«مجد الأشقر» يكتب: المارد!


ه

لكزني بوق القمقم وأنا في طريقي إلى الشاليه الخاصة بنا المطلّة على شاطئ البحر. على أنني ظننت أنه لعبة من ألعاب الأطفال، وخوّل إليّ أنه ليس حقيقي. إلا أن فضولي الطفولي لم يسمح لي في السير. تكوّرت ابتسامة عفوية رقيقة على ثغري، ولمسني موج من الأفكار. لم أستطع أن أقاوم نفسي. مسكت القمقم. ثم جال نظري فاحصاً لونه وشكله. لم أرى قمقماً حقيقياً في حياتي، وكان خيالي عنه منسوجاً بمسلسلات الأطفال. وقلّبته كالبضاعة في يدي عدة مرات. وتحسست وزنه مستعيناً بحواسي، كما يعاين التاجر مقدار الذهب الذي يحسه من الكيس. استطلعت على نتوءاته جميعها. بدايةً من بوزة الغطاء، مروراً بتكوين حمالة القمقم، ونهايةً بالنتوء الأكبر، ألا وهو نتوء الفم الذي لكزني. الغريب أن القمقم الذي حسبته لعبة أطفال ثقيل بعض الشيء عليهم. كيف لطفلٍ أن يلهو بقمقم يزن كيلو غرام تقريباً. والغريب أن الغطاء محكوم بشدة على القاعدة ومن المستحيل ملئه بالرمال. وهو محكم على القمقم كأنهما صنعا سويةً.

دارت مشاهد كثيرة حول مسلسلات الأطفال التي تحكي قصص غريبة عجيبة. وكنت في خيالي أعيد السيناريوهات واحد تلو الآخر، وأغوص في الخيال. مازال القمقم في يدي. أصحتني من خواطري نسمة من نسمات البحر الباردة. ووقف لها شعر بدني، فمسدتها بيدي الأخرى كيف أخفف من برودتها. ثم خطر في بالي أن أحك القمقم بالطريقة نفسها. من الواضح أيضاً أن خلو الشاطئ من الناس دفعني إلى التصرف بعفوية.

 -ماذا أخسر من تصرفي هذا…لا شيء

قلت في نفسي وحككت القمقم…

 لم يظهر مارد فضحكت إلى مدى سذاجتي.

-كيف لنا نحن البشر أن نتصرًف كالأطفال أحياناً، خاصةً عندما نؤمن بأن ما نفعله سوف يسحرنا.

 اختفت ابتسامة الطفولة الساحرة التي رافقتني للحظات. وصارت نسمات البحر التي كانت لطيفة منذ دقائق، كعواصف الصحراء، تناثرت فيها بهجتي.    

رميت القمقم الرديء في عرض البحر…وتابعت الطريق…

برقت السماء الداكنة خلفي وتفتّح لونها.

هاج قلبي في ضرباته. ووقفت دون التفات. وتسلل الندم دماً إلى عروقي. 

-لعلني أحلم. أو لعلني اهذِ…

قلت في سرّي. 

-شبيك لبيك…مارد الشاطئ بين ايديك

نطق المارد بصوتٍ غليظ وأجش.

تحوّل الحلم في لحظات الفوضى إلى حقيقة. وتراقصت أصوات أوتاره في مسامعي. انتشر الادرينالين في جسمي كالصاعقة. عادت إليّ طفولتي. ثم بانت الحقيقة في وجهي، وسقطت أمامها كل خرافات الحياة وتحوّلت في لحظات من الجنون إلى الوجود.

