«نهى إبراهيم» تكتب: شبح النهاية!

 



#قصة

"ياالهي.. ماذا يقول هذا الرجل؟"

تسائل العجوز وهو يسحب بشيشته  أمامه، نظرت صوبه حفيدته الشقراء بريبة ثم  أعادت النظر نحو التلفاز من جديد وكأن أذنيها لا تصدق ما سمعت، فيعيد العجوز السؤال بعصبية من جديد :ماذا يقول الرجل... أيتها الشمطاء!

أجابته بذاتها العصبية :انه يخبرنا بأن النهاية اقتربت جداً وليست بعيدة كما نحسب جميعنا.

صمتت قليلا ثم انصرفت خارجا فى حين ظل الرجل غير مستوعبا أى من كلماتها فظل يكرر اسمها عالياً فى حين انطلقت الفتاة بين الأشجار  بمقدمة البيت :

جدتي... جدتي انهم... يتناقلون العديد من الكلمات التى أدركت منها أنه لم يعد يتبقى لنا سوى يوم واحد بتلك الحياة!

نظرت نحوها الجدة بامتعاض :ماذا تقولين ابنتى؟

الفتاة بخوف :لقد اقترب نيزك كبير من الأرض وبالتأكيد سيصطدم بها وتكون النهاية ويتهشم كوكبنا و....

صمتت لبرهة فبادرتها الجدة :و......؟

الفتاة بتلقائية :ونموت كلنا!

الجدة غير مستوعبة أى من الأخبار :انك بحق لمجنونة... انهم دوما يخبرونا بالكثير لكن شيئا منها لا يحدث..

الفتاة باستسلام :لكنه حقيقي هذه المرة... فلتصدقيني..

أكملت الجدة تقليم الأشجار فى حين أخذت الفتاة مقعدا جوار البيت وهى شاردة :لا يصدقنى أحد هنا... لكنها النهاية..

كيف لعمري أن ينتهى هكذا سريعاً قبل أن يبدأ!

تناقلت جميع الصحف والقنوات الأخبار فانتشرت بكل سرعة حتى استقبلته احداهن بالشارع بخوف وهى تحتضن صغارها :سوف ينتهى العالم... وتكتب كلمة النهاية.. كم كنت أتمنى نهايتي منذ وجدت نفسي على الأرصفة لكن هؤلاء الأطفال الذين وضعهم الله بطريقى، أخطأت طويلاً من ذى قبل حتى رزقنى اياهم فصرت أم وحيدة دون زوج وهم أطفال دون أب... هل سينهى الموت فصول الآلم التى صرت متأكدة أنها ستطولهم بقية حياتهم..

نظر الصغار نحو والدتهم التى صارت تبكى بغزارة دون سبب أمامهم فتقدم كبيرهم وهو يضع قطعة من القماش على كتفها فاستقبلت يده بالتقبيل ثم نظرت نحو السماء بعيون باكية حزينة..

خلال تلك اللحظات نادت احداهن عليها بعصبية فهرولت مسرعة وهى تقول : نعم.... ياهانم

السيدة بذانها العصبية :فلتمسحى الزجاج بسرعة.

وخلال تلك الأثناء استقبلت مكالمة هاتفية :

نعم يقولون ذلك... سوف نصطدم بالنيزك وننتهى.

صمتت قليلا ثم باغتت المتصل :هكذا كنت تتمنى، ها هو اليوم أتى كى تتخلص من ارتباطك بي، سوف تتنهى مأساة ابننا المعاق ولن تنفق عليه من جديد.

سمعت المشردة كلماتها حتى شعرت بحجم الكارثة التى يحياها البشر فتوقفت لثوانى شاردة اذا بالسيدة تنهرها :

هيا فلتنته الآن...

