت الأخضر لون الغبطة التي تحاكيك في صلوات الفرح
برجاء الاستدامة من عذب رضاك
اخضر لأقنعة الجمال بمسحة السعادة المبتغاة
اخضر لجسد يغتسل من خطاياه
ثم يتغلغل الأخضر في عروقي ليتخذ من جلدي رداءا ,
ينزلق تحته في صمت , ليُورقَ النور
يبث الحياة في روح يبست , و يبعث من الغيب أزهارا
ثم يغزلها وشاحا للازمات
ليزهر فيها الأمل و تفلت من التذمّر
الأخضر نهر تُسيّرُه في قلبي , فيجتاحه هرهارا ,
ليتدفق و يعلو حتى يلامس رغبة , أمنية , يبتدع من خلالها الوجود
الأخضر يبعثني كل صباح
و يوشّح ثقلَ مساءاتي
وبين هذا و ذاك , سأظل , أتعقبك رغم الصد و رغم لهيب هذا الحب المكتوم
انتظرني , فاللاّنهاية موعدنا عند قزح الألوان التي سال بها حبر كلماتك الأزلية , العظيمة .
أنا لن أخاف من تخيلك و لن أتوانى عن رسمك من خلال كلّ تلك الحروف التي نُظمت بها صحف عليائك
سأرسمك من خلال الحرف الذي جعلته ينساب بين سبابتي و إبهامي و مكّنته من روح وحيك الجميل حتى يصوغ كلّ هاته اللّوحات التي تثبّت عند كلّ ركن , سبيلا من سبل عطفك يقرّبني منك كلّما حلّ وحي جديد
فلا تتخلى عني …
- 4 -
لا تتخلّى عني لأنّني أحيانا , أصير أضعف من أن يطويني كل هذا العشق تحت جناح التسليم , فتراودُني الحياة عن نفسها من جديد بكل ما حرمتُ منه يوما , و تناجيني أطياف كلّ من غادروا على عجل و لم يتسنّى لي وداعهم , فيعاودني السؤال القديم المتجدّد , لماذا لم تمهلهم ؟
لماذا استعجلت استرجاعهم ؟
أنا كنت اشدّ حاجة منك إليهم , ثم يتحول ذلك إلى جام الغضب الذي سيحتسيه الورق قطرة , قطرة إلى أن يجفّ بئر الغضب في قلبي و ينسحب إلى عقلي , فأعود للورق , لكن هذه المرة لألومك .
فهل ستنصت ؟
هلاّ تنصت
عتب
لو تدري ….؟
إذا تحول كلّ هذا اللهيب إلى رماد
سأكون الشّاهد الوحيد
و ستشهد
من وراء عرشك الأزلي , على هزيمتك فيّ , إن أنت ,
أهملتني
ذلك الرماد المنتهي
سيخطّ حرفا , أحرفا , فقصّة
فقبسا , ألهب به العشق في خيالات غائمة
لأبث فيها الحياة
و ستشهد
أنّ كلّ حياة , ادّخرتها لموقدك,
صرفتها بإسراف حبرا
ظنّا أنّي أبعث من الموت , حياة
لن أكون الشّاهد الوحيد عليها , إن أنت جافيتني
إن أنت جافيتني,…
فلا تبخل عليّ بالولوج إلى أثير محبتك
و ازرع في القلب يقينا
ينقذ الجسد بعد فناءه
ثم اجعل قلمي رسالة دافئة و تذكرة طاعة إلى بركات السماء
و لا تذرني ملوما محسورا
- 5-
لا تنثر كلّ هذا الحب إلى الهباء و لا تَكِلني للنّسيان , و اجعل لي اسما في مملكة الأرض , أعانق به عفو السماء في زرقة الوجد, و سيقودني إليك جواد الأمل , رحيق الصّابرين .