-أنا مارد الشاطئ…تستطيع أن تدعيني بالمارد

قال 

انعقد لساني من الدهشة، وتشابكت أساريري. حتى أن ثغري انشق مفتوحاً مثل أفلام الكرتون. وسقطت أرضاً على الرمال فلم يعد لقدميّ المقدور الكافي بسبب الأدرينالين. غارزاً أصابعي في الرمال. ازدردت ريقاً حاولت إفرازه قدر المستطاع. استجمعت كل قواي الخائرة وقلت: 

-إذاً أنت المارد. وماذا تريد مني؟

سؤالي في غاية الحماقة، فأنا الذي أريد منه طلباً. ثم أنا الموكّل باستحضاره. راح ظني أنه سوف يختفي، ثم سوف تعود أوهامي في حقيقة وجود هذا النوع من الأمور إطلاقاً. قد يكون للمارد أحاسيس. وقد يشعر بالاستياء من سخريتي الغير مقصودة. فيختفي تحسباً أنني لم أرده أصلاً…

مازال المارد أمامي. ولم تختلف تعابيره. لعله لم يفهم السؤال إطلاقاً. أو كأنه اعتاد على ردة الفعل تلك.

-هل تستطيع تحقيق أمنياتي مهما كانت 

همهمت. 

-أستطيع أن أحقق لك أمنية واحدة. لديك يوم كامل للتفكير. نلتقي غداً هنا في نفس التوقيت… 

ثم اختفى، وعادت حبات الغبار الزرقاء إلى القمقم المرمي في عرض البحر. جلست مدهوشاً مما حصل. عركت عينيّ، علّي حلمت. لم أصدق… -قابلت مارداً، وسوف يحقق لي أمنية…

 وكأنني في تلك العبارة بدأت أنسج ما أريد أن أخيطه. تخبطت أفكاري في بعضها البعض. تجمعت كلّها لحظة في نفس المكان. وتزاحمت في السباق. لم يكن هناك متسع من الوقت للحيرة. الثواني تمر. وعداد الزمن الذي سوف يقلب حياتي يرن.

دارت فكرة في بالي. واتصلت بأمي. 

-مرحبا ماما... 

-نحن بانتظارك بني. العشاء جاهز. رفض والدك أن يباشر في الطعام حتى تأتي…فكم تحتاج من الوقت؟

سألتني

-في خاطري سؤال يا أمي، فما هو أكثر شيء تتمنينه في الحياة…

كان سؤالي صارخاً في غرابته. وفي توقيته أيضاً. ظلت أمي صامتة لردهة من الزمن، غائبة في التفكير. كأن سؤالي ضرب في مسامعها ناقوس الخطر... 

-على أن الأموال أغلب ما يتمناه الجميع. إلا أن الصحة يا أمي لا تشتريها أموال المجرة كلها.

هتفت. 

دار الحديث بعد ذلك روتينياً…أغلقت السماعة وتابعت الطريق

……

تصوبت الأعين اتجاهي عندما فتحت باب الشاليه القابعة في أحد البقع المطلة على البحر. وسرّ أبي لقدومي، وكأنني وصلت من المطار بعد سفر دام سنوات. 

-أهلا وسهلا بابا. حضرت لنا أمك طبقاً شهياً من القريدس المشوي. ومعه الصلصة البحرية التي تحبها. من الصحيح أنه وقت متأخر لعشاء كهذا، إلا أننا في الرحلات لا نحسب ماذا ومتى. وهذا ما يضيف إلى الرحلات نوعاً خاصاً…وشهية مميزة. تماماً كشهيتي الآن لتناول ما على المائدة وما ليس عليها. تفضل يا بني…ما بك؟ هل بك خطب ما…!

استفسر والدي عنيّ

-لا شيء أبي. لا تشغل بالك أكثر من اللازم

بادرت

-ذكرت والدتك مذ برهة على الهاتف موضوع الصحة. قلقت بشأن الحديث. فهلا تزيدني من الشعير قمحاً يا بني…

 فعاودت السؤال الذي طرحته سابقاً على أمي. 

نشأت ابتسامة على شفتيه الغليظتين ثم جال في التفكير. 

-حال الشّباب دائماً في تبدل. راودني سؤالك في صغري آلاف المرات، كثيراً ما بالغت في الفلسفة الفكرية. وأنا مقتنع الآن أن الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء. وهي أهم نعمة وهبها اللّه علينا ونحن له شاكرين على مر الدوام

كانت عبارة والدي جزيلة بأن أفهم فحواها. الإنسان يدرك أهمية الصحة والعمر في سن متأخر من الحياة. ولأنها تصبح محور الحياة لديه. تذهب جميع المخاوف الأخرى. كالخوف من الامتحانات أو من الظلمات. في تقدمه يدرك الموت. ويتعرف أكثر على هيئته. حتى أن قدومه يكون مقبولاً أكثر من السابق…

-شكراً أبي. دعونا نباشر بالطعام. فأنا أتضوّر جوعاً.

