«البرياني»قصة قصيرة للأديب الهندي«سنتوش إتشكاننم» للمترجم الهندي: عبدالغفور فاتيبارامبات





ركب السيد/ جوبال ياداف  في الحافلة مع السيد/ كتريش من مدينة تشركالا قبل قليل فقط  ومعهما ثلاثة عمال بنغال. والحافلة تستغرق في سيرها إلى قرية "بويناتشي " عشرين دقيقة أو عشر دقائق على أقل تقدير  حتى إن انطلقت بسرعة فائقة. 

دعونا نتحدث عن كالاندن حاجي إلى ذلك الوقت. 

" كالاندان حاجي" هو ممن صعد على القوارب المتجهة إلى دبي  من قرية تالانكارا  قبل عدة سنين مضت هربا من البطالة والإحباط  آنذاك وسط أمل بالوصول إلى جنة الخليج. وقد بلغ عمره الآن  86 عاما تقريبا في شهر يناير الماضي. ومع ذلك لم تضعف قوة ذاكرته قط إلا نسيانه عن زوجته كونجيبي من بين زوجاته الأربع. هو من أغنى الناس ويعرفه جميع أهل القرية ويقولون أنه يقدر على  إعالة أربعين زوجة فضلا عن اربع زوجات. 

والسيدة/ رقية هي ابنته من زوجته السيدة/ آمنه  ولها ابن اسمه "رزوان" وهو أخصائي جراحة القلب في الولايات المتحدة الامريكية و أقيم حفل زفافه الأسبوع الماضي ولكن كانت في مدينة بنجلور 


فيجب  إقامة  حفل  زفاف حفيده في قريته كأفراح لآل كلندان وإشباع أهل القرية جميعهم بطعام "برياني"  هذا هو المطمع الأخير  لجده ووافق   " رزوان"  على ذلك حيث قالت  له أمه  أليس جدنا  شيخ هرم وقد بلغ من العمر ست وثمانين سنة   وإذا مات حتف أنفه بدون تحقيق أمنيته الأخيرة  فيبقي ذلك ألما يجرح قلوبنا.

فسوف يقام حفل استقبال  بين الساعة السادسة والتاسعة مساء اليوم. 

وهناك منزل كلاندان حاجي، ليس منزلا فقط بل قصر  مشيد 

وهو بعيد لا يمكن لأحد الوصول إليه إلا بعد أن يقطع مسافة طويلة من مدخل خيمة حفل الزفاف العملاقة التي تم إعدادها بتصميم فريد وجودة عالية تلفت نظر الجميع حيث يحضرها  أربعة آلاف مدعُوّ. يوجد في قاعة الوليمة بالثريات المتدلية وزخارف سقف وضاءة والأرائك و الكراسي والطاولات مصطفة وقد تم تغطيتها بالشراشف البيضاء زاهية الألوان مع سراديق خاصة للعروسين. 


وهناك يتردد السيد/ حسنارتشا ذهابا وإيابا وهو سكرتير السيد/ كلاندان حاجي  وشريكه الرئيسي في تجارة العقارات ويمشي قائلا بشدقي فمه " سراديق العروسين مرصعة من جانبين بأزهار  متنوعة بألوان هائلة استوردت من البلاد الأجنبية تبقي خالدة في أذهان الجميع ولا يزال يرددها ألسنة أهل القرية إلى زمن طويل" 

وخلال ذلك أخذ جواله متذكرا ما نسي واتصل بالسيد/ راما تشاندران 

إنَ راما تشاندران بيرومبلا هو تاجر رئيسي في قرية "بويناتشي"  وصاحب محل تجاري يباع فيه الورقيات والجرائد اليومية والجرائد الأسبوعية ومشروبات  وسيجار و التنباك (عبارة عن خليط من بذور الفوفل ) وغيرها من جميع الأمتعة. ويعرفه معظم من يصل إلى محله الواقع في تقاطع الطريق السريع المزدحم . 

ويرجع إلى راما تشاندران  كافة الأفراد لجميع الحوائج مثل تسديد  الأقساط الشهرية  وحفظ مصباح مشغل يضعه كل من يذهب ليلا إلى  المنزل مشيا بالأقدام في الظلام   وكذلك أغلفة البريد  ويشاطرون معه جميع الأخبار  مثل متى يذهب .. ومتى يأتي.. بل يشاركون معه  حتى الأسرار التي لا يفصحونها لزوجاتهم  فأصبح مثل برج الاتصالات الشامخ بفروعها المتشعبة. وما ان أجاب " راما تشاندران" لاتصال السيد/ حسنارتشا حتى أقلعت حافلة " شكريه" * (اسم الحافلة ) في تقاطع بويناتشي. 