ثوانى حتى أخرجت السيدة سيجارتها الرفيعة وصارت تنفخ سريعا ثم أخرجت غيرها  هكذا حتى غادرت المكان، على غرار ما سمع الجميع توقف رجل الأعمال الخليجي بمنتصف مكتبه وهو يصرخ :ما الذى يتوجب على فعله؟ هل سنموت حقا؟ هل ستنتهى الحياة ونحاسب بعد يوم، يوم واحد...

صار يجرى بالمكتب بصورة غير متزنة حتى سقط أرضا وهو يهذي : لم أفعل شيئا سوى أنى كنت مصارعا شرسا فقط من أجل المال... المال الذى لا أعرف كيف أتصرف به الآن.. ماذا أفعل فنقودى بأكثر من بنك عالمي.... هل أقوم بتحويلها كله الآن أم.... أذهب لها ...لا بالطبع لا.... ماذا أفعل اليوم بها فقد تكون النهاية قاتلة... لن تجد نقودى الآن...

صرخ عالياً وهو يتذكر كم القسوة التى عامل بها الجميع من قبل بسنوات العمل، كم عاملا قام بطرده دون الشعور باحساس العجز الذى انتابه، كيف كانت معاملته الجافة لأولاده فلم يكن سوى مورد مالى لهم فقط... بتلك اللحظة تذكر أولاده فذهب سريعا نحوهم لكنه للأسف لم يجد أيهم فجلس حزينا غير مصدق بأنه يقف الآن مكبل اليدين.

نادت الأم الانجليزية أولادها الذين بدورهم اجتمعوا بصغارهم كى يتقاسم الجميع لحظات الخوف مع بعضهم البعض فلا يشعر أحدهم بقسوة الموقف أو صعوبته، فى حين قام النزلاء بأغلب سجون القاهرة بحفلة سمر صاخبة استمرت حتى الصباح داعب كل منهم أحلامه، سقطاته ومخاوفه ليلتحم السياسي المنغلق على ذلك القاتل المتجبر ويرقص المرتشي مع صاحب الفكر المعترض، امتلأت الأجواء برائحة الخمور التى لم يعلن أحد عن مصدرها لكنها بكل تأكيد كانت بحوذة أحدهم ممن تخلوا عن مواقعهم تاركين خلفهم الزى الرسمي لحماية الشعب!

قامت الراقصة منزعجة وهى تبحث بين الملابس عن أى قطعة تغطى جسدها المترهل ودموع الذنوب تتلألأ بمقلتيها، أشعلت سيجارتها ثم قامت باطفائها سريعا لكن نارها قامت بلسعها فتأوهت عالياً :

ياويلي من عذاب جهنم... فنار تلك السيجارة ليس إلا قليل.... قليل جدا بالمقارنة بما سيحدث لى، سوف يعاقبنى الرب على ذنوبى الكثيرة التى كنت دوما أتعلل لها لكنى اليوم أعترف أنا من قمت بالرزيلة ولم يكن هناك من قام بجذبي نحوها... أنا المذنبة الوحيدة بالقصة فكم من طرق شريفة كانت أكثر عفة من ذلك المبتذل، لكن هو الضعف... هو الشيطان الذى قام بتصويري كضحية.... اعف عنى ياالله... سامحني واعذر جهلي..

جلست احداهن ممسكة بمصحفها وأخذت ترتل القرآن بصوت عذبا حتى رست الطمأنينة بقلبها وقرت عينها بسعادة الآخرة التى طالما سعت فى الدنيا من أجل الفوز بها، ها هى اقتربت اللحظة التى طالما حلمت بها فنتيجة الامتحان صارت وشيكة جدا وسوف يجازيني ربي على عملى الطويل ويعوضني عن كل لحظة فقدان مررت بها طوال حياتى :

"ياربي لقد حانت اللحظة التى ألتقى بها مع أبي، أمي،زوجي وابنتى...."

