هناك حكمة
صينية تقول: "إذا أردت أن تهزم الوحش يجب أن تجعله جميلا!" لو أردنا أن نقارب
ما حدث في السودان، في ضوء هذه الحكمة من أجل تقديم صورة تقريبية حول ما وقع
بالضبط في السودان وكيف تطورت هذه الأحداث من حراك شعبي إلى ثورة
شاملة؛ أتصور أن المدخل المناسب للفهم الظروف التي مهدت لنجاح الثورة
السودانية ؛تكمن في طبيعة الشخصية السودانية، ومعرفة ما الذي يوجد في
السودانيين جعلهم يعبرون إلى الضفة الأخرى ضفة الكرامة و الحرية و العدالة
الاجتماعية التي سوف يؤسس لها هذا التغير الاجتماعي، وعليه نستطيع طرح مجموعة من
التساؤلات من جملتها، ما الذي يوجد في الشخصية السودانية جعلتها تحافظ على هدفها الرئيس؟
وهل كان للحمة الاجتماعية دور في الحفاظ على هذه الروح الثورية حتى تتحقق كل
المطالب التي خرجت من أجلها هذه الجماهير الشعبية ؟
لو عدنا الى
الحكمة الصينية لفهمنا شيء من هذا الانتصار القوي، الذي حققه إخواننا في السودان،
إن السودانيين جعلوا من خوفهم جميلا قبل أن يقوموا بتجاوزه هذا الخوف
الذي تصنعه الدول الفاشلة والقمعية، بغية ا حثواء أكبر عدد ممكن من
المترددين، تم كسره لذلك انتقل السودانيون إلى الضفة الأخرى ضفة
الحرية ومزيد من الحقوق الاجتماعية لكن ضرب الإصلاح طويل، لأن التغير الاجتماعي له
مراحل ومنعطفات كبيرة يمر منها ولكنني أستطيع تبشير إخواننا في السودان بأن
صوتهم أصبح يسمع بل يحترم لأنهم فهموا جيدا مدى قوة السلطة الشعبية في تحقيق
التغير الاجتماعي، وإرساء دولة أساسها الاحترام المتبادل والعمل على جعل
مصلحة الناس الذين يعيشون فيها أولوية كبرى وقد استفاد السودانيون من السياق
الإقليمي وما يشهده من فوران تفاعلت معه الشخصية السودانية على
نحو جيد هذه الشخصية المليئة بالصفاء وأنا أربط بشكل واعي جدا بين صفاء
الشخصية السودانية وإيمانها العميق بالأخلاق الطبيعية وبين النجاح الذي
حققته ثورتهم، لقد تجنب الشعب السوداني ما وقعت فيه بعض الدول العربية من
سطوة الإعلام التضليلي الذي يهيئ بيئة مليئة بالمغالطات كما أن سلطة
الإعلام الرسمي لم تنجح في احتواء الجماهير الغاضبة، التي كانت تستمد دافعها
مما يقع أمام عينيها وليس ما يقدمه رجال السلطة من تفسيرات وتأويلات تضليلية،
إن عدم احتكاك السودانيين بهذا الجو وتركيزهم على هدفهم جعلهم يحققون ما
يريدون تحقيقيه وهناك أيضا معطى مهم جدا يجب أن ننتبه إليه و هو اللحمة الاجتماعية
وتضامن كل مكونات المجتمع السوداني جعلهم يؤسسون وعيا جماعيا متماسكا حدد هدفه
بقوة، وأدرك جيدا من هو العدو ،لذلك لما تنجح اشكال التخويف التي حاول العسكر من
خلال ما يعرف" قوات التدخل السريع " تحقيق هدفهم و ترهيب عموما
الشعب السوداني وهذا الخطأ الفادح الذي ارتكبه الجيش انعكس على صورته عالمياً واعطى
لهذا الحراك نفس جديد و عمل على تقوية و تماسك الجماهير لأنهم فهموا
أنه لا يجب الرجوع بعد التضحيات التي قدمها إخوانهم وحاول الجيش السوداني ي
استنساخ التجربة المصرية و ما وقع في ميدان "رابعة " ولكن خصوصية
الشخصية السودانية المحترمة وتفردها يختلف عن خصوصية الشخصية المصرية المحترمة
كما تختلف الأجواء العامة في كل بلد وحساسية موقعه الاستراتيجي لذلك
نجحت الثورة في السودان و تأجلت في دول أخرى لها نفس الهواجس و نفس الجروح، إلا
انا هناك بعض الشعوب اختارت النوم قد يكون نومها مؤقت وقد يكون طويلا وإذا
أردنا أن نحسن الظن بهم نستطيع أن نقول أنه نوم استراتيجي..
إرسال تعليق
0 تعليقات