«هناء بن قومار» تكتب: قد شغفها حبًا(3)
الفصل الثالث
وقلبي ؟؟
ذات يوم أخبرتني أنني المعنى لنبض قلبك والحب، تعلثمت ولم أدر بما أجيب، لكن اليوم أخبرك انك الذي أنكرت صوت القلب لما ناداه، ذاك الذي تشتاق اليه روحي وحرمتها منه.... وانك الحب لأيامي و الترياق...
كلفتني كلماتها اكتئابا صاحبني لسنة كاملة فبعد ان خطبتها رفضتني عائلتها لأننا من مكانين مختلفين !
كنت ادرك ان هذا ليس سببا واعلم انه اختبار من الله لإثبات صدق نيتي ، لكن ما قتلني هو الوجع الذي رأيته في عينيها ولم افهمه ، رفضها لي الذي لم استطع ادراك اسبابها ، والاعظم انها كانت تحبني،
لقد أنهيت كل شيء حلو في حياتها ! حلمها الذي شاركتني أياه ، انتهى بعد أن علم والدها أنني مشرفها غيرها من كلية الطب عندنا الى التي في ولايتها على الرغم من عدم وجود مستشفى جامعي
لقد تدمر كل ما كانت تطمح إليه بسببي ، حاولت كثيرا منع والدها وشرح الموضوع له لكنه يعرف ابنته من عينيها وخشي عليها مني ، لم يكن يعلم حجم التأنيب الذي اصابني ولا ثقل التنفس علي ؤ خصوصاً من كلماتها الاخيرة
ملاكي حساسة ! وان كانت لا تبدي ذلك ، فلا استطيع تخيل ايامها الآن ، لابد انها تعاني أضعاف معاناتي وليس هناك شيء لأفعله
ندمت كثيرا لأني لم استمع لألمها ، كنت أنا من جعلتها تحبني ، أنا من حركت مشاعرها ، أنا من وعدتها ولم افي ، هي لم تفعل شيئا لي سوى انها اهدتني أجمل أيام حياتي ، وفعلت أنا العكس ...
كانت ايامي تزداد سوءا واسوء كوابيسي كان يراوديني ،
ماذا لو اختارت شخصا آخر ؟
أفضل الموت على ان يحدث أمر كهذا
مستحيل ملاكي تحبني ولن تقبل برجل آخر ، ثم انها لن تتزوج قبل امتحان الاختصاص !
اختصاص؟
كانت ستختص مثلي
اينما وجهت افكاري ظهر أنني المذنب الوحيد في كل هذا ، على الرغم من ان عائلتي وكل من يماثلني في ترتيب حمضي الريبي قد تدخل في موضوع خطبتنا لكن لا فائدة ، حتى بدأت اعتقد اني اتعامل مع المستحيل الثامن في هذه الدنيا
ما اعلمه عن ملاك انها ذكية واذا احبت امرا ستحصل عليه ! لوهلة بدأت اتمنى لو تحبني مثلما تحب مهنتها ، حينها سأتأكد انها ستدافع عنا بشراسة وستجد حلا لعائلتها !!
365 يوما بالإضافة إلى يوم التاسع والعشرين من الشهر الثاني كانت ثقيلة علي كمريض يتعالج بجرعات كيميائي يمزق احشاءه ...كنت أتصفح حسابها الفيسبوكي ، من الواضح انها تشتاق الي ، هذا واضح من منشوراتها !
لكننا لا نتحدث ، الكلام سيزيد الطين بلة في ظل غياب الحلول ، أراهن انها تدعوا كثيرا بأن تحدث معجزة معجزة عظمى ليحن قلب والدها ويقتنع اني إن لم أحب ابنته بالقدر الي يحبها به فهو اكثر !
انتظرت كثيرا علَّ شمسها تشرق مجددا ،في الواقع الأمر كان يزداد تعقيدا ولا يتحسن ، فطلاب ولايتها تم تحويلهم للعاصمة بسبب مشكل حصل في الجامعة ، انظروا لهذا الحظ ! هل كان من الصعب جدا على وزارة التعليم العالي تحويلهم لهنا؟
لكن تلك التي اعتبرتها مشكلة لا حل لها كانت هي مفتاح الباب الموصد
مرض مسؤول وساءت حالته ونقل من العاصمة الى المستشفى الذي اعمل فيه مع طاقمه الطبي وهدية عمري كانت هنا !
