زوجتي هادئة| قصة قصيرة للقاصة المصرية: شيرين عبدالفتاح
زوجتي هادئة للحد الذي يثير جنوني .أو - لنقل أنها أصبحت كذلك - ....هادئة لدرجة مرعبة ....لدرجة تمارس معها الصمت علي أغلب تساؤلاتي ...
ذات يوم طلبت منها أن تعد لي كوباً من الشاي ، وعقبت "أريده شاياً يوزن الدماغ " ....لم تتأخر ..وما كانت إلا دقائق ووضعت أمامي الكوب ، نظرت له ، ثم لها ومن ثم قلت .." أوتحسبين هذا شاياً؟!.....هذا أقل ما يُقال عنه ماء عكر ..." ....وبعصبية مفرطة زدت " ولن أقول أنه ماء محلي لأنني لن اتذوقه.. لو كنتِ تظنين أنني سأفعل! .....هيا أعدي لي آخر غيره "
نظرت لي بهدوء شديد وكأنها تقول هل انتهيت ؟!
أمام صمتها تساءلت مغتاظا :
" ألا يوجد عندنا شاي ؟!
لماذا لا تُجيبين ؟!
لماذا لم تضعي فيه شاياً أكثر ؟!
ألم تتعلمي كيف تعدين كوب شاي؟!
هل أكلت القطة لسانك ؟!
توقعت سيلاً من التبريرات أو حتي سيلاًَ من الشتائم ولو أنها لم تفعلها من قبل ، ولكنها اكتفت بنظرة حادة ثم حملت رضيعها الذي وضعته قبل قليل علي السجادة ، وجلست جواري بكل هدوء لتطعمه ...
ههم يا جمل ....مين حبيب ماماااااااااي .
من المعقول أن أنسي الأمر ؛ فمن غير المعقول أن أتشاجر علي كوب شاي لا يحوي الشاي !
ورحت أوآسي نفسي بإشفاق لا يخلو من الحماقة ..."عاطفة الأمومة تعمي الأم عن كل الأهوال ... فمثلاً لو حدث زازالاً الآن لن يفوت زوجتي تجهيز ببرونة حليب رضيعها قبل أن تهرب ....فما بالك بصوت صراخه الذي زلزل الاركان وما اعتمله في قلبها !" .....ولكن الطفل كان هادئا ولم يصرخ قط !!!!
ولمن يقول أن الموقف عادي وأنني أبالغ ....أصغِ لهذا الموقف الذي حدث قبل شهر واحد:
كنت احتسي شاي العصر كعادتي وأنا أطالع كتاب جديد ...ما لم تعلمه عني أنني قارئ نهم ...صراخ طفلي البالغ من العمر خمسة سنوات مع إبنتي ذات السبع أعوام ،جعلني أترك الصالة متجها إلي الشرفة ؛ إن لم تكن تعلم القراءة تحتاج الهدوء ومستقبلات الإدراك لدي القارئ شديدة الحساسية لدرجة تنتفض معها أفكاره ، فيثور إذا ما تداخل عالمه بعالم الكلمات ......انتفضت أفكاري ورحت أصرخ فيهم " تباً لكم ..اللعنة ! " ....ولو كنت أعلم أنني بهذا أخيفهم ما كنت لأصرخ مطلقاً ؛ بدأ الأوغاد نحيبا ً غير معهود حتي لأنني فزعت معهم....قلقت عليهم ....تعصبت منهم ورحت أصرخ في أم العيال ......
"اكتمي أنفاس هؤلاء الأوغاد....الكتاب مفيد ولا أريد أن يضيع وقت قرأته هباءً ...وضفت بقرف ....أريد التركيز ...داهية تاخدكم "
جاءت من المطبخ تهرول علي صوت صراخي ، نظرت لي لبرهة بعينين حادتين ثم قالت _ دون أن تستفسر عن الأمر _ وهي تضغط علي كل حرف..." من دقائق ذبحت فرخة ...واردفت بقرف.... للتو أنتهيت من تقطيعها وتعبئتها في الأكياس "
لوهلة يُخيل لك أنها خائفة ..تبرر انشغالها عن اسكاتهم لتمتص غضبي...ولكن حقيقة الأمر_والتي ما كانت لتخفي حتي علي طفلي الرضيع _ أنها كانت تهدد...تهددني بالقتل بطريقة غير مباشرة !
