"مملكة الجياد" قصة للكاتب: مازن فضل
يكمن في حرفيّ الحاء والباء أحد طريقين، إما السعادة أو الشقاء، بالحب تحيا الشعوب وبه تفترق الأمم وتندلع الحروب.
هناك من أحب فزرع السلام والطمأنينة والاستقرار ليحصد التقدم والهدوء والرخاء، وهناك من أحب نفسه فدفن في أوردته صفات الأبالسَة كحب الذات والشهوة والسلطة وامتلاك كل شيء، فينشر الكراهية والبغضاء لتعم الفوضى.
معظم الرجال يتهمون النساء أنهن سبب كل الخراب الذي يحدث بالعالم، هن سبب زرع الفتن واندلاع الحروب.
ما ذنبهن إذ خُلقن جميلات أميرات يعشقن الظاهر ولا يعلمن شيئًا عن الباطن؟
ما ذنبهن إن كُنَّ يقابلن من يدَّعي الحب وفي أحشائه مكر الذئاب؟ في حين أن آخرين يعشقون قلوبهن قبل وجوههن؟ (المؤلف)
.......................................
كعادتها تسللت وتركت الحفل الصاخب وجميع المدعوين لتقف في الشرفة المطلة على الناحية المتكاتفة الأشجار وعيناها الساحرتان الخضراوان تطالعان السماء المكتظة بالنجوم، والقمر الساطع يعكس نوره ليجعل من وجهها مرآةً له.
وها أنا كالعادة أتسلق الشجرة المقابلة لشرفتها؛ أسترق النظر على بديع خلق الله، ومن فرط جمالها الخلاب خيل لي أن العالم كله لا يوجد به سوانا، ونسمة الهواء الصافية التى هزت أوراق الشجر لما رأتني، ليأتي صوتها الرقيق الهادئ وبابتسامةٍ ملائكيةٍ قالت:
مرحبًا بالفارس المحقق للظنون، أأعتدت على مثل هذه الحركات الصبيانية؟ ألم تخف أن يقبض عليك الحراس!؟
-- إن أسوا ما يحدث لي هو حرماني من رؤياكِ أيتها الأميرة.
أخشى أن يراك أحد أو أن يصيبك مكروه.
وقبل أن يترك مكانه أعلى الشجرة أراد إهداءها وردة، ولبعد المسافة بين الشرفة والشجرة التي تقارب الثلاثة أمتار، وقف على طرف الغصن ومد يده على أقصى طول لها، وبينما هما هائمان يتبادلان نظرات الشوق، إذ سمعوا صوت تكسُّرٍ يأتي من الشجرة.
صرخت أن انتبه يا نيرون، لكن قد فات الأوان، فسقط أرضًا تلحقه ضحكاتها عاليةً فتملأ قلبه بالسعادة والفرح متناسيًا أي وجع أصابه إثر الارتطام .
***
الاميرة ( روزاليندا ) بنت الملك ( كارينوس ) ملك " مملكة الجياد "، تلك المملكة التى سميت بذلك لكثرة خيولها الجميلة المدربة ذوات الشعر الطويل، المميزة بسرعتها الفائقة وقوتها البدنية، فكانت منزلة للقوافل وذات مكانة ومرتبة بين الممالك المجاورة.
***
مرت الأيام وحب الفارس ( نيرون ) والأميرة ( روزاليندا ) في ازدياد، حتى بلغ عنان السماء، لكن سعادتهما لم تدم طويلا، فقد أخذ نبأ حبهما في التسرب إلى أهل المملكة، وبدأت الألسن تلوك قصتهما، وبطريقة ما وصلت الأخبار إلى والدها الملك، الذي اشتاط غضبًا، واستدعى الفارس على الفور.
وفي الحال جاء به الجنود مكبل اليدين، وفي ساحة القصر شُرِع في استجوابه وسؤاله عن سِرِّ تلك الأقاويل التي وصلته عن علاقته بابنته.