ملاك كانت مع ذلك الطاقم ! كان ذلك مستحيلا لكن معدل ذكاءها وعلاماتها جعلتهم يدرجونها في الطاقم الجراحي على الرغم من انها لم تتخصص بعد ! كانت سنتها الرابعة على وشك الانتهاء ! وسعادتي على وشك البداية , يوم رأيتها في رواق المستشفى تتحدث الى رئيس القسم لم اتمالك نفسي ، أستطيع ان اقسم بأني شربت كل المياه المتوفرة هناك حال رأيتها ،
ملامحها هادئة واضح عليها التعب لكن الابتسامة لا تفارق وجهها بقيت تأملها من بعيد كالخائف على ممتلكاته، كان صديقي لا يزال يجعل مني نكتة يومه
يا صاح أذهب وتحدث إليها
- وهل هذا سيغير شيئا؟
- تجعلني احيانا اشك انك طبيب !! بالطبع سيغير والكثير ، أتعرف ان الرجل الذي جاءت كاحدى طبيباته هو مدير والدها
- هل هذا يعني شيئا!
اعتقد انه يريد ان يسقط سقف المكان على رأسي ولن يشفى غليله مني ،اعتقد ان كلامي صار مستفزا بعض الشيء ،لكنني حقا لم افهم قصده
-ركز معي ؛ هذا الرجل مسؤول مهم وبطبيعة الحال سيأتي الموظفون لزيارته فمابالك ان كانت ابنة أحد الموظفين طبيبته!
نظرت الى صديقي بدهشة ، اعتقد ان معدل ذكائي انخفض او ان عقلي يأخذ اجازة حاليا ، لم افكر بكل هذا ، كان همي طوال هذه السنة هو تذكر لماذا وكيف حصل كل ما حصل معنا!
شردت قليلا فإذا بها تختفي من أمامي ، صوت قلبي كان يخبرني انها ستعود لقسمنا الذي عملنا فيه معا ! وان كان حدسي صحيحا فهي بالفعل لازالت متمسكة بي ،ذهبت لهناك وهي بالفعل امام مكتبي ، لم أجرأ على الاقتراب منها أو حتى الكلام ، بقيت متسمرة أمامه عشر دقائق كاملة ، وان لم اكن ابالغ كان بامكاني الاستماع لنبضها يتسارع عندما احست بوجودي خلفها
-خفف من عطرك قليلا ،تعلم ان هناك من يعانون ضيق التنفس
حتى عتابها لي كان بلسما لجرحي العميق ، استدارت نحوي ، كانت عيناها مليئتين بالشجاعة كأول يوم عرفتها فيه بلمسة انكسار أنا سببها ، تركتها تكمل كلاماتها ربما يخف شوقي
- كيف حالك؟
-كحالك!
-لا يجب أن يبقى حالك على حالي !
- رجاءا ملاك ! لم اعد افقه شيئا في اللغة ، سانسى من أنا قريبا ،. ألا حل لنا حقا !
- حلنا في النسيان ! وكما بدأ ينتهي ..
صحيح انها ذكية وحنونة لكنها لا تفقه شيئا عما تعنيه الرحمة على قلبي ، انها تطلب مني النسيان وكانه طلب إحضار كوب قهوة من أقرب الة بيع !!!
كانت على وشك المضي وتركي ، لكني سمحت لنفسي بالتمادي ومنعتها شادا على يديها
كلانا نعلم ان النسيان مستحيل !
مجددا الباكية الصغيرة عاد شلالها للعمل ، انه أكثر شيء يجعلني ضعيفا فيها ! اكثر ما يزيد حبي لها وهو اكبر برهان على حبها لي !
- دعني رجاءا ، جئت لهنا بمهمة ، لا تصعب الأمر علي ،
- ملاك افهميني رجاءا لا يمكنني النسيان اطلبي شيئا اخر لكن النسيان فوق طاقتي !!!
لماذا لا تشعرني بي !
