«رائحة الشتاء» خاطرة للكاتب المصري: رمضان سلمي برقي
في شتاء قريتي؛ تسطلني رائحة الحقول بعد انقطاع ضروع السماء من زخّات المطر؛ وتخلبني رائحة الطرقات الترابية الليّنة منسربة إلى أعماق دواخلي المشوّشة، أما رائحة جدران الطوب النيء، فتداعب ذكريات طفولتي الكامنة بتلافيف عقلي لأبتسم شاردًا. فوق ربوة تطل على حقول القرية؛ أتأمّل محاولات الشمس الفاشلة تارة والناجحة تارة للإشراق من بين فُرج السحاب في صمت، لا تتخلّله سوى زقزقات الزرازير، وتحليقات أبا القردان وهبوطه لاقتناص رزقه من الأرض، وانتشار الفراشات الملوّنة بحثًا عن زهور اغتسلت وانتظرتها.
السحابات الفضيّة ظلالها تمر على الحقول مبتسمة؛ فأبادلها الابتسام، فتغار الريح منها فتداعب وجهي وجلبابي.
النخلات السامقات، وشجرات النبق العتيقات، يستحمون بمطر السماء، ويشكرونها بلون أخضر أزيلت عنه غُبرة الفصول الغابرة.
***
في المدينة؛ يجذبني الصمت؛ كل شيء يتحدّث في صمت، رائحة الطرقات تتحدّث في صمت، المباني العتيقة يغسلها المطر، فتزهوا في صمت ثرثار.
السيارات، الثياب، الأقدام؛ تحتفل بطرقها لمطر الشتاء.
كل شيء في الشتاء له رائحة، حتى الاشتياق، الحنين له رائحة صاخبة في صمت، لا تتوانى عن مُداعبة وجداننا المُصمت المُسخن من كثرة الانكسارات.
طوّاق كل شيء فينا شتاءً إلى الحب!
برد الأجساد؛ يقابله برد الوجدان؛ برد القلوب، برد المشاعر.
كل برد فينا طوّاق للدفء.
وحده الحب؛ قادرًا على إرضاء الجميع.
إرسال تعليق
0 تعليقات