روحي معه| قصة قصيرة للكاتبة الجزائرية: نور محمد
..كانت تسبقني بخطوات و أنا لا أصدق ماذا أفعل في هذا المكان و كيف وجدتني معها...نمشي في طريقنا إلى وجهة ما..
أما هو، فقد كنت التفت للخلف أنظر إليه إذا به يتأمل المشهد بكبرياء و رجولة، لم يكن قلقا، عكسي تماما..كان ينظر إلينا هادئا كهدوء بحر عميق يبدو من بعيد سطح أرض يطفو عليه بريق رهيب ...
هل راقه المنظر حقا؟ أم لا حيلة له أيضا في وجودي هنا؟
لا أستوعب شيئا! سوى أننا نمشي كلنا في طريق واحد.
اقتربت مني المرأة و قالت بصوت لا يعرف الهزل و المداعبة:
أنت تضطريننا لمأزق غير يسير و مشكل كبير!
نظرت إليها أرتعد خوفا لا أفهم ما الذي تقصده؟
أردفت قبل أن أتفوه بكلمة:
ماذا لو أوقفنا الأمن هنا؟ ماذا ستقولين لهم؟
من أنت بالنسبة لنا؟
أحسست أن نبضات قلبي ستتوقف، نظرت إلى يدي..فارغتين لا حافظة لبطاقاتي الخاصة تصاحبني و تخيلت لو أغمي علي من شدة الهلع إن حصل فعلا ما فكرت فيه المرأة، ما الذي سأقوله؟
هل سيقول هو شيء عني؟ هل سيدافع عني و يجد لي مبررا لتواجدي بينهما ؟
ساغادر بصمت و دون انتظار ثانية و احدة، لا مجال للرد عليها.
كان المكان خاليا إلا منا نحن، المرأة تمسك بيد ابنتها و باليد الأخرى ولدها الصغير، طريق طويل..ظلمة يراقصها شيء من ضوء القمر الباهت، صمت و سكون يحوم حولنا عجيب.
من حقها أن تنزعج مني، أن تقلق؛ مالذي جاء بي إليهما؟
هو زوجها مهما كان بينهما من أزمات..
كان علي أن أعود من حيث أتيت .
فقد كنت دوما امرأة واقعية مسالمة
صحيح أنني حزنت جدا لموقفي المحرج
لابتعادي عنه فجأة.
لكنني عزمت فورا على العودة. دون نقاش...وماذا كنت سأقول؟
ها أنا عند محطة النقل العامة.
المكان مزدحم، وأنا لا أحب الزحام و لا دراية لي بكل هذه الوجهات هنا، الوقت أيضا مظلم أكثر، عيون المارة عيون ذئاب أكثرها! لا تغفل عن امرأة وحيدة تبدو عليها الحيرة و يأكلها التوتر أكل جائع منذ أيام..
أحسست بيده فجأة على كتفي !
إلتفت إليه متعجبة من حاله،
أين ترك امرأته و ولديه ؟ لم أكن لأتسبب له بأي قلق أو مشاكل، لست أنا من تمسه بأدنى عذاب..
وجدته ينظر إليهم في مكان مقابل لنا قائلا لي:
هل كنت لأتركك تعودين وحدك وسط هذه الوجوه الموحشة؟
كانت نظراته لا تفارق ملامح وجهي الذابل..
كل شيء كان يدفعني إليه دفعا ! هل هو حقا أمامي ..لكن جملة زوجته تصدني صدا و أنا أصدقها و أوافقها
ماذا أنا بالنسبة لهما؟
قلت له هامسة و مازلت أحس بالخوف الشديد و الإستغراب من وجوده معي :
ماذا تفعل هنا؟
قال لي ممسكا بيدي :
هل أستطيع أن أمر من هنا دون أن أراك؟
قلت في نفسي:
لعله كان مسافرا ..لكن أنا ماذا أفعل هنا؟
سأل أكثر من صاحب سيارة أجرة..يبدو أن المتجه لمدينتي لم يصل بعد...
كان معذبا...هكذا كنت أقرأ في عينيه ..كتاب بأسطر مائلة..ناعسة
و أحرف مبهمة ...هاربة منها أكثر المعاني!
يرقب أهله من بعيد و يمسكني لا يريدني أن أبقى هنا غريبة عن هذه الوجوه!
حتى الآن أنا غير مستوعبة ما يجري حولي...أعاد النظر إلى زوجته ..إنها تتوتر أكثر ..انتظرت كثيرا ربما مع الصغيرين.. ترى ماذا قال لها عني قبل أن يلحقني؟
فجأة قال لي:
لا تتحركي من هنا!
الغضب في عينيه مرعب...
قصد امرأته...بقيت أرقبه من بعيد بوجل ...
جرى بينهما حديث و تطاير منه شرر كأنها نار تستعر...غادروا المكان!
و بقيت أنا هنا...وحدي..كالعادة ...أضيع وسط الجموع..وسط الوجوه...سألني أحدهم:
إلى أين تذهبين؟ أشرت له بيدي إلى جماعة من نسوة كبيرة في السن و أسرعت الخطى نحوهن...
غادرني من كان يحيطني أمنا و حماية..
لا وقت لي للإنتظار أكثر...
قالت لي النسوة:
يبدو أننا سنمكث هنا حتى الصباح !
دمعتي أبت إلا أن تؤتسني في مثل هذه الغربة المهلكة...
تنهدت بمرارة...توجعت بشراسة...
صوته يحتضنني من جديد و أنا في أوج الألم:
تعالي جاءت سيارة الأجرة الخاصة بك!
نهظت النسوة يتسابقن...أدخل يده في ذراعي يريدني أن أسرع الخطى ..دفعني قبلهن إلى داخل السيارة!
لا أصدق ما أرى! قبل أن يغلق الباب قلت له و مازالت عيني مبتلة بدموع الأنس:
ماذا فعلت بأهلك؟
نظر إلي كما لم ينظر أحد إلى عيني قائلا:
لا تهتمي بأموري الخاصة..أول ما تطأ قدميك بيتك أعلميني..
كنت أعلم أن الله لن يتركني للتيه و الخذلان... لأنني لم أنو يوما إذاية أحد و لكنها الأقدار تحركنا كيما تشاء...
حاولت أن أبعث له من زجاج السيارة شكري..فرحتي..امتناني لوجوده معي...تملكني شعور بأن أصرخ له :
كم أنت رائع لو تعلم!
لكن شيء ما لامس يدي بدل زجاج النافذة...بارد..صلب...
إنه...هاتفي! أين أنا؟...
فتحت عيني مثقلة.. متعبة...كأنني أسحب بقوة لأفيق و أدرك أنها رؤية انتهت قبل أن أرتوي شوقا و حبا من ملامحه..تفاصيله...شعرت حينها بحزن تعانقه أنامل بهجة خفية ...لقد سافرت روحي إليه و وجدت روحه حقا معي...ولو في حلم قصير..
إنتهت..
إرسال تعليق
0 تعليقات