«روان عواودة» تكتب: يوم خانتني الفراشات!

 


يوم خانتني الفراشات

"يوماً ما كان شعري طويل، وأحلامي مفعمة بالأمل، يوماً ما كنت أصدق أني أقدر على الطيران؛ ولكني سقطت وقصصت شعري وأحلامي وقلبي والأيام"  

هذه أنا مريم ذات الثلاثين مخلب زوجني والدي في عمر السابعة عشر أخرجني من المدرسة ومن أحلامي وزوجني، كانت حياتي صعبة بل مستحيلة مع زوجي في إحدى المرات احتد النقاش بيننا وعلت أصواتنا حتى قام بضربي وتعنيفي بطريقةٍ بشعة أردت أن أتخلص منه وأهرب وما أن فتحت باب الشقة قام باللحاق بي كالمجنون يضربني ويشتمني حتى سقطت عن الدرج..

نهار ٢٢ أيلول في المستشفى بعد يوم عذاب الأمس، أخبرني الطبيب انني فقدت أعظم ما يمكن للمرأة أن تمتلكه؛ سرقوا أعظم جناح لدي، سرقوا أمومتي، لقد تعرض رحمي للنزيف أثر التعنيف وتضرر ولا يستطيع للرحم أن يحمل ثقل جنين داخله، شعرت بالدنيا تضييق رغم اتساعها، انتابني صمتٌ مخيف وبعدها ضاعت كل الاتجاهات في عيني.

بعد شهر من الحادثة قرر زوجي أن يتزوج بامرأة ثانية تستطيع أن تنجب له، وأنجبت فرح طفلة جميلة ومرحة لكنني لم أستطيع تقبلها أو حتى أن أحبها بسبب يأسي على نفسي وفي أحد أيام الصيف الحارة كانت فرح تريد أن تسبح وقمت بإخذها أنا إلى المسبح الذي خلف بيتنا، كانت المياه مرتفعة وكبيرة كحقدي وفرح صغيرة عليها غرقت ولم أقم بإنقاذها حتى رأيت أخر نفس لها تودعني به بيدها، ضحكت كثيراً حتى تبللت وجنتاي بالدمع 

بعدها قرر زوجي أن يطلقني ورحلت من مر أيام زوجي إلى مر أيام أبي لم تكن الحياة مع والدي كريمةً أيضاً وخلال فترة ليس بطويلة تقدم لي عابد أحد الموظفين مع أبي كان قد عرضني عليه أبي كبطاقة ألعاب مجانية دون مهر أو حقوق ف زوجة عابد متوفية ولديه أطفال يريد أحداً يقوم بالعناية بهم وبتربيتهم ولحظي السعيد أو السيء كنت أنا..

كان عابد طيباً معي أحببت أطفاله وتعلقت بهم كثيراً أصبحنا نقضي نصف وقتنا معاً نلعب ونغني ونجرب أشياء جديدة، وفي يوماً ارتفعت حرارة أحدهم وأردت الذهاب إلى الصيدلية أجلب له الدواء واضطرت أن اتركهم وحدهم في البيت ومن شدة خوفي عليهم أغلقت الباب عليهم وأخذت المفتاح معي وفي هذا النهار انقلبت حياتي كلها، حين عدت للبيت شممت رائحة غاز عند الباب وكذبت نفسي وحسبتها عند الجيران لكن شيئاً في جوفي كان يرجف و قلبي كان يدق بعنف، فتحت البيت ودخلت ووجدتهم جميعهم مغشى عليهم على الأرض في المطبخ، لقد توفوا جميعهم ، توفوا الثلاث! 

وتذكرت فرح وظننت إنني نسيت..وعرفت أن الله ردها لي أضعافً كبيرة، ساوى الواحد بثلاث. !! الذين دفعوا بي نحو الهاوية كانوا في بيوتهم آمنين.

{إن الله عزيزٌ ذو انتقام}.





                              ظل الشمس


أتذكر الشاطئ، أتذكر تلك الجزيرة، أتذكر ظل الشمس، ولا أنسى موج البحر الذي تسبب بهذا..شجرة الخروب التي تعرت من أوراقها كانت أنا.

في جزيرة هاواي وعلى شاطئ البحر في التحديد كانت عائلتي وكنت أنا، كانت ضحكاتنا الدافئة، كاسات الشاي المثلج بجانبه كعك محلى، فناجين جدتي الخاصة وفي الجانب الأخر بعض من الزهور البرية والكثير من اللافندر البنفسجي..

قلت لابي ارغب بأن اجرب ركوب الأمواج وانه من الصعب عودتنا مرة أخرى إلى هنا وتحايلت عليه وتوسلت حتى سمح لي بالموافقة، سدلت شعري الأسود القصير ولبست بدلة ركوب أمواج بيضاء اللون كانت لأمي حنونةً مثلها التي تحولت فيما بعد إلى لوحةٍ حمراء، أخذت لوح التزلج خاصتي كان ازرق اللون هادئ كالسماء يشبهني مرقط بالأخضر يشعرك بالرقة و البساطة، ركبت أول موجة قدمت إلى الشاطئ ومن فرط سروري شعرت أن شيئا ما طفح على قلبي يشبه خفة الفراشة، كنت حيوية أشبه كل الألوان عدا الرمادي كان يشبه صورتي التي التقطها لي أخي في هاواي اثناء الرحلة، ارتطمت بكومة من الصخور الكبيرة وانكسر لوح تزلجي كما تتكسر قوقعات الحلزون واصدم جسمي النحيل بصخرة سوداء ضخمة تسببت لي بجروح هائلة وضربةٍ أسميتها القاضية كان الوجع ينخر في الأعماق كالأخشاب المسوسة، شعرت أني فقدت جزءاً مني ذهب مع الماء، عرفت فيما بعد إنها كانت يدي اليمنى التي فقدت، احدى جناحي العظيمتان، شيئا بداخلي كان يشبه فأس زرع في قلبي حين اقتلعت الصخرة يدي، حين عدنا إلى البيت بعدما ضمدوا جروحي في المستشفى وخبأوا ما تبقى من أشلاء يدي اليمنى، شعرت اني قادمة من موت كان محتوم، جميع العيون كان تحدق بي حائرة من هول المنظر، ذهبت إلى فراشي كما يعود المهاجرين إلى أوطانهم بحزن عميق وفرح بعيد، بعد يوماً متعب وطويل كهذا اردت الالتفاف حول نفسي كفراشة تختبئ في شرنقتها ضممت جروحي..  

شيئا ما حال بيني وبين الأشياء التي احبها، أحببت شيئا لدرجة انه تسبب لي بالأذى هكذا أحببت ركوب الأمواج..حباً ترك شرخاً في روحي.


إرسال تعليق

0 تعليقات