المدوِّن المغربي «هشام وهبي» يكتب: "الإصلاح" السياسي في المغرب: الوهم الكبير!
أنتجت ثورات الربيع العربي منذ اندلاعها قبل سنوات مناخات سياسية جديدة، لم يكن في مقدور السلطة السياسية أن تتحكم فيها تحكما تاما، فقد تغيرت بشكل مفاجئ مفاهيم سياسية، ظلت تحكم منذ عقود علاقة الحاكم بالمحكوم في هذه الدول.
وهكذا أصبح العربي البسيط يقحم المسائل السياسية في مختلف أحاديثه، ويرى نفسه أهلا لمناقشتها والتعبير عن رأيه الصريح فيها وفي غيرها، كما بدأ يستوعب تدريجيا مفهوم المواطنة وعلاقته بالسلطة، حيث أدرك متأخرا أن هذه العلاقة القائمة على الطاعة العمياء لمظاهر السلطة القوية، يجب أن تتحول إلى علاقة قائمة على مفاهيم الحق والواجب.. إذ أصبح بذلك على رأس الهرم، بعد أن ظل أسفله.
وقد دفع هذا الوضع الجديد الأنظمة الحاكمة في بعض تلك الدول، التي استوعبت الوضع في كليته وتحايلت على الثورة. (دفعها) إلى الإيهام بما سمي ب "الإصلاح السياسي"، كما هو الشأن في مغرب مابعد 2011.
فقد عمل النظام السياسي على الالتفاف على المطالب الحقيقية للمحتجين، والتي كانت تدريجية وواضحة منذ بداية الحراك، فأرسى كذبة "الإصلاح الدستوري"، وشرعنها عبر أساليب الالتفاف التقليدية، وذلك لتخفيف الاحتقان الاجتماعي، وتجنب اتساع حركة الاحتجاج وتطور مطالبها. حيث تم تكليف لجنة خاصة لإعداد دستور جديد، ثم عرضت مضامينه عبر خطاب رسمي ليحال بعدها على الاستفتاء الشعبي..
كلها تبدو فعلا عمليات تجسد "الممارسة الديمقراطية".. لكن، بعد سنوات من هذا (الإصلاح) –الذي نكتفي به هنا نموذجا دون التفصيل في الظروف التي رافقت تمريره- يتأكد جليا سبب تخوف عدد من الحقوقيين وجهابذة القانون، حين تم التصديق على هذه الوثيقة، فرغم الغنى والتنوع الذي غلفت به، إلا أنها أظهرت مع الزمن حقيقة واحدة هي بعدها الواضح عن مبادئ الديمقراطية الحقة، حيث لازالت كل السلط بيد حاكم الدولة، وله صلاحيات واسعة في الحسم في اختيارات، يفترض حسب الممارسة الديمقراطية أن يحسم فيها المواطن نفسه، عبر انتخاب من يتولى أمر التنفيذ ويضطلع بالمسؤولية التي تخول له (أي المواطن/الناخب) أمر المحاسبة..
إذن.. فالديمقراطية التي جاء بها هذا الإصلاح وغيره، ديمقراطية ناقصة أو مشوهة تتغيى بالأساس ضمان استمرار النظام الحاكم بأي ثمن كان. وما جرى بعد ذلك أثناء التعامل مع الاحتجاجات السياسية (حراك الريف/جرادة..) أو الفئوية (احتجاجات الأطباء/ الأساتذة..) خير دليل، فقد عمل النظام الحاكم بعد شرعنة أكذوبة الإصلاح، وإطفاء ما تبقى من لهيب الاحتجاجات.. على العودة إلى الأساليب التقليدية كالخندقة والتخوين والتضييق والاعتقال..
إن عين المحلل لوضعية البلدان العربية عامة بعد ربيعها المغتال، لا تخطئ ديكتاتورية سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مغلفة بمفاهيم ديمقراطية شوهاء تحتل آذاننا وتخترق أبصارنا التائهة، بين دول على الضفة الأخرى تتجسد فيها مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية، وأوطان نعيش فيها الهوان ونتطلع نحو المجهول..
إرسال تعليق
0 تعليقات