الكاتب المغربي «يونس الديدي» يكتب: كيف يتم صناعة مجتمعات مريضة للسيطرة عليها؟



المرض في السياق الاجتماعي يعني الخروج على القواعد و المعايير الاجتماعية٬ التي يضعها المجتمع في سياقات معينة٬ و المرض بالمعنى الفيزولوجي أو العضوي؛ يعني الاعتلال الذي يصيب جسم الانسان أما المرض بالمعنى النفسي فيعني إضطرابات في السلوك نتيجة عوامل إما بيولوجية أو  بيئية ٬لكننا لو حاولنا تقديم هذا المفهوم بالمعنى السياسي سنجد أن المرض وسيلة لسيطرة على الشعوب بل إنه مرحلة متقدمة جدا من السيطرة التي تسعى إليها الدول الرجعية، إذن كيف يتم توظيف المرض سواء بالمعنى الاجتماعي أو الفيزولوجي أو نفسي في السيطرة على الشعوب و إضعافعها ؟
عندما تشتغل المؤسسات الاجتماعية في الإتجاه المعاكس  و تتبنى وجهة نظر جاهزة تعكس تصور الطبقة الحاكمة ؛يتم عزل الأفراد الذين لا يستطيعون مجاراة الايقاع الاجتماعي، و المؤسف أننا نعتقد أن هذا الوضع جزء من حياة طبيعية لأن الحس السليم لدينا يتحول إلى أداة لتبرير الوضع القائم الذي تم صناعته إجتماعيا عبر هذه المؤسسات وتعزيزه إعلاميا فيحدث عندنا نوع من الانحباس الاجتماعي الذي يتحول بذوره الى إنفصام الأنا بين تطلعاتها المشروعة و مررات الواقع المصنوع و يتحمل رجل السياسة المسؤولية على هذا الوضع لأنه شارك في صياغته هذا إن لم يكن هو من صنعه؛ على سبيل المثال عندما يرغب أحدنا بأن يعطي تفسير  للبطالة و تفشيها بين الشباب يزعم السياسي أن غياب الكفاءة تحول دون إيجاد فرص العمل وهذا يعني أن من لديه الكفاءة اللازمة سيجد عمل مناسب له، ولكن كيف يعقل أن تتحدث هذه المؤسسات عن الكفاءة اذا كانت هي من قامت بتأطير هؤالاء الشباب  عبر مؤسساتها  التعلمية و المعاهد الحكومية ؟ وهل يعني هذا أن كل من ليس له كفاءة ليس من حقه العيش حياة كريمة و عادلة ؟ هذه الحجة غير دقيقة وهي مضللة جدا لأنها تحاول إخفاء السبب الرئيس؛ و هو الفساد الأخلاقي  ،و عدم  التقسيم العادل للموارد الطبيعية، إلى جانب غياب حس الانتماء الجماعي، وصعود توجه فرداني كنتيجة طبيعية من نتائج العزل الاجتماعي الحاصل  مما ينذر بتفكك كل الهياكل الاجتماعية و تكون مظاهر هذا التفكك متجسدة في  الاحتجاجات سواء على المستوى الرقمي، أو الشارع كردة فعل على هذا الجو العام المظطرب و نتيجة التفككك الاجتماعي التدريجي و غياب حصانة مجتمعية محكومة بسياسة إنسانية غير متحيزة طبقيا تنتقل هذه الأوضاع إلى التأثير على المزاج العام ، فتنتقل المجتمعات من المرض بالمعنى الاجتماعي الى المرض بالمعنى النفسي فتظهر سلوكات غريبة جدا عن الفطرة السليمة و القواعد الاجتماعية، ويتم تحويل المجتمعات من التركيز على من يحكمهم و مطالبتهم بمزيد من الاصلاح العادل و الشمال ، الى التركيز  على معالجة نفسها و التعامل و التكيف مع هذه المشاعر و الوضع الاجتماعي وحينها يصبح المرض بالمعنى العضوي متفشي بقوة مادامت أسبابه قائمة و الأجواء مهيئة له و عندما يكون عندك شعوب مريضة إجتماعيا (الفقر..البطالة )و نفسياً (إضطراب القلق العام و التوثر) و عضويا ( الأمراض الخطيرة عموما ) يتأجل التغير الاجتماعي و لكن المجتمعات ، تبقى  قابلة للانفتاح على كل المفاجآت إذ أن أسباب الثورات قائمة وفي هذه الحالة  تتصيد الشعوب فرصتها  المناسبة التي ستحصل عليها في النهاية مدام جرحها ينزف ...

إرسال تعليق

0 تعليقات