خواطر| للكاتب: نصر عوض نصر
(خريجون إلى فوهة الفقر) قصة..
في الصباح بينما كنت جالسا بجانب إحدى قاعات المحاضرة أقرأ استعدادا للامتحان الذي لم يتبقَ له إلا دقائق قليلة فجأة لفت انتباهي أحد الطلاب يمر من جنبي شاب متوسط القامة أسمر البشرة ،في عينيه ترى عالما من الأسرار عليه لمحات هزيلة من السعادة وطغت عليها ملامح الحيرة الممزوجة بالتعاسة ! فإذا به يتقدم خطوة خطوة إلى حيث كنت أجلس ،حتى حط رحله عندي .... دار بيني وبينه حديث لدقائق أفرغت عليه مافي جعبتي من التساؤلات ففهمت منه أن هذا اليوم هو آخر يوم له في هذه الكلية ،ففرحت له فرحا جما ..لحظة !!! لكن بقي سؤال يعتصر في دماغي ،ماسبب هذه التعاسة وهذا الوجوم الذي تسربل به وجهه؟؟ أليس هذا غريبا؟!!
فتعجبت لحاله وبدأت أجاذبه أطراف الحديث مرة أخرى وقلت له: من المفترض أن أراك سعيدا ،فهذا آخر يوم لك في الكلية وبعدها تتخرج أليس التخرج هو أجمل مانحلم به جميعا ...فجاءني الرد كالصاعقة ،
كصاعقة أرسلت على آمال لي فجعلتها كهشيم المحتظر
رد عرج بي إلى سماء هذا الشخص فوجدتها قد ملئت خيبة وانكسارا
قال لي بنبرة يملؤها الحزن والأسى : زملائي الذين هم من صنفي الذين لم يدرسوا ولم يعرفوا الكليات إطلاقا قد صار لديهم ماصار ،وصاروا يعيشون في رغد من العيش ، و أنا !!...أنا الذي قضيت زهرة عمري ونشاطي في هذه الكلية وكابدت الفقر لأدرس وتكحلت بالسهر ، وحرمت نفسي طيب المنام وأبواي اللَّذان بالكاد يجدان قوت يومهما ،مكثا كل هذه السنين يصرفان عليَّ، ويحرمان أنفسهما حتى يوفرا لي ما أشتري به ملزمة أو كراسة أوقلما .. لسان حالهما : ستتخرج يابني وستتوظف وستعوضنا فها قد جاء هذا اليوم وياليته لم يجئ ، أنت تعلم أن هناك من الخريجين من له مايربو على خمسة عشر عاما ومايزال بدون وظيفة !! ، وهل الآن هذه الشهادة ستطعمني أو ستسقيني ؟ أين أذهب الآن بعد التخرج؟؟
أطلق هذه الكلمات ثم تنهد آلاما وآهات تنهدَ شابٍ أخلص لهذا الوطن وتعلم رغم فقره ومعاناته أراد أن يتسلح بالعلم ليبني هذا الوطن ،لكن ماذا كانت النتيجة ؟؟ وماذا كان جزاؤه ؟!!.
عندها تذكرت كلمات روبرت موغابي حينما قال :كيف يمكننا أن نقنع الجيل الجديد بأن التعليم مفتاح النجاح ،إذا كنا محاطين بخريجيين جامعيين فقراء ولصوص أثرياء !!
خواطر (تأوهات )
عندما كنت صغيرا -يالسخافة عقلي -كنت أنظر إلى هذه الحياة نظرة إجلال ،نظرة براءة لاتفهم كنه الحياة وتقلباتها ،كنت أعد الليالي والأيام ولو استطتعت أن أتمرد على التسلسل الزمني ، لفعلت ....وللأسف كبرنا وليتنا لم نكبر ، ..نعم أيها السادة ، كبرنا في زمن علَّمنا حبَّ الطيران ثم كسَّر أجنحتنا ،كبرنا في زمن علَّمنا أن القتل سنة والظلم فرض ،والفساد مباح ،والتَدَيُّن بدعة ، كبرنا في زمن الحياة بنكهة الموت ...فما فائدة العيش في وهم الحياة؟!!
أنا ؟؟؟
أنا شخص طالما أسعد الناس ،ولكنه عاجز عن إسعاد نفسه !
أنا باحث ،لكنني باحث مفقود ! يبحث،عن نفسه التي عجز أن يفهمها ،وفي لغته الأم ليعش العمرَ في أحضانها علّها تنسيه مرارةَ اليتم …
أنا قاربٌ أرخى أشرعته وفتح قلبه لرياح المحبة في زمن حرّم الحب،وأباح الضد فتركته وحده في خضم هذه البحار المظلة ينتظر هلاكه ...
أيها السادة ،في زمني زمن الغربةفي ظل الوطن ،زمن الوحشة في حضن الحبيب ، صار السلاحُ لغة العصر أبجدياتها قتل ودمار ، يقتلونني ويمشون في جنازتي ، يحرقونني ويرقصون فوق رفاتي، في زمني كلما تعالت عروش الضلمة والجبابرة، ازداد صراخ اليتامى وبكاء الثكالى وأنين الفقراء ،في زمني صار الإنسان يكابد قصة وجود مأساوية في زمن تجرد الناس فيه عن معنى (الإنسان ) …
إرسال تعليق
0 تعليقات