«محمد بلحوس» يكتب: الفقيه المتسلِّط!
#قصة
إنه صوت دا ابراهيم، فقيه الدوار. أتساءل دائما لم قبل به سكان بلدتي فقيها بمسجدهم؛ رغم أن صوته مزعج، إلى درجة أن سامعه يتمنى لو كان الآذان بالإشارة فقط. نحن الأطفال طبعا علاقتنا بالمسجد تقتصر فقط على حضور الولائم التي تقام فيه.
بين الفينة و الأخرى تخبرنا للامباركة بوجود قصعة كسكس بالمسجد، أحببنا كثيرا للامباركة، و ارتبط اسمها دائما في ذاكرتنا بالولائم . دا ابراهيم لم يعجبه حضور الأطفال في الولائم، فهو يعلم جيدا ان عدد الأطفال في القرية أكثر من عدد الرجال و الشيوخ فيها، لذلك يسعى لإبعادنا. اتخيل ان الفقيه يقول في نفسه عقب كل وليمة: آه، لو حظينا نحن الكبار فقط بهذه القصعات الثلاث من الكسكس المعمم بطبقة من اللحم.
كانت نسوة الدوار يرسلن في كل مرة ثلاث قصعات من الكسكس الى المسجد. سألت يوما أمي لم لا ترسلن عددا أكبر من القصعات الى المسجد؟ أمي تعتقد، كباقي نسوة الدوار أن في الأمر حكمة ما، فالقصعة الأولى لله و الثانية لسيدنا جبريل و الثالثة للسكان. هكذا توارث الناس هذه الطقوس. أما نحن الأطفال فنجعلها كلها لنا، فالله ليس في حاجة إلى طعامنا، هكذا قالت لي جدتي ذات ليلة.
اصبح صدر الفقيه يضيق اكثر فأكثر، و ذات ليلة فكر في حيلة لإبعاد هؤلاء الشياطين الصغار عن الولائم. بعد صلاة المغرب ذلك اليوم، اقترح الفقيه على السكان إرسال أبنائهم إلى المسجد لتحفيظ القرآن. فرح الجميع بالخبر، إلا نحن الأطفال. أصبحنا نُساق كل صباح إلى الكتاب بالمسجد. نعود إلى منازلنا مساء، و كل واحد منا يحتفظ بأثر سوط الفقيه على ظهره أو ذراعه او مؤخرته.
كانت أياما صعبة، بدأنا نكره ذكر المسجد، حتى الولائم لم تعد لها تلك النكهة العجيبة، فلم يعد الكثير منا يحضرها. لقد حقق الفقيه الشرير مراده، أصبح يلتهم اللحم الموجود بالقصعات الثلاث بنهم شديد. دخلنا يوما الكتاب كالعادة، و فرائصنا ترتعد من شدة الخوف من سوط الفقيه. تبا، اليوم سنستظهر اللوح، لم احفظ ما كتبه ذلك المغفل على لوحي، و لم أعره أي انتباه، كنت أتحين فقط لحظة انشغاله لأهرب إلى غير رجعة.
حان دور صديقي جمال، ليستعرض لوحه، أيقنت أن دوري هو الآتي. تسللت و هربت، لكن سوط الفقيه كان أسرع مني، صِّيت.. ترك السوط خطا أزرق على مؤخرتي. لكنني تمكنت من الهروب أخيرا.
وصلت إلى المنزل و أنزلت سروالي و قلت لأبي انظر إلى ما تركه سوط الفقيه على جسمي! نظر أبي إلى أثر السوط، أشعل سيجارته النتنة، و نثر دخانها في أرجاء الغرفة، مما أشعرني بالارتياح و عرفت أنه لن يرسلني مرة أخرى إلى الكتاب، و أنه لن يدخر جهدا حتى يطرد الناس هذا الفقيه المتسلط.
______
محمد بلحوس
المغرب
إرسال تعليق
0 تعليقات