الكاتبة المغربية "نسيبة شباط" تكتب: قدري بلا لون!


يوسف إفتح الباب.
ذاهبة تلك الصرخة في مهب الريح
يا صديقي!  هذه أنا آية افتح الباب وأخرج من سجنك
يوم 6 أكتوبر 2011
فاس
آية عمرها يحبو الى 17 سنة وهي رفيقة درب يوسف تجمعهم علاقة أخوة وصداقة خيالية.
منذ 10 دقائق وهي تطرق الباب بلا توقف أو فقدان أمل في فتح أعز أصدقائها الباب
افتح هذا الباب وإلا كسرته
بتنورة مكوية بعناية شعر طويل أشقر كلون شمس الغروب واضعة على أنفها نظارات شمسية سوداء اللون متهجمة فقد ظنت أن الأيام كفيلة بلملمه جروحه لكنها زادت بحالته من الأحسن إلى الأسوء،فخلال الشهور الأربعة الأخيرة لم يغادر   منزله متأثرا كل التأثر بما حدث له.
يوسف شاب في 18 من عمره فقد والديه منذ سنة واحدة،فإضطر إلى العمل و الدراسة في آن واحد، لكن مع كل ذلك العذاب حاز على نقطة هائلة في البكالوريا، إذ كان مجدا و محبا من طرف جميع الناس رغم فقره و عيشه في بيت متواضع لوحده كان لديه سوى صديقين آية و أيمن. ذات يوم أرسل الفقير طلب دراسة في أحد مدارس التعليم العالي للهندسة لكن المأساة أن رغم نقطته الهائلة والمشرفة تم رفض طلبه.
فتحطمت كل آماله وجلس سائلا نفسه: هل قدري بلا لون؟
ألتمس منك ذلك مجددا دعني أدخل....
كانت آية تأتي كل مساء تنقر ذاك الباب الخشبي الهش ذون أي رد.
لم يبقى وقت للمماطلة. قالت آية صارخة
حسنا! كما تريد. فأعادت الكرة مهددة رامية نظاراتها على الأرض مكلمة أيمن
أيمن، عليك الحضور الآن لبيت بلال.
ماذا بك ؟؟؟ قال خائفا.
أرجوك حاول فتح هذا الباب بسرعة !!! ردت وشفتاها في ارتجاف من شدة القلق.
رمى أيمن بحقيبته كان الشارع يغفو تحت الشمس الذهبية لوصول الخريف، خاليا من الناس المحشرين في بيوتهم كأسماك السردين.
وبعد إدراكهم أن المجال مفتوح، شرع أيمن في العمل بدأ يدفع الباب بكل قوة حتى كسر مقبضها.
قالت آية وهي تلج البيت رفقة أيمن.
  هل لنا الحق في حمايته من نفسه ؟؟
كان البيت مغمورا بالعتمة، تفوح منه رائحة العطن هادئا في صمت مريب. أطنان من الأواني متراكمة في المطبخ أما الصالون فلقد كان مخربا كما لو أنه تعرض للغزو.
يوسف منكمش فوق سريره في حالة يرثى لها منفوش الشعر شاحب الوجه.
انهض! صرخ أيمن بلا رد .
دنت من سريره العديد من الأدوية، فبدأ الشك يسيطر على تفكير آية.
  ظنوا أنه نائم، فبدأ أيمن بحدر يتفحص ملصقاتها.
أور اسلين، دول وفون إنه خليط جهنمي من الأدوية.
  يا الله، إنه خليط قاتل. قالت الفتاة ويديها ترتعشان.
أمسكت بيد بلال محاولة تحريكه كي يستيقظ. يا للمصيبة إنه لا يتنفس ماذا به؟
الساعة 7:00 مساءً.
رواق مستشفى محمد الخامس. أمام غرفة العمليات.
ماذا بهم؟ لقد مرت ساعة ونصف وليس هناك أي استفسار عن حالة صديقنا. نهضت آية قائلة.
  لحسن الحظ أسعفناه في اللحظة الأخيرة لقد حاول الانتحار بتناوله لتلك الخليط الخطير والقاتل الذي انعكس عليه سلبا مما أدي إلى إصابته بشلل نصفي أما الآن يمكنكم الدخول لرأيته. قال الطبيب وهو في قمة الحزن
  ماذا أفعل هنا؟ غمغم المريض ...
لقد فتح عيناه! يوسف يا صديقي لقد مرت شهور وأنت مسجون في تلك المنزل من فرط المسكنات. رد أيمن
اسمعوا! هاته مشكلتي وأنا أعلنت عن هذا سابقا والآن من فضلكم ارحلوا. قال والدموع تتساقط من عينيه.
لا يا يوسف! مشاكلك هي مشاكلنا فأنا أظن أن هذه هي الصداقة أو أنا لست على صواب في نظرك؟ ردت آية.
صرخ يوسف محاولا النهوض. لماذا لا يمكنني الشعور بقدمي ماذا يحصل أخبروني؟
سامحني يا رفيق دربي لكن شاءت الأقدار أن تصبحت مشلول القدمين. رد الصديق ونظرات الحزن تغطي وجهه.
الساعة 12 صباحا، 13 أكتوبر 2011
منزل يوسف.
على شرفة المنزل جالس بلال على كرسيه المتحرك وبيده كأس قهوة ينفر دخان محرق من شدة السخونة، يخمم في مستقبله الذي ضاع أمام عينيه وليس بيده حيلة. بدأ يتصفح ذاك الكتاب العجيب الذي فيه أحلى أيام حياته رفقة والديه رحمهما الله. انها صور طفولته يرى تلك الأعين الصغيرة التي كانت مليئة بالأمل والأحلام، فبدأ يبكي قائلا:"يا حصرتي يا الله على حلم تحطم في ثانية الدقيقة، وعلى أيام مرت من حياتي كسرعة البرق، ها أنا ذا الآن مشلول القدمين، تلك الشهادة التي فنيت عمري لنيلها سأحرقها الآن كي تصبح من الماضي فلقد أصبحت ذون فائدة"
  19 يناير 2015
مرت 4 سنوات ولا يزال ذاك المسكين فوق الكرسي الصبور وحيدا في بيته الصفير تأتي لزيارته في كل حين آية للاطمئنان على صحته وتلبية احتياجاته.
كل ليلة يجلس في مكتبه محركا ذاك القلم كاتبا كلمات على أسطر متداخلة فيما بينها، حاكيا عن حياته، مأساته، ومعاناته مع مجتمع لا يرحم ذوي الاحتياجات الخاصة فكلما ذهب بكرسيه يتجول في الشارع رأى تلك النظرة السيئة في أعين المارة " ما ذنبي، نعم فعلا لقد تسرعت لكنني كنت فاقدا الأمل في الحياة، هل أستحق هذا التعامل السيء؟

إرسال تعليق

0 تعليقات