فراق يسير ولقاء قريب
خرج بقلبه من الواقع المظلم الذي كان يعيش فيه ، من هذه الطلاسم والشعوذة التي كانو يتعلقون بها ، من تلك الرسومات والاحجار التي ظُلمت معهم ، يعبدونها رغم عنها وهي تسجد لله دون ان يروها ، ما كل هذ الجحود ، نعم أنه خرج الى النور المشع ..خرج من بيئة الظلم التي لا يُرى فيها عدل الى العدل ذاته ...
لكنه خرج وترك .... ترك منزله القديم الذي يحمل ذكريات حياته ، لم يتمكن من بيعه بل أجبر على تركه عنوة فقد اشترى شيئا عظيما باع كل شيء في سبيله ، لم يهتم بذلك المنزل المتهالك ولا المال القليل الذي كان لا يساوي شيء أمام كل شيء صار لديه الان ، لكنه ترك ما لا يترك ترك زوجته وطفله الصغير.
خاطبته نفسه الى اين ذاهب ...... كيف ستعيش بلا مال .... زوجتك وابنك الرضيع الا تستمع لصراخ ابنك ؟ ألا ترضخ لدموع زوجتك الضعيفة التي تركتها مجبرة ان تعيش في كل هذا الوحل الذي انقذت روحك منه ؟؟؟ يا ذات القلب الغليظ ... اي رحمة تلك .. لا ضرر ولا ضرار ..... أستمرت نفسه تحدثه لكنه وضع يده على قلبه ليستفتيه فوجده هو الاخر يهفو ويرفرف شوقا الى الذهاب .... أنه الشوق ...
زاد يقينه واطمأن فالأيمان الذي يملا قلبه يوجهه الى طريقه الصحيح ، أسرعت قدماه رغم ما بها من نصب فليس هناك طعام جيد يقويها ولا نعل مريح يخفف من آلامها ، لكن الشوق الذي يملأ قلبه يجعله كطائر يحلق فرحا بلقاء أحبته بعد نصب كبير ، وكيف وقد تحرر من الأسر مدى الحياه ؟ وأي أسر ذلك ؟؟؟
توقفت قدماه ..... سكن قلبه ... أنسالت عيناه بالدموع ، ظهرت فرحه عارمه على وجهه قد أنارته وازاحت كل أحزانه وآلامه .. تفتحت عيناه وكانها زهرة يانعة ، تفتحت على تلك الوجوه المنيرة التي يُرى نورها في وضح النهار و التي تملك قلوب بيضاء ناصعة ، فكان أجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه عزاء له في ترك زوجته وابنه ... هنيئا لك ابا سلمة فراق يسير ولقاء قريب .
نداء القبور
نادي بصوت متقطع " آماه آماه ...انتظريني .. انتظريني .. مالك يا آماه ما عدت تنتظريني أمام مدرستي متشوقة لرؤيتي وكأني كنت في سفر طويل ، آه .. أم لأن المدرسة صارت كوم من التراب تشتكي حجارتها وحشة الفراق ، آماه لما لم تعد لي الغذاء كما كنت دوما تفعلين... آماه أني حقا جائع جدا ..جدا.
أين ملابسي النظيفة يا آماه ؟؟ قد اتسخت كثيرا وتحولت لأشلاء ، آماه صرت عاريا .. أني أشعر بالبرد كثيرا ، أرجوك دفئيني يا آماه .
آماه حقا أين أبي ، لم يعود حتى الآن من عمله منذ أن ذهب وما زال دفئ قبلته على خدي يذكرني به ، ذهبت إلى المصنع الذي يعمل به .. منعتني حجارته المتساقطة من الدخول ، صار منهارا مثلي ... أين أختي الجميلة التي كانت تلعب بدمية تشبه الملاك ، ذهبت وبقيت الدمية لا تجد من ينفض عنها ركام منزلنا المنهار ، فلقد انهار قلبه وجسده مثلي .
آماه .. آماه .. آماه... أجيبيني ، أم انكي غاضبة علي ؟؟ لكني الآن جائع عارا ومنهك ووحيدا ، تكلمي اصرخي أغضبي ، عاقبيني ، أني أحبك وأشتاق إلى نظراتك ، غضبك صراخك ابتسامتك ، من أنا دونك يا أمي ...من أنا ؟؟؟؟
أمي انكي تجدين منزلا تخلدين فيه بسلام وطمأنينة وان كان صغيرا لا يزعجك فيه أحد إما أنا فلا أستطيع أن أنام بين أصوات القنابل وبكاء الجرحى وصراخ الرضع ، أني لا أرى إلا لون الدماء وهي تدفق كالسيل الذي تقهره عاصفة قوية ، أماه .. فهلا أخذتني معك أني أخاف...
آماه أفتحي لي ... لماذا لا يوجد لهذا البيت باب أدخل منه ، تمزقت يدي من كثرة الطرق على تلك الحجارة القاسية .. ألا تسمعيني ؟؟ سوف أصرخ بأعلى صوتي لكي تسمعيني .. آماااااه ...
آمااااااااااااااه ...." ألتفت بفرح على صوت متقطع حزين " آه بني ... بني ..." لكنه كان نداء وداع أم لأبنها بعد أن دخل منزله الجديد.. إنه القبر يا بني ... أنه القبر.
إرسال تعليق
0 تعليقات