لم ينكر ما نُسِب إليه واعترف بعشقه لها، فهبَّ الملك واقفًا وقطب ما بين حاجبيه وصرخ في وجهه قائلا:
لقد خُنْتَ مملكتنا، وها قد حكمنا عليك بالإعدام رميا بالسهام.
***
حينها تقدم الوزير إلى الملك وطلب منه الإذن بالحديث، فأذن له.
فاقترب منه وهمس في أذنه متمتما:
سيدي الملك، لا يجب أن نقتله؛ فقد نحتاج له في المعركة؛ فنحن مقبلون على حرب ضد "مملكة النور"، وأنت تعرف سطوة هذه المملكة ومدى ما تمتلك من قوةٍ عدديةٍ من الجنود والأسلحة المتنوعة، علاوةً على أننا لم نَخُضْ حربا منذ عشرين عامًا، وهذا الفارس من أشجع وأمهر الفرسان بمملكتنا، وكذلك رفقًا بقلب الأميرة؛ فأخشى أن يحدث لها مكروه إن علمت بهذا الحكم.
جلس الملك على العرش وارتدى تاجه الذهبي وتناول كأسا من النبيذ، ثم أمر بحبسه مؤقتا مكتفيًا بذلك لحين صدور قرار نهائي بالحكم عليه.
وبعد أن انصرف الجميع، قال للوزير:
أنت على حق، لا يجب قتله، ولكن يجب أن نبعده من المملكة، وأيضا نستولي على مملكة الزهور، يا لها من صفقة ستغير مجرى التاريخ!
شرد الوزير برهةً يقَلِّبُ كلام الملك في رأسه، لكنه لم يفهم شيئًا، فضحك الملك باستكبار وأردف:
لا ترهق عقلك أيها الوزير، قريبًا ستفهم كل شيء.
***
"لمملكة الجياد" مملكة مجاورة وصديقة هي "مملكة الزهور" بينهما معاهدات واتفاقيات، تحكمها ملكة تدعى ( ماري )،في حالة الحروب يتحد جيشيّ المملكتين ويكأنهما مملكة واحدة، فتكونان حصنًا قويًا ضد أى عدو.
كان للملكة (ماري) ابن شاب هو الأمير (أوثو) الذي يساعدها في الحكم وإدارة شئون البلاد.
كان الملك (كارينوس) شديد الدهاء والذكاء؛ إذ قرر إرسال الفارس "نيرون"إلى مملكة الزهور وبعث ببرقية إلى الأمير كان قد خطها بيده، وجاء فيها:
إلى أمير الزهور الشاب الوسيم:
لقد وافقنا على طلبكم الزواج من الأميرة "روزاليندا" وننتظر قدومكم إلى مملكتنا خلال ثلاث ليالٍ بشرط أن تقوم بقتل ذاك الذي يُدعي "نيرون"؛ وذلك لأنه متهم بالخيانة العظمى للمملكة ونقل أخبار الجيش.
بعد أن أنهى كتابة الرسالة التفت إلى الوزير وقال له بلهجة تحذير:
ليكن هذا سر بيني وبينك، يجب أن ترسل أقوى الفرسان بهذه الرسالة إلى الأمير "اوثو" حتى وإن كلفهم وصولها حياتهم ، أما الآن فأريدك أن ترسل مناد في كل أرجاء المدينة لينشر خبر زواج (روزاليندا، ونيرون)؛عليه أن يذهب أولاً إلى مملكة الزهور ويأتينا بفستان مرصع بالورود، كل وردة لها لون خاص وإن لم يجب طلبنا فزواجه من الأميرة مرفوض.
كان هذا دهاء من الملك حتي يقضي حاجة في نفسه كان يخفيها وسيدعي بعدها أن الفارس نيرون قد غرق أو ربما قتل في مملكة الزهور.