مأثرة الهوى
تحصّنوا بالألوان فإنّ مزاجها برهان , ما تغطيه اسم و عنوان و من يقع ناظره عليها حوّلت قلبه إلى بستان
تفتح الأزهار الطريق إلى الفاكهة , و أزهار الإيمان شكّ خيّر
و فاكهتها يقين من السّماء
و أنا أبحثُ عنك
موجةٌ من الأزرق تعبُرني , كلّما ناشدتُكَ
فأقلّب الغيومَ , كمن يسعى في يأس للبحث عن مستقرّ فوقَ , كثبان الفراغ
مهزومةً بانهيار كلّ خليّة منّي في صلاة
أتقدّمُ و عرجُ , الأسباب يتقلّدني …
و غشاوةُ الهجر , تُطوّق روحي …
أتقدّم , معيدةً رسمَ طريق , كلّ من لوّنوا الأفقَ
من أزرقَ مضيء , إلى آخر أشدّ قتامه ,
لعلّ فيض نورك يخترقها
أواصلُ التّقدّم , ليختفيَ الكثيب
و تختفي الأسباب
تصيرُ صلاتي صمّاء لوهلة ,
ثم ما يفتأ أن يستأنف الأفقُ طريقه إلى عيني
و أيّ أفق لا يفتح لمن يسعى إليك بصدق , قد توصد كل أبواب الدنيا دون السّاعي , لكنّ كل باب يوصد في الأرض يفتح مرجا في السماء , يفلق الظّلمة بنور و يرأب صدع الحرمان
أشكرك على كل هذا الحرمان الأرضي الذي جعلته مفتاح نوافذ رخاء السماء
أرجو أنني و بعد كل هذا الخوض في محاسنك و قسوة فتنتك , مازلت استطيع الطّمع في رحمتك
امتحنت قلبي أكثر من مرة و في كل مرة كان يهزمني و يحيد عن حبك , فهب لي من حصانة الوجد ما أتّقي به فتنة الأرض فما عدت أريد الابتعاد عنك
ما عدت أريد أن تساومني على نعيم الآخرة بحرماني من نعيم الدنيا
هب لي من الحكمة ما يجعلني أوازن بين الاثنين دون أن أحيد , و أن أعلم بما يقيني شرّ نفسي كلّ ما يتمناه قلبي الجاهل و اليائس إلاّ من عفوك
أنا لم أطمع يوما في أكثر من القرب منك فلا تبعدني , ما رجوت أكثر من أن تثيب كلّ هذا الصّبر بأن لا تخرجني من ملكوت رحمتك
فكيف السّبيل إليك أمام كلّ هذا الجحيم الأرضي الذي تحيطني به
لم أعد أقو على تحمّل كلّ هذا الجفاء ,أنا أضعف من أن أقاومه وحدي و دون مدد من بركاتك التي , حالت كلّ الطرق التي أسلكها دون إدراكها
أنا لا أعلم بعد أي خاتمة قد ادخرت لي ؟
ولا إن كنت حقا قد أفلتت من عجلتي وجشعي
لا أعلم إن كان ما أحسّه آنيا تحت تأثير لحظات العشق التي تجتاح قلبي بعد كل حزن عظيم ؟
لكنّني لن أكفّ عن البحث و عن اقتفاء نورك عند فجر كلّ أمل جديد أو لحظة سعادة أو يقين غير مستقرّ
لكنّني و رُغم كُلّ هذا التردّد و التّأرجح بين إدراكك و إنكار عطفك , أعلمُ أنّ السّبل التي تحملٌني إليك رُبّما ليست مألوفةً و أنّكَ و من خلال لُغتنا الخاصّة , تُسيّرُني نحوَها و أنّني بتَعقُّبها لن أتوه و لن أحيد .
أهزوجة حالم
تجعلُني المُوسيقى , أَصبُو إليك , كُلّمَا اخترقتني .
بأناملَ , تدعوكَ في صمت , بمَداعبة وتر ,
يستلهمُ عَظَمتهُ من تدافُع الأَحلام .
و لأنّني لم أكُن في يوم بعيدًا , عنك .
كنتُ أعلمُ , أنّني بالاغتسال في ألحانها .
أقتربُ منكَ في كُلّ يوم خُطوة .
خُطواتُ التّيه , التي حالت بين لُقيَانا ,
غَابت و غابَ صداها .
و باتَ اسمَكَ , ترجيعَ صدري عند كلّ نَغم.
الله
الله
الله
الجزائر فيفري 2018
إرسال تعليق
0 تعليقات