ونزل من الحافلة السيد/ كتريشان أولا ثم العمال البنغاليون والسيد/ جوبال ياداف  أخيرا. 

فقطع العمال البنغاليون الطريق معا ووصلوا مباشرة إلى محله يهنؤونه قائلين " نمسكار" ( تحية ) 
فأخرج السيد/ راما تشاندران ثلاثة أكياس التنباك المعدة خصيصا بأوراق التنبول والجير المطفي وخليط بذور الفوفل ومدها إليهم. 
وكعادتهم اشتروها ووضعوا قليلا منها في فمهم للمضغ ثم مسحوا أصابعهم في بنطلون جينز. ولم يمض إلا قليلا حتى جاء رجل ضخم سمن بسيارة بيك آب وذهب بهم إلى ناحية قرية "بيريا" 

وبعد وقت قليل جاءت سيارة جيب للسيد/ ثوماتشان والذي اتصل مؤخرا بالسيد/ راما تشاندران لعامل سباكة  ووقفت أمام السيد/ كتريشان  وضرب بوقها ولما ذهب السيد/ كتريشان أيضا، بقي السيد/ جوبال يادف وحيدا. وزادت حدة أشعة الشمس التي وقعت على ظهره. 

كان السيد/ جوبال يادف يعمل في قرية "أوليادوكا" منذ سنتين مع صديقه السيد/ أناملاي  صهر السيد/ كتريشان. ولما انتهت الأعمال و السيد/ جوبال يادف لا يعرف إلا الأعمال البسيطة الخارجية تغلقت كل الدروب أمامه 

فبينما يجلس القرفصاء يحك على رأسه إذ أخبره صديقه " أناملاي"  عن  صهره السيد/ كتريشان. 

فذهب للتو إلى "تشاركلا"  المدينة الصغيرة المتوسطة التي تقع  بعد "فيديا نجر" عندما تتجه نحو " كانجانغاد" وسبق أن أكده السيد/ كتريشان بأن هذه المدينة يتوافر فيها العديد من  الوظائف والأعمال ولن يعد يحتاج إلى أن يهدر أوقاته  بالتكسع مثل ماكان يفعل في قرية "أوليادوكا"  .  والآن يبيت في كنبة خشب بالية  يوجد في سقيفة مؤقتة رتبت خلف منزل استأجره السيد/كتريشان.  ولا بد من الانتقال منها  إلى أي مكان قبل حلول موسم المطر. 

يجب دفع مبلغ 5000روبية هندية كخلو عندما تستأجر منزلا جديدا. 

على كل حال،  ذهب جوبال ياداف إلى محل السيد/ راما تشاندران لشراء التنباك الحلوة   بغية أن يمضغها  لقضاء وقت الفراغ حتى يناديه أحد للعمل. 

فسأله " هل أنت جديد في هذه الناحية؟ " 
" نعم يا عمي " 
وخلال نزع أعصاب أوراق التنبول سأله السيد/ راما تشاندران 

"من وين أنت ؟ "
" أنا من ولاية بيهار " أجابه جوبال يادف
هـــاهها...... أليست ولاية زعيمنا لالوجي.؟

فضحك جوبال يادف فرأى السيد/ راما تشاندران  فقدان الأسنان الرئيسة الثلاثة في فكه الأسفل 

" من متى تعمل هنا ؟" 
" منذ سبعة أعوام" فألقى جوبال يادف التنباك إلى فمه 

" هل تعلمت اللغة المليبارية  الآن؟"

فهز رأسه موافقا وهو يمتص عصير التنبول 
" لدي عمل هل أنت مستعد ؟ "
" حاضر! يا عمي" أجاب السيد/ جوبال يادف بدون تردد. 

فمسح السيد/ راما تشاندران  أصبعه في إزاره لإزالة آثار الجير وأخذ جواله  واتصل بالسيد/ حسنارتشا وأخبره عن هذا العامل الجديد الذي وصل مؤخرا. 

ومكالمة السيد/ حسنارتشا مع السيد/ راما تشاندران عند وصول حافلة " شكريا"  كانت عن حاجته المستعجلة إلى عامل لأعمال خاصة بمنزل كالندان حاجي. 

