«الهادي نصيره» يكتب: الأعمار بيد الله


حدث ذلك ، منذ سنوات عديدة ، في اعماق منطقة ريفية نائية . رجال ونساء، توغلوا داخل الحقل على امتداد مساحة زراعية شاسعة ، وانهمكوا يقطعون السنابل والعرق يتصبب من جباههم السمراء تحت أشعة الشمس الحارقة ، في صباح ذلك اليوم الصيفي القائظ. فجأة أطلقت إحدى النساء صرخة عالية لتمزق ستار الصمت المطبق على ذلك المكان ، فالتفت الجميع لاستيضاح الأمر . صاحت "فاطمة " مذعورة :

- هيا اسرعوا لانقاذ خديجة ! لقد لدغتها افعى !.

القى الجماعة بما في ايديهم وهبوا للنجدة. شرع "علي" للتو في امتصاص السم من مكان اللدغة محاولا ايقاف تسربه سريعا داخل الجسم .

لكن ذلك سوف لن يكون كافيا لإنقاذ المرأة المسكينة فالجميع يدرك مدى ما تخفيه لدغة الافعى من خطر كبير لا يعلم عواقبه الا الله ، وكان لابد من نقل المتضررة إلى المستشفى رغم بعد المسافة.

ترى ما الذي يمكن فعله ، في ذلك الزمن الغابر الذي انعدمت فيه الدراجات النارية والسيارات والعربات، وفي مكان مقطوع ، منعزل عن العمران ، والتجمعات السكنية، 

وخلا من اي وسيلة نقل الا من بعض الحيوانات والدواب ؟ فما كان من "علي" الا أن ركب حصانه، دون تاخير، واركب خديجة خلفه وهي في وضع حرج للغاية، تحاول ، بما لديها من طاقة صبر ، مقاومة الآلام التي تزداد ضراوة بتقدم الوقت . مضى بهما الحصان راكضا وقد أطلق له "علي " العنان من أجل بلوغ أقرب محطة للقطار والتحول إلى تلك المدينة البعيدة .

انقضى من الوقت أكثر من ساعتين ونصف ، حين وصلا إلى قسم الإسعاف بالمستشفى المقصود . وهنالك أمر الطبيب، على الفور، بحقن المصابة بمضاد لإبطال الآثار السامة وتجنيب المصابة ما عساه أن يحدث من عواقب وخيمة قد تنجم عن لدغة تلك الحية اللعينة. 

تحركت الدقائق ثقيلة ، يكتنفها الغموض، ويلفها الصمت المشوب بالقلق ، والخوف من احتمال أن تشهد الامور منعرجا أشد تدهورا .

انتظر الجميع مرور الوقت على احر من الجمر. وما ان أقبل المساء ، حتى أعلن الطبيب عن ظهور مؤشرات دالة على استقرار الحالة الصحية للمصابة وتدرجها نحو الانفراج . 

تهللت اسارير وجه "علي" وارتاحت نفسه كثيرا ، ونسي ما لحقه من تعب التنقل إلى ذلك المكان، وهو يحمد الله الذي سخره ليكون سببا في نجاة "خديجة " من الهلاك .  

وقد قدر لتلك المرأة ، فيما لحق من السنين، أن تعيش وتنعم بالحياة زمنا طويلا . وكلما تذكرت تلك الحادثة الاليمة ، كانت تقول : الحمد لله الذي كتب لي عمرا جديدا.


 __الهادي نصيره / تونس __

إرسال تعليق

0 تعليقات