وأكلنا حتى امتلأت بطوننا.


نمنا في تلك اللّيلة ولم نصحو حتى وقت متأخر… 

تحادثنا في خصوص العودة غداً إلى المنزل. أنا في طبيعتي لا أحب تلك الأحاديث التي تضيء زاوية عاتمة غير مرغوبة في الرحلات. نزلنا إلى الشاطئ للمرة الأخيرة قبل السفر، وقضينا أكبر متسع من الوقت نتسامر في شتى الأمور. في أخي الغائب بسبب غربته منذ عامين لمتابعة دراسته. وفي موعد عرس أختي الكبيرة من حبيبها ياسر. جلست في غالب الوقت مع أبي على رمال الشاطئ. تدغدغ أقدامنا مياه البحر أثناء المد والجزر

-مضى عامين على غياب سامر. يمر الوقت في لمحات البصر. وفي بعض الأحيان أندم على القرار الذي اتخذناه. يراودني شعور بالأنانية. وأتمنّى أن يبقى دائماً هنا في حضورنا، فيتسنى لنا النعيم برؤياه. إلا أنني أحترم قراره احتراماً كاملاً.

-لا تقلق يا أبي. فإن الإنسان لا وطن له غير أمه وأباه وأخوته. في النهاية سوف يرجع. المهم أنه غير نادم لنصيبه في الحياة، ثم إن حالته ميسورة جداً.

-أصبت يا بني. الأهم أن يكون الإنسان قنوعاً بما يؤديه. المثابرة أحد مؤهلات النجاح وهي لا تتجدد إلا في حضور القناعة الكاملة لما نفعله. في النهاية لم نخلق لنكون عبيداً للآخرين. بل خلقنا لنكون عبيداً لقراراتنا ولخياراتنا. ومن منا لا يتبع الطريق الذي يرى بنفسه صحيحاً سوف يلقى عاقبة الندامة. ويرمى بجحيم الآخرين. وسوف يلاحق قراراتهم جميعها. من صغيرها إلى كبيرها. ومن أهمها إلى أقلها أهمية. وحتى بعد كل ذلك، لن يشعر بالسعادة الحقيقية. لأنها لم تكون ملء عينه، بل أحلام وخواطره غيره. من الصحيح أن الإنسان ما إن تبع نصائح الغير، مشى من غير أن يسقط. وسرى على طريق مستوي خالي من الحفر والأفخاخ. إنما الفشل مهم جداً. والنجاح بدونه كالنور بلا ظلمات. فنحن لا ندرك أهمية النور من دون العتمة. 

شعرت في هذه اللّحظات بحاجة ماسة لتلك الكلمات. ففيها نور لا يعرف مخرجاً للظلمات. الأنانية ليست خطأً. وليست صفة سيئة نتحلّى بها. خاصةً في اتخاذ القرارات الشخصية. العيب في اتخاذ القرارات عوضاً عن الآخرين أو الاستسلام إلى المعطيات الرائدة عند البعض. نرى أنهم يرهفون إلى مساعدتنا ولكننا لا نرى أيضاً محاولاتهم إسقاط محور حياتهم على محور حياتنا…غمرتني راحة من الداخل. بقي أن أختار قرارا صحيحاً. وأن أطلب من المارد تحقيقه. عليّ أن أفكر سريعاً. وأن أتوصّل إلى نتيجة بأقصر زمن ممكن. كي لا أفوّت الفرصة الذهبيّة بين يديّ…

عاد أبي وأمي وأختي إلى الشاليه. أما أنا فبقيت. لعل قراري يتحلى صفوا من سماء البحر، جالت في خاطري فكرة. قررت الاتصال بأخي في باريس. لعلّه يسدد إلى خبرتي المتواضعة القدر الكافي من المعلومات. 

