«فريدة عدنان» تكتب: الماء أمان.

 



الساعة تشير الى السابعة صباحا ولم ينبثق بعد ذلك الضياء الجميل من السماء وكأن الليل عاشق ولهان يغوص في عناق حار ولا يقوى على ترك حضن حبيبته الدافئ .إنه بداية فصل الشتاء الجميل والصقيع في الخارج تحين فرصة غياب المطر وألقى بغطائه الأبيض البارد على كل الأماكن، حتى سيارة السيد علي السوداء اكتست رداء أبيضا شفافا.
أطل السيد علي من شرفة المنزل وهو يلقي نظرات تفقدية على الشارع الطويل، ويرقب أنوار المصابيح القرمزية اللون التي دخلت في سباق خاسر مع بزوغ أول شعاع من أشعة الشمس اللامعة .استدار متوجها إلى الباب حيث وضع دلوا من الماء الدافئ وممسحة حمل الكل وتوجه نحو سيارته المركونة في الشارع لتنظيفها من الأوحال التي علقت بها عند زيارته بالأمس لعمه القاطن بالبادية.
كان كلما قام بزيارة تفقدية لعمه شعر أن من واجبه إيصال صوت ساكنتها الذين يعانون في صمت الى المسؤولين من أجل النهوض بها ،فالبلدة كانت تعاني تهميشا كبيرا وتفتقر لأدنى متطلبات الحياة حتى من الماء الذي هو أساس الوجود كانوا يكابدون من أجل الحصول عليه.
استمر في تنظيف زجاج السيارة وهويتمتم بكلمات ساخطة ويلتفت يمينا ويسارا كمن يخشى أن يراه أو يسمعه أحد . فبالأمس شارفت أعمال تزويد البلدة بالماء على الإنتهاء ، فالسيد علي عمل جاهدا زهاء سنتين من أجل إيصال الماء الى كل البيوت .كان يوم عرس كبير والفرح يتراقص في مقل الأطفال اليتامى والشيوخ والنساء ..وكل ساكنة البلدة حتى من رحلوا عنها لماعلموا بالخبر ربطوا الإتصال بأهاليهم هناك وهللوا بالمولود الجديد.
توقف السيد علي برهة وصدى صوت صاحب أحد القطع الأرضية الذي عمد على اغتيال الفرح في القلوب ومنع تمرير قنواة المياه يعلوفي مسامعه وهو يتوعد الجميع ويصرخ في وجه الكل والناس تذكره بالقيم والمبادئ...،لم يستطع السيد علي المكوث أكثر هرع بعيدا كي لا يتهور ورحل تاركا وراءه أملا أضاع من أجل تحقيقه وقتا ليس بالهين وألما جاثما على نفوس أناس كان أكبر حلمهم في الحياة هو شربة ماء.
في شروده الغاضب رمى السيد علي بالدلو الذي كان ممسكا به فسُكِب الماء على أحد المارة كان شيخا كبيرا، اعتلى الخجل وجه السيد علي وسارع الى الإعتذار منه: أرجوك سامحني لم أنتبه انتظر لحظة شيخنا وسأجفف الماء الذي سكب على جلبابك.ابتسم الشيخ الوقور ورد عليه وهو يضع يده على مكان البلل: لا تعتذر يا ابني إنه الماء والماء أمان...
حينها رفع السيد علي عينيه الى السماء قائلا :
أرجوك أمطري من أجل شيخ ضرير..من أجل طفل يتيم...من أجل كلب وفِيّ...أمطري...


إرسال تعليق

0 تعليقات