ووصلت سيارة فورتشون الخاصة بالسيد/ حسنارتشا في ظرف نصف ساعة من اتصاله ونزل من السيارة. 
وكعادته مشي السيد/ حسنارتشا  وهو يحك ما بين فخذه وخصيتيه واضعا يده في جيب بنطاله إلى محل السيد/ راما تشاندران.  وفهم السيد/ حسنارتشا بالوهلة الأولى أن هذا الكهل الذي يقف أمامه بالتضرع والاحترام هو العامل الذي رتبه السيد/ راماتشاندران لأعماله. 

" سوف أعطيك مائتين وخمسين روبية هندية، هل أنت موافق؟ " 
قال السيد/ حسنارتشا بدون أن يلفت نظره إلى وجه السيد/ جوبال يادف. 
" بابا.. أنا أبغي 350روبية هندية " 
" الأجرة للعامل من ولاية كيرالا مبلغ 600روبية وللعامل من تملنادو 500 وللعامل من ولاية بنغال 350 وللعامل من ولاية بيهار 250رق . هذه هي أجرة محددة  في هذه الناحية وهذا عمل يستغرق فقط اربع أو خمس ساعات. ولا أستطيع أن أدفع مبلغ إضافي 50 روبية  لكل ساعة  قل لي بصراحة هل أنت مستعد أم لا ؟. 

ثم أحرق السيد/ حسنارتشا السيجار 
فسأله السيد/ راما تشاندران : 
" ماذا يا سيدي حسنارتشا؟  نسمع عن حفلة زفاف باذخة  ضخمة ؟ بلغنا أنه وصل  خبراء الطهاة من حيدراباد وأبو ظبي فقط لطبخ بيرياني" 

فأجابه السيد/ حسنارتشا
" وهذا ليس بيرياني عادي، هناك أرز مندي خاص وليس هذا البرياني المعتاد الساقط الذي نأكله في حفلات الزفاف لعوام الناس. بل هذا بيرياني من أزر بسمتي من الدرجة الأولى. ارز بسمتي فريد لون ابيض  بنجابي وقد جلبنا حمولة أرز بسمتي الكاملة  على متن  شاحنة  من بنجاب مباشرة . 
" أرز بحمولة شاحنة كاملة ؟" استصعب على السيد/ راما تشاندران اعتقاده

"  عندما  وصلت الشاحنة البارحة يا حبيبي ووقفت أمام المنزل ، فيا لها من رائحة يا راما تشاندران....يصعب عليك أن تعتقده.....فانتشرت رائحة أرز بسمتي في جميع أنحاء القرية  مثلما تفتحت أزهار الياسمين فلا تزال  تلك الرائحة تعبق  أنفي يا ترى. فهذه خصوصية بسمتي. 

على كل حال تخلى جوبال يادف عن طلبه لمائة روبية إضافية وركب في المقعد الخلفي في سيارة فورجيون مع حسنارتشا عند رجوعه. 

عندما دخلت السيارة إلى طريق قريبة باليكارا" سأله السيد/ حسنارتشا

" عزيزي جوبال ... أين انت في ولاية بيهار؟" 
" لالماتيا" أجاب جوبال 
" ما هي مهنتك هناك؟" 
" أعمال الفحم الحجري" 

بدأ جوبال يادف يتكلم عن أعمال استخراج الفحم الحجري من منجم حَـــيِّ " راجمهال" القريب من مسقط رأسه لالماتيا.وذلك أنه يبقي قدر كبير من الفحم الحجري الثانوي في المناجم بعد إيقاف الشركات عملية استخراج الفحم الحجري 
فيهرول أهل القرى لجمع هذا الفحم الحجري الثانوي بعد ذهاب الشركات وإن كان هذا مخالفا للقوانين  و محظورا من قبل الجهات الحكومية. 

والنساء العاملات  أكثر من الرجال حيث يحملن الأثقال طول الظهيرة تحت درجات الحرارة المرتفعة إلى الأماكن البعيده. وزوجته  " ماتنغي " كانت من عاملات هذا المنجم ورآها من هناك لأول مرة. 

يجب نقل ما يقارب 250 كيلو من الفحم الحجري في الدراجة الهوائية  من لالمتي  إلى مدينة " كودا" البعيدة بأربعين كيلومتر. وقد يزداد البعد بعشرين كيلومتر حيث يجب النقل إلى مدينة " بامغا" 

والأجرة فقط عشر روبيات هندية في كل يوم 

" يا إلهي فقط عشر روبيات !!" 

