المدوِّن المغربي «هشام وهبي» يكتب: إنهم يمنعون عنا سبيل التحرر.



إن المتأمل لسيرورة الحراك السياسي والاجتماعي الذي شهدته بعض الدول العربية في تاريخها المعاصر، سواء ذاك الذي بدأ منذ سنوات، أو الذي امتد مؤخرا في بعض الدول، لا يخفى عليه الطابع "الشعبوي" الذي انبنى عليه هذا الحراك، ووجه وفقا لذلك مساره ونتائجه.
فمنذ الأيام الأولى لثورة "الياسمين" و"الفل".. كانت "العفوية" أهم محرك يدفع تلك الجماهير إلى ساحات التغيير، والسمة البارزة التي تطبع توجهها. لذلك فقد كان من العبث أن تسأل أي "ثائر" من هؤلاء عن التوجه الإيديولوجي أو الفكري الذي دفعه إلى الخروج إلى الشارع سعيا للتغيير.
ورغم ذلك، فقد استطاعت هذه الثورات جزئيا إزالة رموز سياسية متهالكة، إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها الشاملة. ويدفعنا هذا الوضع إلى طرح تساؤل مشروع حول علاقة هذا الفشل، بمدى حضور أو غياب خلفيات فكرية متكاملة توجه "الثائر" العربي.
ومن جهة أخرى بمدى تأثره بالأطروحات والمشاريع الفكرية التي تعج بها رفوف المكتبات العربية. ويكفي أن عدة مؤلفين على امتداد الوطن العربي وجهوا أقلامهم لصياغة مشاريع فكرية إصلاحية أرست قواعدها على أسس علمية رصينة، وكان لها الأثر البارز على جيل من المثقفين المعاصرين. فهل أثرت هذه المشاريع الفكرية في بنية تفكير "الثائر" العربي  ؟ وهل كان صداها حاضرا في ساحات التغيير؟
إن المشكل لا يكمن في هذه المشاريع الفكرية، ولا حتى في الإنسان المستهدف بها.. بل في السلطة السياسية بالدرجة الأولى. فقد صاغت السلطة السياسية منذ عقود نظاما تعليميا على مقاسها يرسخ بينة فكرية معينة، ويمجد نمطا موحدا من التفكير، يمنع حرية الرأي والفكر، فدأبت عبر مشاريع دورية مغلفة ب"الإصلاح" على تقويم أي اعوجاج قد يصيب هذه البنية، مراعية في ذلك مستجدات العلم والتكنولوجيا. وإذا وجهنا أنظارنا صوب المنظومة الإعلامية التي تصنعها هذه السلطة، فلن نخطئ آثار تلك البنية وأسسها، من تمجيد لثقافة سياسية متقادمة مغلفة بمفاهيم عصرية زائفة، ومن ترسيخ لذوق فني نمطي يقوم على مبدإ "التوحيد" وليس الاختلاف والإبداع، إضافة إلى تهميش المثقف والمفكر الحر، وتمييع المشهد الثقافي عبر إطارات تنظيمية تقتل الإبداع بدل أن تنميه.
فالعربي الثائر لا يستفيد من ثورته العفوية، سواء في إزالة التهميش الجاثم على صدره منذ عقود، أو في اجتثاث جذور السلطة الحاكمة، فيجد نفسه بعد الثورة بين نارين: نظام سياسي جديد يعيد إنتاج الممارسات الديكتاتورية بسبل أخرى، وتدخلات أجنبية توجه سياسات هذا النظام بما يضمن مصلحتها أولا.
  وحتى لا نقف عند حدود صرخة "لينين" المتجددة: "ما العمل؟".. فإننا نرى أن هذا العربي الثائر لابد له من وضع تصور "متكامل" لطبيعة نظام الدولة البديل الذي يسعى إلى ترسيخه، وإلى التسلح بإطار فكري تنظيمي يحميه ويحمي ثورته من الفشل.
ولاشك أن هذه الشروط قد لا تتحقق إلا بعد تعاقب أجيال من "الثائرين"، مادامت السلطة السياسية التي نسعى إلى تغييرها، نفسها التي تعمل كل يوم لمنع سبيل التحرر. 

إرسال تعليق

0 تعليقات