-ألو مرحبا أخي كيفك، ان شاء أمورك منيحة بباريس؟ كيف الصبايا؟

بدأت في عبارتي التي أبدأها دائماً معه. كي أشعره أن الأمور طبيعية جداً. وأن كل شيء على ما يرام. ففيها يعي أن أحوال أمي وأبي بخير. ولا داعي للقلق إطلاقاً…

-أهلا وسهلا حبيبي. أنا بخير والصبايا كذلك. كيف ماما وبابا. واللّه مشتاق كتير…

-هم بأفضل حال. نزلنا اليوم جميعاً في آخر مرة قبل الوداع إلى الشاطئ. وسبحنا حتى داقت أنفسنا من ذلك. وهم يستعدون في هذا الوقت لرحلة الغد. 

-الحمداللّه…المهم صحتهم

-اي لا تآكل هم. نحن أمورنا بخير. لم تكن حالنا قبل ذلك أفضل.

-جيد. كيف حالك يا أخي؟ تحتاج اي شيء مصاري أو حابب مثلاً سيارة أو اي شيء تتمناه.

أكثر ما يزعجني في كلام أخي أحياناً أنه يظن أن كل شيء نستطيع شراءه بالمال. وحتى يستطيع تحقيق حلمه في الثراء، غادر في عمر لم يتجاوز العشرين تاركاً أمي وابي من غير التفكير في رضائهما أو في سعادتهما. وأراد أن يصبح ثرياً حتى لم يتردّد لحظة واحدة في قراره. كان خاطفاً في تحديده كما كان خاطفاً في تنفيذه. وهو الآن بعد سنتين فقط من الغربة يملك حصّة كبيرة منه. وساعياً في المستقبل أن يملك عشر أضعاف مما لديه الآن. حكينا بعد ذلك في عام الأمور…

-شكراً جزيلا أخي. 

-ماشي أخي…السلامة

-بوصّيك تنتبه على حالك من الصبايا…

-لاء خوف من ذلك.

وضحكنا سويةً. لم توفيني إجابته وأفكاره حقي. ودّعنا بعضنا. وشهقت زفيراً طال ميعاده. علمت مسبقاً أن هاتفي معه لن يقدمني خطوة إلى الأمام. بل عشرة إلى الخلف. ثم عاودت التفكير مجدداً. لعلّ أخي أناني بعض الشيء، إنما هو راضٍ عما يقوم به من غير حيرة أو ارتباك. لا يتخبط في التفكير فيما يريد وفيما لا يريد. هذا من المؤكد أكبر سبب لنجاحه في عمر يانع. 

أغلقت السماعة. وجال تفكيري مرة أخرى في الأمنية الغير محققة بعد. ومن جميع كل الأمنيات تلك، لم يغلي بالي على أية منها، على أن نارها جميعها ساخنة. حملقت في السماء التي بدأ صفاؤها يتعكر رويداً رويداً. 

تعبت ساقاي من المشي المطول ونشف ماء القدمين من الرّمال. مشى الوقت الغدار من غير رحمة. رحت أعود أدراجي كي أصل إلى المكان الموعود.

معاوداً للمرة الأخير استذكار الحديث الذي دار بيني وبين أسماء أختي…حول نفس الموضوع

-حبيبي أنا أرى الاستقرار الأسري يعلو جميع المراتب. الأهم أيجاد الشخص المناسب والبقاء معه إلى الرمق الأخير في الحياة. أي أن الشريك أكثر شيء مهم.

لعلّها على صواب. القسم الأكبر من الحياة يقضيه الإنسان مع شريكه. وإن لم يوفّق في ذلك سوف يعود عليه بخسائر كبيرة. 

أسدى لي كل فرد من أفراد الأسرة بقراره من دون تحفّظ ولا مغالاة أو مبالغة كاشفاً لي طريقةً في التفكير بكل شفافية وصدق.

شعرت أنني المذنب في تخبّطي. وأن المفتاح المناسب لطالما في حوذتي. 