أنت فعلا قاس ! هل تظن انك الوحيد الذي يعاني ، لقد تخليت عن الكثير فقط لتوافق عائلتي أن أكون معك وهذا لم يحصل ، حتى اني لم أتمكن من استرجاع ما تخيلت عنه حتى قلبي !!! دعني وشأني ، اني احاول التماسك وأنا هنا قدر استطاعتي ، لا تزد الامر علي
تركتني ومضت ! وقتها شعرت ان امري انتهى ،حملت نفسي وخرجت من المشفى الى اللاوجهة ، لابد انها استسلمت لرفضي المتواصل ومعها كل الحق ، لقد اخبرتني بهذا ذات ليلة
"ان اضررطت يوما للاختيار بين من أحب وعملي ساختار مهنتي "
كنت انا السبب في كل ذلك لا اتوقف عن لوم نفسي بسبب ما وضعتها به ،
امضيت تلك الليلة احاول ايجاد بارقة أمل ولو صغيرة لكن كانت كل الابواب مقفلة ولا مفاتيح لها ،نسائم الفجر بدأت تلوح وكذلك الشفق ، هاتفي لم يسكن ، كنت مطلوبا كجراح رئيسي في عملية ذلك المسؤول ، صحيح أنني كنت سعيداً لأن ملك مساعدتي ، لكن كنت اخشى ان ترفض مشاركتي حفاظا على ما تبقى من قلبها ، لحسن الحظ شاركتني ومر الأمر بسلام ، كانت تلك الاربع ساعات جميلة وصدقت لما قالت اذا أحببنا ما نفعل سيمر الوقت دون أن نشعر ، كنت اشعر بسعادتها العارمة ، الأمر كان واضحا من اتساع عينيها لما سمحت لها بامساك المشرط ، انقذنا ذلك الرجل من مشكلة عويصة في قلبه ، لكننا لم نجد حلا لقلبينا ، عجبا كيف لنا ان نداوي الناس قبل انفسنا ، عجبا كيف نؤثرهم على ارواحنا!
كانت معي في المناوبة لكن على غير العادة كانت غير نشيطة ، لقد فضلت البقاء في غرفة المريض على البقاء اينما اعتدنا في المناوبات الليلية ، سمحت لها بذلك مرغما ، وفي صباح اليوم التالي حصل ما توقعه صديقي حرفيا ، للحظة شكتت انه عراف ، عند مروري على ذلك المسؤول وجدت والد ملاك عنده ، لكنها لم تكن معهما ، تفاجأ لرؤيتي وبدا كمن يريد التحديث الي لكنه لم ينبس بكلمة ، اجريت فحوصاتي وغاردت ، كنت آمل ان يوقفني ليخبرني بموافقته ، لكنه لم يفعل ، استسلمت وذهبت لشرب الكوب السادس من القهوة ، فقط ليخف وجع رأسي الذي يأبى ذلك منذ يومين !
كنت أجلس في حديقة المشفى عند حلول الظلام احاول التأقلم مع حياتي الجديدة ، واعد الساعات التي يجب ان انامها حتى لا افكر بها ، الى ان مر شهاب في كبد السماء ، ضحكت من نفسي لأنني امضيت فولتي اتمنى الأمنيات المستحيلة عندما يمر ، واليوم تمنيت ملاك احدى مستحيلاتي.
استفقت من شرودي بيد على كتفي كان والدها ، تفاجأت وقمت من مكاني فطلب مني الجلوس وجلس بجانبي وباشر الكلام
-قيل لي انك من امهر جراحي القلب هنا ، صديقي يثني عليك كثيرا ،
-شكرا سيدي .
-لا تنادني بسيدي ، لست سيدا لأحد نادني عمي
لم اكن أصدق ما تسمعه اذناي ، ظننت أنني اهلوس او ان شيئا حصل لعقلي من فرط التعب لكنه كان يثني علي وطلب ان اناديه بعمي !!