وهذا ليس طبيعيا لو كنت تظن ذلك !
ولأن الأمر بدا مريباً ، رحت أفكر... تري ما بها زوجتي ؟!....ما الذي يجعلها تتجاهلني وإن لم تفعل فيكون التهديد ؟!
حقاً لا أعرف !
لقد أحضرت لها جميع المستلزمات ....أعطيتها النقود التي طلبت .......جلبت لها هدية لعيد الحب وأخري لعيد الزواج، ولم أنس تورتة عيد الميلاد......
حينما استيقظت صباحاً قلت لها صباح الورد ....وأحبك حينما عدت من العمل ....وتصبحين علي جنة قبل أن أنام ....حتي أنني لم أنس رسالة الغرام الصباحية ........ولم يفوتني أن أقول لها سلمت يداك بعد كل عمل ولو كان صغيراً!
كما تري لم أنس أي من مفاتيح سعادة المرأة ..كما أنني فعلت كل شئ كما اعتدت ، وبالطريقة التي حددتها هي !.....لا أعرف حقاً ما الذي يثير عصبيتها لهذا الحد الذي لا تقوي معه حتي علي الصراخ!
ظللت أتخبط في أفكاري لمدة أسبوعين ...أسبوعين وأنا خائف ...مرتعب ....لا يعرف النوم إلي عينيّ طريقاً .
لا بد من الخلاص ...لابد من الحل ...لابد ان أقرأ عن المرأة!
ورحت اقرأ عن كيف تفهم المرأة فاصطدمت باقتباس لأجاثا كرستي " الحمد لله انني إمرأه كي لا أضطر للزواج من إمرأة والعيش معها تحت سقف واحد !"
هنا تأكدت أن ما افعله لا جدوي منه....أن أفعال زوجتي غريبة ....أنني لا أبالغ ....وأنني محق!
وما حدث منذ أيام خير ما يؤكد ذلك .....
كنا في جلسة عائلية أمام التلفاز ...إلا أن زوجتي كانت في المطبخ تعد طعام العشاء . وعلي صوت ضحكاتنا انضمت لتشاركنا اللحظة ولو لدقائق ...فقط حتي تنهي إعداد طبق السلطة كما قالت .
ما إن رأيتها حتي صحت..." آااه...عصير المانجو !...أحضريه قبل أن يتجمد ..بسرعة ! "...ولتصبح الأمور أكثر اتضاحاَ...أقول لك أنني كنت قد وضعت كوب العصير الذي أعدته لي زوجتي قبل قليل في الثلاجة .
وضعته علي عجالة أمامي ، ثم ألتفت واتجهت نحو مقعدها هنا هتفت..... ..." زوجتي الحلوة !.......ناوليني طبق المكسرات"
لأنه كان علي الطاولة بينما كنت أنا متكأ علي الأريكة.
المكسرات تسالي رائعة إضافة لكونها مفيدة . ولكن يُعيبها شئ واحد ؛ أنها تسبب العطش .
"أنا عطشان ...عطشااان ...أريد الماء "...تفوهت بها ...ولان زوجتي لم تنتبه كعادتها ، وجهت نظري إليها وقلت في جفاف ونفاذ صبر ..." أنا عطشان ...احضري الماء "
هنا سمعت صراخاً قويا ...صراخ يتمزق له القلب .....ليس كما اعتقدت! ...لم تكن زوجتي من صرخت بل كان إبني ذو الخمس سنوات ....كان يصرخ ويرتعش ...يده ملطخة بالدماء ...و...كان يشير إلي رجله ....الدم يسيل منها بغزارة ....هناك سكينه مغروسه في فخذه الايمن ! ....نفسها السكينة التي كانت في يد زوجتي قبل قليل !
ماذا حدث ؟!....في اضطراب قلتها وأنا أسرع إليه ، ولكنه كان خائف...يرتعش ...يبكي ويصرخ فلم يجب ....نظرت لزوجتي التي لم تبدِ أي خوف وصرخت فيها ..." ماذا حدث ؟!"