عدت إلى المكان الي عثرت فيه على القمقم، وانتظرت…

مرّت الساعات الباقية مثل لمح الصبر…حتى جاء موعد المفاجأة. وتكررت أحداث اليوم الماضي في منتصف اللّيل…

 تغير لون الماء كما لون السماء. وتراقصت حبات الرمال من حولي في زوبعة تحولت بعدها إلى إعصار. انتشر الأدرينالين في دمي مرة أخرى كأنني أرى المشهد لأول مرة… 

خرج المارد الأزرق من القمقم المحفور في الرّمال تحت الماء. فلم تحرك الأمواج في قوتها منه ساكناً…اكتملت أمامي الصورة التي حلمت بها الأمس في منامي. تجمدت جوارحي كما تجمدت أفكاري…ماذا أقول

-شبيك لبيك…مارد الشاطئ بين ايديك

لم أنبث كالعادة ببنات كلمة. رحت أحدّق به كالأبله. حتى مرّ على صمتي ردهة من الزمن.

-يريد المارد أن يحقق لك أمنية واحدة. فماذا تتمنى؟

سألني المارد عندما طالت فترة الصمت بيننا. وكأنه شعر بشيءٍ من تخبّطي. فأراد في سؤاله أن يحمل كتفاً عني. 

-في الحقيقة أيها المارد…وكما تعلم جيداً أنني حائر في أمري…فهناك الصحة على سبيل المثال. ودوامها من أحد أمنياتي

-الصحة أيها المارد كما تعلم مهمة جداً. وبدونها لا نقوى على فعل اي شيء وتحقيق اي أمر نريده. هي المفتاح الأول لبقية المفاتيح. ثمّ إن ما يدور في بالي أيضاً النجاح. صحيح أن الصحة مهمة وثمينة. إنما توجد الأمثلة وهي كثيرة جداً عن أصحاب الفشل الذين يتمتعون بكامل صحتهم. النجاح قائد اي معركة وبه تتحقق انتصارات لا سابق لعهدها ولا مثيل لعظمتها. 

وبدأت دموعي تنهمر، إلا أن ذلك لم يشل من كلامي. إنما ظهرت بحّة في صوتي

قد قيل أيها المارد أن الأموال تصنع كل شيء في الحياة. وقد قيل لي أن الأموال تصنع الصحة وتصنع النجاح. وفيها يغدو الإنسان كل ما يريد. ويصل إلى ما يطمح، بل أكثر أيها المارد…وقد قيل لي أيضاً أن الحياة بالأصدقاء. وأنها بالشركاء وبالأحباب. ومن دونهم ليس لأي شيء فيها طعم. فهم من يجالسني في مرضي. وهم من يشاركني في فرحتي. وهم من يصنع لثروتي معنى وطعم.

 حططت رأسي على رمال الشاطئ. وأجهشت في البكاء. وضربت في يديّ الأرض عدة مرات علّها تتحرك وتستجيب لنداءاتي، أو لعلها تفتح شقاً فتبتلعن وتخلّصني من هذا العذاب الذي حلّ بي كاللّعنة.

فنطق المارد أخيراً بصوتٍ حنون خفت فيه الغلظة والخشونة:

-صحيح أن الصحة لا يساويها شيء على الاطلاق…صحيح أن النجاح رديف كل شيء جميل وكل شيء عظيم، يستحق الافتخار ويستحق التقدير والتعظيم. وأن الأموال على قباحتها هي محور للسعادة وملبّي للطلبات وأن الأصدقاء والأحباب لا غنى عنهم ولا مثيل لهم. ودونهم تؤول كل يابسة صحراء…إلا أنني لم أظهر لوالدك في نومه أو في خياله كي أحقق له دوام الصّحة. لم تطلب أمك مني أن أرويها بماء نجاح أولادها. ولم أسافر إلى باريس كي أحمّل أخاك أكياس من الأموال. ولم أعترض طريق أختك كي أنعم عليها بالصداقات والأحباب…فكل شيء من هذا لم يحصل على الاطلاق…بل ما حصل أنك أنت على وجه الخصوص دققت بابي ففتحت لك بكل سعة صدر وبكل رحابة. وأنت ضيفي الآن وصديقي…ولك ما تتمناه.

فماذا تريد…

وسكت بعد ذلك...


…..

تمت بعون اللّه

مجد الأشقر



إرسال تعليق

0 تعليقات