***
وذات يومٍ كانت الشمس فيه في حالة كسوف، والسماء ملبدة بالغيوم، والعواصف تفتك بكل شيء،جاء الفارس معصوب العينين، مقيد الذراعين، وعند الباب الخلفي للقصر كانت تنتظره عربة يشدها جوادان يحملان صندوقًا مغطى بأقمشة سوداء، وضعوه بها وانطلقت باتجاه البحر ثم منه إلى مملكة الزهور.
على مرمى بصرهم بدأت المملكة بالظهور أمامهم لم يتبقى سوى القليل على وصولهم لكن أحيانا يحدث ما لم يكن في الحسبان وتأبى الطبيعة إلا أن ترسم طريقا آخر.. هاج البحر فجأة وازدادت العواصف وتلاطمت الأمواج، وبدأت السماء ترمي بسهامها كالصواعق فتأرجحت السفينة يمنة ويسرة وأصاب جميع الركاب حالة من الهرج والمرج فكانت تلك الفرصة المناسبة لهروب الفارس نيرون الذي قاوم تيارات الأمواج وأخذ يسبح حتى وصل إلى شاطئ لم يجد عليه أحدًا، فسقط مغشيًا عليه على أثر التعب ودخل في سبات عميق.
***
بدأ القلق في التسرب إلى قلب الأميرة الذي ينتفض شوقا لغياب محبوبها عنها يومين، ولم يحدث ذلك من قبل، فنادت وصفيتها وسألتها في لهفة:
هل رأيت الفارس (نيرون)؟
سكتت الوصيفة برهة ثم ترقرقت الدموع في عينيها وقالت في خوف:
إذا أخبرتك سيقومون بقتلي.
انزعجت الأميرة واستغربت:
ماذا دهاكِ؟ أخبريني ما الأمر؟
لكن الوصيفة ما زالت ترفض الحديث وجسدها يرتعد وفيضان مستمر من الدموع يغشى مقلتيها، فأمسكتها الأميرة بكلتا ذراعيها وهزتها بقوة:
تحدثي ولا تخافي، لن يحدث لك أى مكروه، أنا آمرك.
أخبرتها الوصيفة أنها قد استرقت السمع على نقاش الملك ووزيره وما يخططان له من مكيدة للنيل من حبيبها، فألتاعت الأميرة من هول ما سمعت وأحست بقلبها يعتصر في جوفها:
يا للسخرية! من يصدق أن والدها قد أضحى حبلًا يشنق به ابنته؟
***
استيقظ (نيرون) ورأسه منغمس في الرمال، وأكاليل من الضباب أشد كثافة تُطبق عليه ثم نهض وأخذ يخطو في اتجاه الغابات ليرى أشجارًا غريبة لم يرَ مثلها قط في حياته شديدة التقارب من بعضها، دنا أكثر فوجد بوابة حديدية، ركض مسرعًا نحوها، فأوقفه الحراس، وقال كبيرهم في صوت رفيق:
من أنت؟
رد الفارس متجاهلًا قصة نفيه خارج مملكة الجياد، وقال إنه بحار غرقت سفينته ومات كل من فيها وأردف:
أين نحن؟
رحب به الحارس وقال:
أهلا بك في "مملكة النور"
ثم أمر أحد الحراس بأن يقوم بضيافة الغريب حتى يعرضه على الملك.
***
بدموع قاهرة وألم شديد قضت روزاليندا ليلة البارحة وقبيل بزوغ الشمس بفترة وجيزة ارتدت ملابسها واتجهت إلى غرفة كبير الحرس تأمره بتجهيز أمهر الخيول وأسرعها للخروج في نزهة. فأتاها طلبها، وأمر جنديين ليقوما بمرافقتها وحراستها وما إن وصلت للبوابة الغربية للملكة حتى أمرتهما بالانتظار مدعية رغبتها في الاختلاء بنفسها لبعض الوقت، ثم انطلقت هاربة متجهة إلى مملكة الزهور للبحث عن حبيبها "نيرون"
***
مرت ثلاثة أيام وكان الجميع"بمملكة النور" يتأهبون للاحتفال بالانتصار العظيم على المملكة الغربية، أشد أعداءًهم وكذلك السيطرة والاستيلاء عليها.