ولكنها لم تجب واكتفت بنظرات مستفزة فيما معناها " انت السبب " ...أمام لا مبالاتها صرخت فيها "احضري فوطة لأضمد بها الجرح كي لا ينزف " ...ولكنها كانت هادئة ...هادئة جداً ...هادئة لدرجة أثارت جنوني ...هادئة لدرجة أنها ألقت إليّ الفوطة دون إكتراث ثم ذهبت من حيث جاءت .
حملت صغيري ، وأسرعت به إلي المستشفى...وبعد عمل اللازم عدت للمنزل ...فوجدتها تجلس في هدوء أمام التلفاز...
"هل أنت بخير يا حبيبي "....قالتها في فتور لأبنها حينما أنتبهت لنا ....؛ لا خوف ....لا لهفة ....لا عشاء !...أين العشاء؟!!
ردت ببرود ..."قررت عدم إنهائه" ، ثم همت لتنام.
ولك أن تتخيل ..لا طمأنينة . ..لا نوم ....لا عشاء ...ناهيك عن التفكير القاتل في أفعالها المريبة !
ولكن إلي متى ؟!.......قررت أن أواجهها .
قررت ..وحان التنفيذ ..انسلت الشمس باشعتها الذهبية إلي الغرفة فأستيقظت زوجتي كعادتها ...ما لا تعرفه عنها ، أنها نشيطة جداً ، ودائما ما تستيقظ قبل ذهابي للعمل وتعد لي الفطور ...بهدوء قلت لها :
ما الذي حدث بالضبط ليلية أمس ؟!...كيف أُصيب عمر ؟!.
نظرت لي ومن ثم ابتسمت وقالت : ...لحظة سيكون الفطور جاهزاً ...قلت لها في ضيق : ..ولكنني ساتغيب اليوم . ...أريد أن أفهم !
لم تكترث لي ، ونهضت من الفراش إلي المطبخ وبعد دقائق عادت بألذ وجبة إفطار ثم قالت لي بحماس ...هيا شاركني الطعام.........ولم تنتظر جوابي وبدأت تأكل بنهم !
انهي كل منا إفطاره ....ورحت أفكر في أفعالها المريبة تلك ...بينما راحت هي تستعد لغسل الملابس...قلت لها وهي علي وشك الخروج من الغرفة وبيدها سلة مليئة بالملابس المتسخة ....حبيبتي خذي معك قميصي ذو اللون الوردي ....فعلت ما طلبت ، وقبل أن تغادر تذكرت أمر منامتي ، فقلت لها ومنامتي أيضاً... أريد أن تعيدي غسلها....عادت وهي لا تزال تحمل فى يدها ذات السلة إضافة لقميصي الوردي ، وفتحت الدولاب وأخرجت منه منامتي....وبعد أن كادت تخرج من باب حجرتنا هتفت ...انتظري! ...تعالِ وخذي قميصي الابيض ليصبح أكثر بياضاً فبعد غد لدي إجتماع مهم ، ولا تنسي أن تجهيز لي البذلة الكحلية وأيضا ال .....هنا تفاجأت بها تلقي منامتي علي الأرض وكذا قميصي الوردي ، وبدأت تغني في فتور دون أن تنتبه لي..
" ذهب الليل ..طلع الفجر ..والعصفور صوصو......" وبهدوء خرجت من الغرفة لتغسل ما يخصها من ملابس !!
لم أتمالك نفسي أمام صنيعها ، ورحت أصرخ فيها وأنا ألوي ذراعها ....
_"أود أن أفهم .....كل شئ ..والآن .....كيف أُصيب عمر ؟! !"
_دعني أنهي ما قد بدأته .
_لماذا يكون الصمت إجابة لمعظم تساؤلاتي ؟!
قالت بقرف ، وهي تخلص نفسها من قبضتي:
_لأنها مستفزة .
_لو كنت مستفز ...فأنتِ صاحبة أفعال مريبة!
لمَ تتتصرفين بغرابة ؟!..لمَ تتجاهليني أغلب الأوقات؟! ....لمَ غرست السكين في عمر ؟!....لمَ ألقيت ملابسي علي الأرض ؟!
تساءلت باشمئزاز وهي تنظر في عينيّ :
_هيه ! ....أحقاً لا تعرف أنك السبب في كل هذا ؟!!