ابنتي ملاك ، هي اول ما رزقت به من والدتها ، لقد كانت أول فرحة لي ، لقد كانت عيني ، راقبت كيف تكبر أمامي يوما بعد يوم ، كانت ذكية على درجة أعلى من اقرانها ، وحفظت محكم الذكر في سن صغيرة ، اسعدها الله ! بارة مطيعة ولم تزعجني حتى عندما رفضتك وغيرت جامعتها لم تنبس بكلمة ووافقت على كل شيء، على الرغم من ذلك كانت تبكي كل ليلة على ما حصل معها وكنت لا احبك ، لأكون صريحا يابني ؛ فابنتي بعد أن غادرتني لأحسن الجامعات ورفعت رأسي ، تدمر كل ما بنته بسببك ، ومع هذا لا انكر أنني كنت أحد الاسباب ! أنا اخاف على ابنتي من نسمة الهواء ولا اعيطيها لأي أحد إلا اذا تأكدت انه سيصونها أكثر مني والا اقسم اني سآخذ روحه ولا ابالي به !
كنت سأتكلم لكنه واصل حديثه :
اسمعني يا بني ، اليوم وبعد ان شاهدت كيف تعملان معا ، وحدثني صديقي عنك ، قال انك شخص صالح ،وبعد ما رايته من محاولاتك وصبر ابنتي يبدو انه حان الوقت لتسعدا معا ، ابنتي قطعة من قلبي حافظ عليها يا بني !
كلمات من جميع لغات العالم لم تكن لتصف دهشتي وسعادتي العارمة ، وقفت أسلم على والدها الذي صار بمثابة والدي قبلت يده وشكرته على ثقته بي .
لا تدرك كم اسعدتني عمي ، ملاك بعيوني الى يوم ينتهي بصري
كنت سأذهب للبحث عنها، لولا ان استوقفني سؤال لم أجد له جوابا .
-عماه ، كيف عرفت عن اسم ملاك .
ضحك مني ورد .
عندما ستصبح ابا ستعلم كيف ، أذهب واخبرها الآن واهلا وسهلا بك !
اسف يا نيوتن لكن جاذبيتك لا تعمل معي ، لقد طرت للبحث عنها ،لأخبرها ان مستحيلي تحقق ، وان امنيتي صارت واقعا ،انها أخيرا صارت ملاكي ،والى الأبد ستكون ما أنام واستيقظ عليه كل حياتي .
كانت تقف في رواقنا وكانها تنتظر أمنية بيأس تنهدت لتجدني خلفها .
-ملاكي .
-توقف عن مناداتي بهذا الاسم .
-اذن سأقول زوجتي ، عمري ، حياتي .
-هل فقدت عقلك !؟اي زوجة هذه .
اقتربت منها وأنا احاول حفظ ملامح وجهها التي اشتقت لها حقا .
-اجل، سأعود نهاية الاسبوع معك الى منزلك ومعي عائلتي ، ودعينا نعلن رسميا أننا لبعضنا والى الأبد ،فوالدك موافق.
اتسعت عيناها اللتين تقطران عسلا وجعلتني افقد سيطرتي على نفسي لانفجر بالبكاء أنا ايضا ، كانت أول مرة ادرك معنى ان تفرج بعد العسر ، ايدرك احدكم معنى ان يعانق الانسان حلمه!
حفل خطوبتنا وعقد قراننا كان العيد السعيد عندي أخيرا صار خاتمي يزين ايسر يديها ،عاد كل شيء الى سابق عهده وهي الآن متدربتي وزوجتي ولم يبقى الكثير حتى تكون في منزلي وتحت سقفه وبجانبي في كل الوقت ، كان قدري السعيد في وسط ايامي المملة .
-الم تتعب من سرد قصتنا دكتوري...
كانت تطرح علي هذا السؤال كلما سألني أحد عن سر انسجامنا وسردت قصتنا له .
-يا ملاكي ، كل البلاد يجب ان تعرف قصتنا ، وتسير على خطوات صبرنا حتى نكون لبعضنا ، أنت لا تدركين ماذا تعني هذه القصة لي ، انها حياتي والسبب الذي جعلني اتمنى ان ارزق ببنت صغيرة ليكون اسم امها هو اسمها ولتنشأ بشكل صالح وتضيف للمجتمع معنى الحب وجماله ، كفانا قصص بؤس وحزن بسببه، أنا عشت أحلى ايامي بسببه ، ادام الله سعادتنا .
ابتسمت وجعلتني اقبل يدها تلك التي لا تجيد سوى العبث بتسريحة شعري ومشارطي ،واكمل السير معها على درب حبنا والطب ، نحن من بين الحب والطب وقعنا .
إرسال تعليق
0 تعليقات