الجميع في حالة من الفرح يرتدون أجمل الثياب وعلى أنغام الطبول تتراقص الفتيات، بينما الفتيان يسنون سيوفهم لحضور المسابقة التى ستقام، ومن سيظهر مهارته وقوته سيكون الفائز بلقب الحارس الشخصي لصاحب الجلالة وكذا يصبح من المقربين لجلالته.
كان الملك وضيوفه من كبار مجلس المملكة يتناولون اللحوم، وعلى مائدة كبيرة دخل حراس البوابة ومعهم "الفارس نيرون" الذى استعاد قوته واشتد عضده،وبعد إلقاء التحية على الملك، أمره بأن يتحدث، فسرد نيرون قصته كاملة، وفي نهاية الحديث طلب من الملك أن يشترك في مسابقة الفرسان.
***
في ساحة رملية ممتدة الأطراف يحاوطها مدرجات خشبية تجمع جمع هائل من الناس وانطلقت المسابقة والمبارزة بين فرسان المملكة.. كان من بينهم الفارس نيرون الذي تمكن ببسالته الوصول للدور الأخير من المبارزة وكان عليه مواجهة فارس من فرسان مملكة النور الذي تمكن بدوره للوصول إلى النهائيات بفضل قوته وشدته في القتال، وقبل أن تبدأ المبارزة أعلن الملك انتهاء المسابقة وفوز هذين الفارسين وأمر بضمهما إلى حراسه.
***
استقبل الأمير "أوثو" رسالة الملك "كارينوس" بكل سعادة وشغف فقد أخبره فيها أنه وافق على التقدم لخطبة ابنته الأميرة "روز" فسارع " الأمير بتحضير القوافل المحملة بالهدايا وحرص على ارتداء أجمل الثياب، كان أوثو من أوسم الأمراء وأكثرهم حرصا على جمال صورته. امطتى جواده وتحركت القافلة نحو مملكة الجياد في مشهد مهيب ومبهج.. شيع هذه القافلة كل فرد في مملكة الزهور داعين لأميرهم بالسعادة الدائمة.
***
ها قد قاربت قافلة الأمير أوثو من الوصول لكنه لم يتخيل أبدا أن مكيدة كانت تحاك ضده لم يخطر على باله أن ملك مملكة الجياد سيمكر به، إثر وصوله للقصر فوجئ بالحراس يلقون القبض عليه رافعين راية الغدر والخيانة فلم يجد أمامه حلًا إلا أن يشهر سيفه ويقاوم هجومهم حتى آخر نفس له.. كان يقاتل أولاءك الخونة وفكره شارد في مملكته وماذا سيصير مع والدته الملكة "ماري" وإذ بخنجر يغرس في ظهره ليهوي به قتيلا على الأرض.
كانت تلك حيلة الملك "كارينوس" للإستيلاء على مملكة الزهور، أولا قتل أمير المملكة ثم التوجه للمملكة والاستطان بها، وبالفعل بعد مقتل أوثو عقد الملك اجتماعًا طارئًا مع رؤساء جيشه وأمرهم بتجهيز عدتهم والاستعداد لمهمتهم القادمة وعلى الفور تشكلت كتائب من الفرسان الأقوياء والمدرعات الحربية وانطلقوا جميعهم إلى مملكة الزهور حيث وجدوهم في أضعف حالاتهم يغمرهم الحزن ودون أي مقاومة أصبحت المملكة تحت سيطرة الملك "كارينوس" وقام بسجن الملكة ماري..