قرأت سابقاً أن النساء لا يحببن وضع المواجهة ؛ فيتهربن منه ، ولا مانع عندهن من إلصاق اخطائهن بك ...؛ لهذا اقتربت منها ...ضممتها إليّ ....ثم قلت لها في حنان :
_انتِ زوجتي التي أحبها ....وإن كنت أنا السبب كما تقولين ، أوضحي لي ، كي أكف عن استفزازك .
نظرت لي بعينين دامعتين...فابتسمت لها بحنان ، مما جعلها تتوسد صدري لتخفي عني بكائها، فمشيت بها ، وأتخذنا من الأريكة مقعداً....جففت دموعها بيدييّ، ومن ثم نظرت في عينيها وقلت ....أنا أحبك ....لا تبكِ....أحكي لي كما تري الأمر، وأعدك سأتدخل فقط لأفهم ...وأستدركت بإبتسامة وانا أرفع سبابتي في وجهها ....حينها لا لوم إذا كانت أسألتي مستفزة !...
_حسناً ساحكي .
قطعت بها ضحك كنا بالفعل قد غرقنا فيه ....ثم راحت تحكي ورحت أصغي لكل حرف .
أنت تستفزني ..دائماً ما تفعل ....أحاول دائما ألا أترك لك طلب دون إجابة ...ولكنك وقح لا تقدر ...أجيب الاول فتطمع في الثاني ، وتؤمر في الثالث ، وتسخط في الرابع ، ولا مانع من طلب عشرون طلب في ذات الثانية ...
تتمادي فيَمل رجائي ....يتوجع قلبي ....يتعصب فكري ....يثور كلي ...ثم أتجاهل ولا أصرخ ..أكتم ولا أُفصح ....أحاول أن أكون باردة كي لا أحترق ...كي لا أوجعك ....كي لا أؤذيك ...كي أحميك من شر نفسي .
ولكنك ثور ...تهاجم ولا تشعر ....تجرح ولا تحس ...تقتل وأنت تضحك .....في اليوم الواحد أموت علي يديك مئات المرات ..كيف تطلب مني أن أناولك الماء إن كان بإمكانك أن تجلبه لنفسك ؟!.....دعك من المقارنة بين الرجل والمرأة ...أنا لا أقارن . ..أنا فقط أتعجب كوني منشغلة في أمور تخصك ثم تزيد الأمر سوءً بمطالب يستطيع الطفل أن يفعلها لنفسه !....ألا تنحرج من نفسك وانت تسألني أن أعيد عمل كوب شاى بينما تسألني إنجاز مطالب أخري في ذات الوقت ؟!
حبيبتي ! ....اعدي لي كوب شاي ...حاضر ...أذهب لأعد الشاي وقبل أن انهيه تطلب الماء ...اذهب لاحضره لك ...فتطلب مني أن أرتب الشرفة حالاً لانك تود أن تحستي الشاي فيها...فأقول لك حاضر ...اجلب الشاي وحينما أهم بترتيب الشرفة ، تطلب مني أن أعد لك الكعكة التي تحبها كي تأكلها مع كوب الشاي! .....ارحم نفسك قليلاً وارحمني ، أنا لست إمرأة حديدية ....ثم أنني لا أمانع تنفيذ طلباتك تلك ، ولكنك تتبع أسلوب غبي مستفز .....قل لي ...كيف ستأكل الكيك مع كوب الشاي وأنا لم أعدها بعد ؟!.....المشكلة أنك تنتظر التنفيذ وحسب ولا تحاول ان تفهم ! ....تنتظر وقد تلومني ...فأتجاهلك كي تفهم ..ولكنك خرتيت أرنع ...لا يفهم !
عندما أذهب للنوم ...حبيبتي هل بإمكانك عمل كوب عصير لي ...فأقوم من فراشي لأعد لك كوب العصير ...فتتمادي في طلبات أخرى تافهة مثلك ،تجعلني أندم أنني تركت نومي وأعرتك إهتمامي ....أنت أناني فوق كونك تتمادي.....ألا يحق لي أن انام ؟!...ألا يحق لك أن تخدم نفسك في حال كنت منشغلة .......تباً لك أيها الوغد ...تظنني الخادمة التي جلبتها لك أمك ؟!!
