الكاتبة السورية "ريم المحمد" تكتب: يوم ولادتي

 


أشتد عليها المخاض، وأزداد بطنها ثقلاً،كنت قد أخبرتها بقدومي من قبل بسبب إيقاظي المتعمد لها في الليلتين الماضيتين، وحركتي الكثيرة بداخل جوفها.
اليوم أكمل أسبوعي الثاني من الشهر التاسع لقد تكونت كل أجزائي ولا بد لي أن أخرج.
كنتُ متشوقة بالفعل لأرى تلك المرأة التي حملتني طيلة هذه المدة،وددتُ أن أعتذر لها إن كنت قد أزعجتها ليلة!
شعرَتْ أنه حان الوقت،وسوف آتي بأي ساعة، سمعتُ صوتها تنده على أحدٍ ما، لم أستطع تحديده بالضبط لأني وبمكاني هنا أسمع الأصوات بعيدةٌ جداً، وبالكاد أفهمها، كما وإن من خلال مكوثي كل هذه المدة برحمها علمت أن لي إخوة، لم أعرف كم عددهم ولكني سعدتُ بأن هناك من سوف يشاركني اللعب.
للحظة بدأت تنفد الماء من حولي،تُرى مالذي حصل؟
أسمع أصواتاً كثيرة!
وبدأت أجزائي الصغيرة أيضاً بالحركة بشكلٍ غريب، كنت أشعر وكأنما أحد يشدني نحوه.
الصوت بدأ يعلو ويصبح أوضح شيئاً فشيئاً،وجوهٌ كثيرة،أحسُ بألمٍ في معظم أجزائي، علمت حينها أني خرجت واندفع نحو رئتي شيءٌ غريب جعلني أشهق، أصرخ وأبكي بقوة لم أعهدها من قبل.
أستمريت بالبكاء إلا أن لم أعد أشعر بما حصل بعدها..
بعد برهةٍ؛ تفتحت عيوني بهدوء،رأيت أشياءً عالية وكل ماهو أمامي كبير، أين تلك الماء التي كنت بداخلها، أين ذلك الحبل الذي كان يحيط بي،تذكرت!
أنا خرجت من ذاك المكان،لكن أين تلك المرأة؟
أود أن أراها،أصبحت أحاول أن أبحث عنها بعيني ولكن لا شيء أمامي إلا شيءٌ عالي وبعيد،أزحت برأسي قليلاً للجهةِ الأخرى،وجدت إمرأة مغمضة العينين ووجها رث،وعلى وجنتيها دموع، أنها هي!
أجل عرفتها من رائحة جسدها الجميلة،التي لم تفارقني طيلة تلك الشهور.
أسفة لكنني تقصدت أن أبكي معها،أردت أن إيقظها وأشكرها على معروفها الجميل معي.
وبالفعل نجحت استفاقت من نومها وأبعدت شعرها الناعم المنثدل على وجهي.
أقتربت وقبلتني "أهلاً بكِ ياصغيرتي"
لم يمضي الكثير من الوقت حتى عدت وسمعت أصواتاً أخرى،أحسست بشيٍ أمسك بي ورفع بجسدي للأعلى صوتٌ عريضٌ بعض الشيء،قبلني وأصبح ينطق بعض التمتمات بأذني..ثم وضع وجهي مقابل وجهه الكبير وقال "الحمدالله"
_ الحمدالله على سلامتك يا أم علي،أنظري لها كم هي جميلة، أنظري كم تشبهكي!
يالله..مارأيكِ بأسم ريم؟!
= يليق لها أن تكون ريم!
_هيي! ياصغيرة أيعجبكِ ريم؟أأنتِ موافقة!
لا أعلم مالذي فعلته، لكنه فهم عليِّ أنه أعجبني، وأنني أحببت أختياره..
كان ذاك الرجل أبي،علمت ذلك من قوله" لنذهب ياصغيرتي فأخواتك  في البيت يتوقون لرؤيتك"
طوق جسدي بيده الكبيرة وساعد أمي على النهوض بالأخرى،  لم أهتم بعدها لما قد جرى من أحاديث بطريقنا للبيت كان كل مايهمني أنني سأرى أخوتي،كم أتمنى أن يكونوا قريبين من حجمي لأراهم بوضوح.
وصلنا للبيت ولم أكن لأرى شيء بسبب الغطاء الذي على وجهي..بعد برهة من الأصوات الكثيرة والمتداخلة رأيت نفسي بجوار أمي مرةً أخرى وحولي أوجه صغيرة أظنهم هم!
كانوا سعيدين بقدومي بسبب أصرارهم على حملي ووضعي بأحضانهم، وجدت نفسي أمام وجهٍ جديد يبتسم لي ويقول"أنا علي، أنتظرناكِ طويلاً ياريم، أتعلمين سأدللكِ كثيراً عندما تكبرين"
نظرت له بهفةٍ وأحسستُ بأني أعرفه،أردت أن أعبر له عن مدى سعادتي بلقائنا فأمسكت أصبعه،فهم عليِّ حينها، ورد أعتباري بقبلةٍ صغيرة على يدي.
ثم أنتقلت لوجهٍ أخر كان يشبه الأول بشيءٍ صغير لايُذكر أقترب من أذني وقال"أنا محمد، يا إلهي!
كم يداكِ صغيرة، أنظري ماذا جلبت لكِ!"
كانت دميةً على شكل طفل يتحرك،سعدتُ بها كثيراً.
وأحببت محمداً أيضاً.
وبينما كنت أنظر لعلي ومحمد سمعت أمي تقول"تعالي ياشذى، ألا تريدين أن ترِ أختكِ الصغيرة"
شعرت بفرحة عارمة بأن لدي أختاً مثلي،أي أنني لست البنت الأولى لوالدي.
ولكن عندما لم تأتي لحملي شذى علمتُ أنها  الفتاة المدللة بين أخوتي وعند أبويِّ وتشعر بالغيرة مني، ومن قدومي.
تفاجأت كما أني لم أعرف السبب، وشذى  كانت  تبدو لي فتاةٌ صغيرة تكبرني بتسع سنوات،شعرها أشقر طويل،على عكسي تماماً، رأيتها تنظر لي من بعيد وتبكي،ثم خرجت تركض من الغرفة،مازلت لا أعرف السبب ولا لمَ .
لحق بها أبي ينده عليها..وأنا أنظر لأمي وأحاول أن أفهم السبب.
مرتْ ليالٍ عدة ومازلت بعادتي أن أستيقظ بمنتصف الليل لأزعج كل من هم حولي ويتناوبون على تهدئتي  وتحضير الطعام لي.
بليلة أخرى أستيقظت دونما صوت ولا حركة،أمي نائمة بجانبي ولا شيء لأفعله.
أخرجت يدي الصغيرتين بعد عناءٍ كبير من تحت الغطاء واستكشفت بأنه لدي أصابع، أصبحت ألعب بهم.
ثم سمعت صوت باب الغرفة يفتح رويداً رويداً وبهدوء دخل أحدٌ  منه واقترب من السرير ومني بالذات.
كانت شذى أقتربت مني عانقتني وقبلتني علمت أنها وأخيراً أحبتني من قولها" أسفة لمَ فعلته، أعدكِ بأني سأسرح لكِ شعرك  عندما تكبرين وأجعلكِ ترتدين ثياباً جميلة تماماً مثل لعبتي ياصغيرة"

إرسال تعليق

0 تعليقات