***
كانت قد وصلت الأميرة روزاليندا إلى مملكة الزهور واختبأت في أحد المنازل المتطرفة هناك، لم يمضي وقت طويل حتى سمعوا أصوات أبواق المملكة وانتشر صليل السيوف في عنان السماء حينها أسرعت صاحبة المنزل الذي اختبأت فيه الأميرة باخبارها أن جيش مملكة الجياد قد قتلوا الأمير "اوثو" وتمت السيطرة على القصر وسجن الملكة ..حزنت روزاليندا مما سمعته وجن جنونها، ظلت تفكر كثيرا في حيلة لتخليص الملكة من بطشهم.
وبالفعل اتجهت إلى القصر خلسة وأمرت أحد الجنود بأن يترك لها المجال لمقابلة الملكة لكنه احتال عليها بدوره ووشى بها للوزير فتم القبض عليها وتقييدها مع الملكة ثم انطلقا بهما أسيرتين إلى مملكة الجياد حتى يعرض أمرهما على الملك
***
كان الفارس نيرون مع ملك "مملكة النور" يتجاذبان أطراف الحديث حين دخل عليهما أحد الحراس فزعا وأخبرهما بتلك المكيدة التي اتخذتها مملكة الجياد ضد الأمير "اوثو" وما فعله الملك "كارينوس" فأمر على الفور باستدعاء أعضاء مجلس المملكة.. أما "نيرون" فقد شعر بغصة في قلبه تكاد تفتك بصدره وانتفض قائمًا يكاد الشرر يتطاير من عينيه كأنهما بركان حمم تغلي... تقدم نحو ملك الجياد وقال له بصوت أجش:
سيدي إذا نويت الحرب فاجعلني على مقدمة جيشك فأنا أعرف جيدًا مداخل المملكة.
فأجابه الملك وقد كان في حالة غضب:
كنت أفكر في هذا نيرون فلدي استراتيجية خاصة ستوقع بهذا العدو الهمجي الذي تضاخمت قوته وجيشه بعد الاستيلاء على مملكة الزهور، يجب علينا محاصرته من كل اتجاه حتى يصعب عليه الفرار وستكون أنت على رأس الكتيبة التي ستغزوهم من اتجاه البحر.
***
انعقد المجلس وبعد الاستشارات والمشاورات تكونت الكتائب وانطلق عدد ضخم من الجيوش الأقوياء والفرسان البواسل ومعهم نيرون.. فكان هذا الأخير يتقدم الجيش عازمًا على النصر ولا شيء غيره وفكره لا يشغله سوى حبيبته "روز" وقلبه يرتجف خوفًا وقلقًا عليها، مجرد التفكير أن مكروها قد أصابها يشعره بالجنون.. كان طيلة رحلته يسترجع كل ذكرياته معها، يكاد يسمع همسها، يخيل إليه أنها تناديه فيرفع بصره إلى السماء راجيًا أن تكون بخير ويزيد على اثر ذلك من سرعته وصوت داخله يصرخ..لا تقلقي حبيبتي سينتهي كل هذا الألم ولن يفرقنا أحد بعد اليوم.
***
أمام أسوار "مملكة الجياد" كانت جيوش "مملكة النور" تقف في مشهد مهيب، كان أضخم جيش شهدته الممالك، جياد تصهل وتتسابق في ابراز قوتها تضرب بحوافرها الأرض فوقها فرسان بواسل يرهبون بأصواتهم عدوهم فينزل عليهم كالصواعق وفي المقدمة جنود المشاة يحملون السيوف والأدرعة الواقية ومن خلفهم رماة الأسهم الذين أناروا السماء بسهامهم النارية التي كانت سببًا في اشتعال حريق هائل في القلعة مما جعلهم ينجحون في اختراق تلك الأبواب العملاقة وبدأت الاشتباكات في مشهد ملحمي وسط ساحة القلعة.