تنهد السيد/ حسنارتشا واضعا يده على رأسه

" لا يا سيدي ، أحصل على مبلغ مائة وخمسين روبية " قال جوبال يادف " ولكن يجب علينا أن نعطي رشوة للشرطة وغرامات ورسوم أخرى وتكاليف لاستبدال أنابيب عجلة الدراجة  وكراتها المعدنية وغيرها من المصروفات. فلا يبقي لدينا بعد خصم هذه التكاليف إلا مبلغ عشر روبية هندية " 

" ومع ذلك تطالب وتصر أمامي لمبلغ  إضافي مائة روبية؟ " 

لوى السيد/ حسنارتشا رأسه ونظر إلى جوبال ياداف بغضب شديد. 

" كم سنة مضت بعد مغادرتك من وطنك يا حمار" 
" خمسة عشر سنة" 

" إذا كانت الأجرة عشر روبيات آنذاك قبل خمسة عشر،  سوف تتقاضى الآن  مبلغ مائة روبية  حسب سعر السوق  المعمول  ولكن عندما وعدت أن أعطيك مبلغ مائتين وخمسون روبية هندية تعاند وتقول أن هذه الأجرة  لا تكفي فما هي مبررات طلبك لزيادة الأجرة ؟ " 

ولم يزل السيد/ حسنارتشا يهذر بكلمات تافهة عندما كان يسوق السيارة. 

وتفكر السيد/ جوبال يادف ،  كان بوسعي  أن لا أتحدث لهذا الشخص معاناة حياتي  و مرارة البؤس والتهميش والفقر والفاقة التي تجرعتها.

ولا يعرف السيد/ حسنارتشا قط عن ابنتي الهزيلة ببطن ضامر وجيد  أشد نحافة من حبل البقلة حيث تنتظرني إلى منتصف اليل لكي أعود من مدينة " كودا" على  الدراجة الهوائية أدفع دواستها بقوة باستعمال ساقي  وفي نهاية المطاف عندما لا تجد شيء، تأكل التراب و تغفو عيناها وبطنها فارغة


عندما تشاطر شكواك لأي واحد يجب أن يكون المستمع مثلك بنفس المقدار في المعاناة أو على الأقل أن يمر عليه بعض تلك المعاناة والآلام ولو بشكل يسير. ولا تتحدث بها أبدا لغيرهم لئلا يروك مجرما أو مهرجا. 


وهذه أمور فهمتها سابقا. وكم مرة أمسكت بأقدام الشرطة متضرعا لهم للإعفاء عن الغرامات والرشوة لكن بدون جدى ولا يصغون قط عن البؤس والفقر والجوع وينفضون أقدامهم مثل ما يفعلون عندما يمسها الحيوانات الزاحفة ولم يكن من جانبهم أي إعفاء أو خصم قط. 

ووصلت السيارة أمام منزل كالندن حاجي. ولم تزل تفوح رائحة طيبة من الأرز البسمتي وامتلأت بها الأجواء. والسيد/ جوبال ياداف يرى هذا النوع من الأرز لأول مرة من محل " شكور مياه" مع زوجته. وكانت آنذاك حاملا في الشهر السادس واستنشقنا ملأ صدرنا. 

ولما أخذت حقنة من حقيبة أرز بسمتي  ووضعت نحو أنفها، أغمضت عينيها من فرط رائحتها الطيبة

وكانت تعرف أنه ليس بمقدور أمثالنا شراء هذا النوع من الأرز وأكل طبيخه طيلة حياتنا لثمنه الباهظ (وكل إنسان  عليه أن يمد ارجله على قدر لحافه)

ومع ذلك لم أخيب أملها 
قلت لشكور ميان ،  أن يكيل  50 غرام  أرز بسمتي الأبيض 
ولم تزل تمضع أرز بسمتي في فمها وتطحنها بين أضراسها حتى أن تصل إلى منزلنا
ولما سال عجين الأرز من فمها بدا مثل حليب البقرة ، فأمعن السيد/ جوبال إلى عينيها مثلما يرى العجول الرضيع وفي فمه رغوة الحليب ولم يسمح فرك ما لامس شفتيها. 

وعندما غرق السيد/ جوبال في أفكاره وكزه واحد من وراءه ولما التفت فها هو فتى يافع كان يبدو في نحو العشرين من عمره. ولما أن قام أمام جوبال فاح منه الطيب مثلما تكسرت قارورة العطور. 

