«واقع المرآة» قصة قصيرة للكاتب: محمد عبد الحليم حسن
ارتدى أجمل ما عنده ، تعطر من تلك الزجاجة التي تحمل عبق الماضي .. نظر في المرآة ليرى هل أستعد جيدا ، رسمت على وجهه سحابه يملؤها الحزن والياس لما عكسته تلك المرآة من واقع مخيف ... تنهد وهرب مسرعا بخياله الى عالم الذكريات .
خرج يسير في خيال عميق كسابح ماهر يسبح في بحر واسع ، أقنع نفسه أنه سيقابلها كما كان وكما كانت .. ولما لا ؟ فقد أستعد لذلك وتهيأ ، ترآى أمام عينه ما رآه في المرآة عندما نظر اليها.. أغمض عيناه سريعا لينهي هذا المشهد الواقعي ويعود مجددا لخياله الجميل .
مر في كل الأماكن التي كان يراها تسير فيها ، يمرغ نظره في كل شبر من هذه الأماكن ، كأنه يبحث عن شيء صغير في محيط واسع ، وفي نهاية كل طريق تصطدم عيناه بما رآته في مرآته الصادقة .
أكمل رحلته ... مازال يبحث ويلهث وراء ذلك الخيال الجميل ، يطارده شبح الواقع المخيف كما رآه في مرآته ... أحس بالتعب ، أصابه شيء من اليأس ... بدأ يستيقظ من هذا الخيال الذي يُسيره لكنه يأبى إلا العيش في ذلك الخيال الجميل .
هرول مسرعا .. علت أنفاسه حاول أن ينجو من شبح مخيف يهدده ، يريد أن ينهي حياته ... وفي الواقع يريد أن ينهي خياله ... يتوقف أحيانا ليلتقط أنفاسه ويعود إلى خياله الجميل مجددا ليتذكر كيف وهما يتبادلان تلك النظرات العفيفة تم يستحيا ويرحلا ... وكأن هذا الخيال هو الذي يمنحه القوة أمام هذا الشبح المخيف .
بدأت قدماه وكأنها تسير إلى الوراء ، وكأنها أضجرت من أفاعيله ... قلبه في عالم أخر ، يرافق صاحبه في عالم الخيال ، تشبثت قدماه بالأرض ، توقف وكأن خياله أصبح واقع وواقعه أصبح خيال ... توقفت كل جوارحه على صوت يأتي من خلفه ... نداء متقطع يتخلله التعب ويحمله الشوق ... نادت بصوت متعب وهي تقول " توقف ! توقف قد جئت ! أعلم انك تبحث عني وأنا أيضا ابحث عنك .. أخيرا وجدتك .. أنتظر ! " لم يكن يعرف صوتها ، لم يتبادلا الحديث من قبل لانهما لم يعرفا سوىلغتي العين والقلب .
تنهد وكأنه قد أستعاد روحه في أخر لحظات غرقه.. بدأ يستدير قليلا .. يحمله الشوق ويخيفه الواقع ، ألتفت ليراها فقد أشتاق أليها كثيرا.... و قبل أن يكمل رحلته الطويلة إلى الخلف سمع مناديا من أمامه ينادي :- " أمي ! أمي ! بحثت عنك في كل مكان .... " سقطت هذه الكلمات على قلبه كالصاعقة التي لا تحتملها قوة الجبال ، قطعت كل أماله في الحياه ، وفي الحقيقة أنهت رحلته المستحيله في عالم الخيال .
لم يكمل رحلته العصيبة والتي كانت من اجل الالتفات للوراء ، أو بمعنى أخر العودة للماضي ولم يستطع الرجوع الى الامام ، أصبح عالقا في منتصف الطريق ليجد نفسه ما زال واقفا أمام واقع مرآته .
إرسال تعليق
0 تعليقات