استقبلت الفتاة بالمشفى الخبر وهى تشعر بالفخر فتعجبت الممرضة المرتعبة :

هل تبتسمين ونحن على مقربة من الموت، الحساب و غير ذلك من عذابات؟

الفتاة بابتسامة المنتصر :

لست بخائفة فلأول مرة منذ الواقعة المريرة وأنا أشعر بأن ربي سوف يحدث لى الفارق ويأخذ لى بحقي الذى لم ينصفني به القضاء العادل ببلدي!

الممرضة :لكننا سوف نموت.... هل تعيين معنى هذه الكلمة صغيرتي؟

الفتاة : منذ واقعة اغتصابي وأنا فى حكم الأموات عزيزتى فقد اقتلعوا روحى من جسدي، تلذذوا  بايذائي، صرت بين البشر مجرد ساقطة على الرغم من طهري وبراءتي... لم أجد عدلا بتلك الأرض فربي شعر بحجم معاناتي وذلك النيزك آتى من محله فقط كى يخلص الأرض من وحوشها كى يقفوا أمام ربهم وينالون العقاب الحق...

جلس ذلك الملحد ممسكا رأسه التى طالما قامت بجذبه إلى أبعد الحدود فقد تخطت شكوكه اللا معقول وصار بطريقه منفردا ليأتيه ذلك الخبر الذى زلزل كل شئ داخله فهو اليوم بانتظار المحاكمة على قناعات غرست داخله منذ كثير فهو لا يصدق بالنهاية لكنها اليوم على لسان الجميع، أخرج كتبه وظل يفحص ما درس من قبل لكنه سرعان ما ألقاهم أرضاً فتنتصر تلك الشعرة الدقيقة داخله التى تربت على الايمان والتى طالما أخبرته بالتروي والاعداد للحساب..

تألمت الطفلة وهى تأخذ جرعة علاجها الكيماوي الأخير فأخذت والدتها تربت على كتفها وعيونها تمتلئ بالكثير:

لقد هانت عزيزتي وسوف تنتهى فصول تعبك الطويل.... أشعر بكثير من الأسف نحوك ابنتي فلم تهنأى بحياتك ياعمري..

تبدلت الساعات وتمايلت حتى سمع أحد العمال بموقع عمله فصار يتبادل الضحكات العالية وهو يردد :

عسى ربي يبدل حالنا لغيره فقد قست الأرض علينا كثيراً حتى صار منا العار، الحاف، الجائع، الحائر، المعذب، المريض وما أكثر من مرضانا ياربي...

فى تلك الأثناء تعالت الأصوات وتضاخمت فها هى الساعات تدور بسرعة والليل بدأ ينقشع ببطء فالكل يحتضن من يحب خائفا مرتعبا فما أشق على المرء من انتظار نهايته، وما أصعبها من نهاية الآن يدور النيزك مداعبا الأرض ثم كانت الصدمة الكبرى عندما سمع الجميع الصوت القاسم للأرض، الكل هرول بحاله ليحتمى تحت سقف بيته، العيون رائجة، القلوب تدق بشدة صوت الصراخ والعويل لم يتوقف لثانية، أغمض الجميع عيونه متمسكا بمن يحب  ثم انتظر النهاية لفصول الحياة الشاقة التى عانى منها الجميع  لكن عيونهم ظلت مقفلة لساعات ليستفيق الجميع على ذاتها الوسائل الاعلامية التى أذاعت خبر نهاية الحياة لتشير بأنه تم حدوث ارتطام خفيف نشأ عنه هزة أرضية مخيفة أصابت الجميع بالذعر لكن على الجمبع الصلاة لربهم الذى أنقذهم ومنحهم من جديد فرصة للحياة ليعود كل إلى محله مجددا متناقلين عبارات الترحيب والتهليل، احتضن كل منهم الآخر بسعادة بالغة ولم لا فالقدر منحهم ورقة ثانية للاجابة.... لكن هل من متعظ!


نهى ابراهيم  


إرسال تعليق

0 تعليقات