" عزيزي تعال معي " 

وأعطى الفتى المذكور  المعول و المساحة إلى السيد/ جوبال يادف . ثم نظر الفتى إلى مرآة سيارة كانت واقفة هناك واطمأن في انسجام خصلات الشعر المنفوشة عند قمة الجمجمة والمجزوزة  على الجانبين حسب أحدث الموضات السائدة وافترت شفتاه بابتسامة لطيفة.  وهو نجل طه بن كالندان حاجي من زوجته الثالثة فاطمة.

 ومضى قدما مع السيد/ جوبال يادف. ومر بأرض فسيحة مشذوبة جوانبها مع تسوية الحافات وتقليم الأعشاب وذلك لأجل وقوف السيارات التي تأتي للحفل. 
 ولما مشى كثيرا ..

وصلا حديقة النارجيل الممتلأة بالأعشاب الخضراء  
قاله الفتى المذكور وهو ينظر إلى جهة 
 " أحفر في هذا المكان يا عزيزي " 
وأدرك السيد/ جوبال آنذاك أن عمله هو أن يحفر حفرة كبيرة 
فسأل جوبال يادف: ما هو عمق الحفرة 
" عمق قامتك يا عزيزي" أجابه  سنان بينما يرسل رسالة واتسب آب للآنسة ريا رافع عشيقته من بين العشيقات اللائي لا يحصى عددهن. 

" ما هو عرض الحفرة؟" 
"نفس عرض جسمك يا عزيزي" 
فأخذ السيد/ جوبال المعول ورسم بطرفه في التراب دون قصد. 
وقد أتى الصيف بحر قائظ ورطوبة خانقة  فأبدى شكره  لجذوع شجرة النارجيل الخضراء التي سترت أشعة الشمس  الحارقة من أن تقع على الأرض. ونظرا لطبيعة التراب ولينونتها يستطيع للعامل العادي أن يحفر حفرة بعمق وعرض رجل واحد قبل حلول المساء. فبدأ جوبال أعمال الحفر بسرعة. ولم ينتبه إلى حقيقة أن  " سنان" كان يتفحص في جوجل موقع  " لالمتي" مسقط رأس السيد/ جوبال حيث كان يسأل منه بعض البيانات عن وطنه خلال أعمال الحفر. فقال

" عزيزي لا يوجد في ولاية بيهار مكان اسمه لالمتي" 
ونظر جوبال إلى سنان بدون أن ينزع المعول المغروس في الأرض وقال 
" لالمتي في ولاية بيهار وهي قريتي ومسقط رأسي" 
" هل تستهزأ بي يا عزيزي، وهي تقع الآن في ولاية جاركند" 

وأراه سنان قرية لالمتي التي أصبحت الآن في ولاية جاركند بعد انقسامها من ولاية بيهار وكشف عنها في شاشة جواله الذكي مثلما يُكشف القماش الأبيض عن وجه الميت. وأدرك آنذاك أن قريته أيضا انتقلت من مكانها مثلما انتقل هو منها. واستنشق  الهواء كثيرا ثم أخرجه ببطء كما عَــوَّد عليه  عندما يموت من يحبه. 

ورفع جوبال يادف المعول المتمرغ في التراب وتصور في قطعة التراب المنبثقة كولاية بيهار واغرورقت عيناه من الخزن وأجهش بالبكاء وتفجرت دموعه وضرب في التراب ضربا قاسيا بشدة العضب والخزن العميق وانشقت قطعة التراب إلى شقين مثل جمجمة متلاشية واحدها ولاية بيهار والآخر ولاية جاركند. 

" ولكن أين أنا الآن وأين مسقط رأسي الآن؟" 
سأل جوبال ياداف لنفسه. 

ولا يذكر ما يقع فيما بعد، راودته الأفكار الجياشة. 
كأنه يرى أمام أعينه مشهد ذهاب وإياب وطوابير عمال وعاملات ومنهم طبقة ياداف وطبقة كويري وطبقة سانتالمار............................ 

وفي كل دراجة هوائية أثقال الفحم الحجري تزيد عن 250 كيلو وقد تم نزع دواستها وتتسلق الدراجات في الطرق الجبلية الضيقة 
ويلهث كل واحد من التعب والإعياء 

وشعر السيد/ جوبال أن رئته المملوءة بالهواء كأنها صخرة عملاقة تقبع فيها وأنها سوف تخرج  كاسرة فقص أضلاعه الهزيل حيث لم يأكل من الصباح إلا قليلا من  الأرز  مع النباتات المقلية. 

كأنما أصابته دوخة في الرأس
وارتجفت زوجته  " ماتنغي" التي تمشي أمامها. 