كما تري بنكدها انتزعت اللحظة الرومانسية ...لا.. ليست نكدية ...هي تحكي ما يؤلمها مني وأنا من أصررت!
ثم صمتت ونظرت لي نظرة عطف لا تخلو من الانتقام ..نظرة تشبة تلك التي ينظرها المحارب لعدوه الذي كان صديقه يوماً ثم قالت ...
أعلم أنك لا تصدق ما تسمع ....ولتعلم أنني ما كنت أريد أن أقول كل هذا لأحميك من شر نفسي كما أخبرتك ؛ ولكنك أصررت ....ثم سرعان ما فّجرت مدفع لسانها فىّ وقالت ....لو كنت تظن أنني أنهيت أدوارك البطولية فأقول لك أن ما فعلته طوال سبع سنوات عجاف لا يُحصي ويسرد في جِلسة واحدة ....ولو كنت تحسب أنني أنتهيت فقد أخطأت .و........
أمام ذهولي تساءلت وهي تنظر في عينيّ بإشمئزاز وتحدِ :
طبعاً تتساءل ما الذي جد بعد سبع سنوات لأثور؟!!!...
استدركت وهي تصّوب نظرها بعيداً عنى ً:
ببساطة ... ما عدت قادرة علي الاحتمال ....ومع الوقت كنت سأتلاشك تماماً وكأنك لم تكن ؛ لا أنفذ لك حتي أبسط المطالب ..وهذا رد فعل لا إرادي طبيعي في مثل تلك الحالة ...ولكنك تحدثت إليّ وأصررت أن تفهم ،فآمل أن نجد الحل .
"فآمل أن نجد الحل " ..قالتها بصدق حتي أنني شعرت بصدقها... تأثرت بها ، هذا يعني أنها لازالت تحبني ...لازالت تود إكمال حياتها معي ...فقلت لها وانا بالكاد اُخرج الحروف من فيِ ، من فرط ما ألحقته بي من آذيه:
_قد تكون طلباتي مستفزة وأسلوبي أكثر استفزازاً....ولكنني دائماً ما أشكرك حتي علي أبسط فعل تقديمنه لي ....ألم يغفر لي ذلك شئ ؟!.
ردت بثقة :
..هيه!...لو لم تفعل ذلك ....لَمت منذ سنوات! ....ماذا تقول أنت ؟!
أفعالك المستفزة دفعتني كثيراً لأقتلك ، أو أتخلص منك ، ولكن تقديرك هذا الذي( أقل ما اقول عنه أنه تقدير علي ورق) ، كان يغفر لك فأعدل عن قراري .
شكراً ...سلمت يداك ....أحبك ....تكرملي عيونك
...روح قلبي .....شكراً ياروحي ....لك بحبك ....يسلمو ....يا قلبي .....اعتدهم جميعاً من كثرة أنني أسمعهم منك خمسة آلاف مرة في الساعة الواحدة حتي لأنني أصبحت أتلاشي سماعهم!
محقة ....ما نعتاد عليه نتعامل معه وكأنه غير موجود .
بعد محاولة لإستدراك الأمر قلت لها في ذعر :
_هل ستجعلينني أخدم نفسي ؟!.....حتي غسل ملابسي !!!
هنا جاء أبننا عمر يعرج ، فنظرت له زوجتي بإشفاق ...هرولت إليه ...ضمته إليها في تأثر ثم أخذته إلي غرفته وناولته الدواء بعدما أنهي فطوره وتركته ينام بعدما غيبتّه من المدرسة .
خرجت من عنده بعينين مبللتين بالدموع ثم قالت والحزن قد كسا وجهها وكأنها تعتذر :
_لم أدرِ بنفسي عندما ألقيت السكينة بعيداً بعدما استفززتني بطلباتك المتلاحقة ليلية أمس .
وزادت بصوت مرتعش يغلبه البكاء :
أرجوك !....ساعدني ألا أفعلها ثانية !
ثم بكت ....بكت كأنها طفلة فقدت مصدر أمانها ، فضممتها إليّ محاولاً التخفيف عنها ....كانت محقة إذاً....أنا السبب !...لا ذنب لها فيما حدث !...قلت بإشفاق وأنا أربت علي ظهرها :
_ساساعدك ....أعدك سأفعل .