***
بعد وقت قصير وصل نيرون للقلعة وقد اعتراه حزن عميق لما حل بأهله وأصدقاءه دون ذنب وربما ذنبهم الوحيد أن ملكهم كان ظالما، لم يترك حسرته على ما شاهده تنسيه حبيبته وعلى الفور توجه نحو القصر وبدأ يبحث عن "روز" ومعه ما لا يقل عن خمسة عشرة ألف من الفرسان فكانت الغلبة ضد كل من اعترض طريقهم من حراس القصر ورهبة الملك ذاك الذي علم بسقوط جيشه فأسرع بالهرب هو ووزيره من خلال سرداب سري كان يسجن فيه الأميرة "روزاليندا" والملكة ماري إضافة إلى كل ممتلكاته من جواهر وذهب خبأهم فيه بعيد عن أي غدر أو خيانة وتنبأ بمثل هذا اليوم.
أما نيرون فقد جاء في أرجاء القصر جميعها باحثًا عن محبوبته وعن ذاك الملك الغادر لكنه لم يجد لهما أي أثر.. فسقط أرضا على ركبتيه يمسك رأسه ويبكي على حبيبته روز التي لا يعلم أي مصير كان من نصيبها..لا يعلم إن كانت قد قتلت أم تم اختطافها قبل الحرب.
***
انتبه الفارس نيرون لصوت خافت يناديه فالتفت مسرعا في اتجاه الصوت ليجد وصيفة الأميرة روزاليندا ملقاة على الأرض منهكة تكاد تغيب عن الوعي وكان صوتها كحبل النجاة له، كملاك الرحمة قدم ليساعده فركض نحوها يطمئن عليها أولا وقبل أن يسألها هو سارعت هي باخباره عن ذلك السرداب السري وأخبرته أن عليه الاسراع قبل أن يبتعد الملك ومعه الأميرة
ركض نيرون مصطحبًا وصيفة الأميرة وبعضًا من الجنود ونزلوا السرداب.. كانت أرضيته رملية وفي جانبيه غرف أبوابها خشبية مقفلة بأقفال حديدية ضخمة..
أي باب أنت خلفه حبيبتي؟ أي قفل عليا أن أحطم لأجدك..
***
كل الأبواب فتحت وكل الأقفال حُطمت ولم تظهر روز خلف أي باب منهم.. لكن نيرون لم ييأس واستمر في السير حتى وصل إلى نهاية السرداب.. كانت نهايته تطل على البحر ومن حسن حظه أنه وجد سفينة الملك مازالت لم تبحر بعد، جال ببصره في المكان فوجد حبيبته مقيدة اليدين حزينة فجن جنونه وأسرع يحمل سيفه متجها نحو الملك وبضربة قاضية تخلص من بطشه وظلمه، وقد قام جنوده بالاستيلاء على السفينة وأسر كل من كان عليها من أتباع الملك "كارينوس"...
***
هدأت المعركة وانطفأت النار، ابتسمت السماء وعم النسيم أرجاء المكان. تراقصت أمواج البحر فرحا بلقاء الحبيبين أخيرًا وباحت الريح بأسرار الندى، وتشكلت السحب فأمطرت السماء بأمطار تبوح بالصفاء وحلو اللقاء.
نظر نيرون للأميرة "روز" واتجه كل منهما للآخر، كانت خطواتهما بطيئة ثم بدأت تتسارع حتى لم يعد لذرات الهواء مكان بينها واحتضنها نيرون بقوة يبثها شوقه وخوفه والأمان بين ذراعيه فانسابت العبرات على وجنتيهما ثم أبعدها عنه قليلًا ناظرًا إلى عينيها الخضراوين وهو يقول:
لن يموت الأمل في قلب محب ولن يعود الصفاء إلا بصدق ما يحتويه تلك المضغة التي تنبض خلف أضلعك..
***
تمت،،،
إرسال تعليق
0 تعليقات