وسقط مع أثقال الفحم الحجري إلى أعماق الوديان تحت الجبال الشامخة قبل أن يسألها " ماذا حدث لك؟" 

غشيه الظلام من كل جانب وما هو الوقت الآن؟ 
وتعجب كثيرا عندما رأى  عمق وعرض وضخامة الحفرة التي أكملها. 
وسمع أصوات السيارات التي ترجع من الموقف وكأن حفلة الزفاف قد انتهت وخلت الخيمة من الناس. 
فاضطجع مستلقيا رأسه على التراب الندي في الحفرة 
فجاءت إلى الحفرة خيط نور القمر من بين أوراق شجرة النارجيل التي تهزها الرياح
ومعه سنان
وسأل ثابتا قدمه على التراب المطروح " هل انتهت عملية الحفر؟" 
قال " إي نعم" 

قام السيد/ جوبال ياداف ومد سنان يده وقبض على يده وما أن وصل فوق الحفرة حتى رأى أربعة أفراد يحملون قدر الطعام الكبير  وقلّبوالقدر في الحفرة وتساقطت حبوب أرز بيرياني مع قطع اللحام والعظام مثل تساقط تراب الهضبة المنهارة ونظر السيد/ جوبال ياداف بخفقان قلبه  وهو يحبس أنفاسه 
ولما رفع رأسه من بين كومة التراب رأى  قدورا راسيات واحدا تلو آخر لم يستطع أن يعدها حتى وصل قدر البيرياني المغطى غير المفتح و ألقوا  أرز بيرياني مثل ما يرمون القمامة والمخلفات  وامتلأت الحفرة ببقايا الطعام الشهي 
فقال الفتي للسيد/ جوبال
" يا ترى، ضع قدميك في الحفرة وقم بتسوية بقايا الطعام" 
فوقف السيد/ جوبال يادف في حافة الحفرة  لبرهة قليلة بدون أن ينبس بكلمة 

" يا هذا ، اضغطها بقدميك" 
رفع سنان صوته " أن الآن الساعة الحادية عشر ليلا"
فرفع السيد/ جوبال يادف قدمه 
ونظر إلى  أرز بسمتي الملقى  ووضع قدمه 
"اضغط بقدمك يا هذا "
فحطم جوبال بقدمه على نفس صدر " بسمتي" 
فسمع بكاءها الواهن وانخفض صوته ثم  صار  حشرجة ثم لم يسمع أي شيء. 
"فادفنها يا هذا " 
قاله سنان للسيد/ جوبال الذي  أخذ العرق ينهمر من جسده كله وتلطخ أخمص قدميه بالبهارات والدهون. 
ودفن الحفرة وحثى بمعوله آخر حثية
والتقط سنان  صورة سيلفي مع السيد/ جوبال سائلا له : 
" عزيزي كم عدد أبناءك ؟
" لي ابنة واحدة" 
" ما اسمها؟" 
" بسمتي" 
" هل تزوجت؟" 
" لا" 
ولما سمع سنان هذا، وضع الجوال في جيبه ونظر إلى جوبال يادف بلهفة"
" هل تتعلم في المدرسة؟" 
" لا " 
" ثم ماذا تفعل" 
" ماتت" 
" هل ماتت" 
وهذه الإجابة غير المتوقعة  أخمدت حماسته قليلا وإن لم يشعر بألم في قلبه. 
" كيف ماتت" 
" من الجوع" 
وحثى السيد/ جوبال بمعوله حثية من التراب على بسمتي واستنشق الهواء كثيرا. 
تمت..
....
(البرياني) هو طبق من اللحم والخضروات المطهيه على الأرز وتُسـتخدم في طهيه خلطة بهـارات هندية. هو إسـم يُطلق في شبه القارة الهندية على الأرز الذي يُطهى بطرق مخصـوصـة وتُسـتخدم في طهيه بهـارات البريـاني الهنديّة. البرياني نشأ في الهند حيث يوجد اصناف محلية متعددة من هذا الطبق الشعبي ليست فقط في جنوب آسيا ولكن أيضا في الشرق الأوسط وقصة " البرياني" للأديب المشهور سنتوش إتشكاننم نشرت لأول مرة في جريدة ماثروبومي.

إرسال تعليق

3 تعليقات

  1. قصة مرموقة تتعلق بحياتنا، ارجوا منكم كثيرا من المترجمات خاصة أعمالا أدبية هندية، أحسنتم، بارك الله فيكم

    ردحذف