وبعدما هدأت أخذنا نتشاور في الأمر .
قالت : كتمت سبع سنوات ثم انفجرت .....لا تتركني أنفجر ثانيةَ !!
لكم أعجبتني طريقتها الطفولية تلك ، وكذا نظرة البراءة في عينيها ...بعد تفكير قلت لها:
_لا تخافي لن أتركك تنفجرين .....ولنحقق ذلك نحن بحاجة لأن يسمع أحدنا الآخر .....اقصد أن أستمع إليكِ من وقت لآخر .
فأومات مؤكدة ثم قالت وهي تضحك : أشكوك منك إليك!
ضحكت لضحكتها الرقيقة ثم قلت بنبرة تمثيلية :
سأكون خير قاضٍ ....سانصفك سيدتي .
مممم.....ماذا لو اتفقنا أن يكون يوم الجمعة موعدنا لتقولين لي فيه كل ما أزعجك مني فيما سبقه من أيام؟
راق لها الأمر فأبتسمت وقبل أن تجيب قلت لها :
ولو أني أفضل عدم التأجيل ...أفضل لو تخبريني حالما أزعجتك ....لا أريدك أن تكتمي شيئاً داخلك .......أريدك ان تقولي ....تحكي ....تصرخي!
كما تري كان يوماً عصيباً ولكنه كان بمثابة نفس الأكسجين الذي ينقذ حياة من كادت أن تتوقف رئتاه عن العمل .
منذ ذلك اليوم لم تعد زوجتي تكتم شيئاً في نفسها ...لم تعد هادئة ....لم تعد صامتة....لم تعد مريبة ....أصبحت تصرخ.
تصرخ فتهدأ ثم تتحدث إليّ في حب .
تصرخ فتتخلص من أفكارها السلبية .
تصرخ فتنسي ولا تحمل شيئاً تجاهي.
تصرخ .............................فأطمئن.
من الغريب أن أقول لك أن صوت صراخها أصبح مصدر الأمان بالنسبة لي.
أصبحت مطمئن ...لا خوف .....لا مشاكل ...لا إزعاج !!
؛طالما تصرخ زوجتك فهذا يعني أنك في أمان ...يعني أنك بخير !
بعد هذا اليوم أصبحت أحيا بسلام ولأؤكد لك ذلك، أصغ لهذا الموقف :
لا أعرف ماذا فعلت بالضبط ولكن ما اعرفه أن ما فعلته استفز زوجتي فصرخت ، ولأوضح لك ما غاب عنك ؛ زوجتي عندما كانت تصرخ لم تكن تصرخ فيّ أنا . ...بل كانت تصرخ في الهواء الطلق ولكن طبعاً أنا المقصود .
كانت تصرخ في مصدر أقل مني قوة ...مثلاً كالقطة التي فجأة رغم هدوءها تصبح مزعجة ولابد من التخلص منها ، فتطردها زوجتي من المنزل .
أو كالفازا التي رغم جمالها تكسرها زوجتي دون تردد.
لنعود لموضوعنا
صرخت زوجتي ، وهذا أصبح أمرا ً عادياً بالنسبة لي ، ولكن ما لم يكن عادياً أنها جاءتني بعدها بقليل وكان الضيق بادياً عليها وقالت بحزن:
_حبيبي ...اعذرني....لا تحزن مني أرجوك .....أنا حزينة جداً من نفسي لو تعلم وأتمني أن تغفر لي .
قلت وأنا أستغل الموقف لصالحي:
_أنا أحبك...لهذا لم أحزن منك ...هذا غير أنني أعذرك وأقدّر مجهوداتك من أجلي وأجل أبنائي .
حينها دمعت عيناها وقالت كالطفلة ...لن أنسي لك هذا ما حييت.....أحبك كثيراً .
** تمت **
كما تري من الجميل أن تشكوك زوجتك لنفسك ، والأجمل أن تعتذر لك دون سبب يُذكر ...سياسة الأمور فعلت كل هذا !
النساء لسن غامضات ، معقدات الفهم كما نعتقد ....
هن أرق المخلوقات .بعد الذي قرأته، هل تستطيع أن تنكر ؟!
#شيرين_عبد_الفتاح.
#زوجتي_هادئة.
إرسال تعليق
0 تعليقات