«هناء بن قومار» تكتب: قد شغفها حبًا!
بين الحب والطب وقعنا.
الفصل الاول:
وردة حمراء..
(أطباء الجراحة القلبية معرفون بالجفاء وقلة الحب خصوصا في الجزائر، لكن هذه القاعدة ستكسر في قصتي !كنت الطبيب الذي هزم امام شغف مدربته، تلك التي جعلتني ادرك ان الجزائر يمكن ان تكون جنة ، مع شخص مليء بالشغف يدوس على كل العوائق فيه)
كنت كعادتي احمل باقة وردها المفضلة ، حمراء كخديها لما تخجل، تأكدت من ربطة عنقي وملابسي ثلاث وعشرين مرة بالضبط كعدد انفاسي لما رأيتها تتحدث الى عجوز مقبل على عملية ليس من السهل خروجه منها
ولما الكذب اغار من هذا ويغضبني ، البنت التي كانت تبكي كثيرا قبل دخول أو بعد الخروج من كل جراحة لي صارت شجاعة وازدادت حبا لعملها أكثر مني ، والرائع في الموضوع انها تصرح بذلك كلما تشاجرنا ...لم ترحم قلبي يوما لكنها ملاك ملااااك!
لقد سمعتني لما قلت ملاك ويبدو انها اعتادت على اسمها الجديد , اسمها ليس ملاك أنا من اسميتها هكذا من فرط حنانها وحبها وشغفها ...لقد علمتني كلية الطب الكثير والجراحات اكثر ، لكن لم أعرف يوما كيف لها ان تكون مفعمة بالحب وسط الدم والموت والكثير من الكفن الأبيض ....
هاهي تركض نحوي ، من يراها يقول بالتأكيد تريد معانقة زوجها ، لكن يا حسرتي على نفسي هي لن تفعل ذلك ، ستعانق الباقة وتبقى يداي معلقتين ، تبرر فعلتها ب:
_بقي يومان على زفافنا ، ووقتها ساعانقك حتى في الشارع !
امري لله !
أنا أنتظر زفافنا من سنوات ، منذ يوم عرفتها في اول ايامها في الجامعة ؛ كنت طبيبا مقيما أعمل في المشفى ولفت انتباهي الضوضاء التي افتعلتها امام الباب وهي تعيد جملة"الا ترى اني طالبة سنة اولى يمكنني المجيء للتعلم متى أردت "
منعتها موظفة الاستقبال مرارا لكنها لم ترد عليها ودخلت ، وقفت أمامها ...الفضول قتلني لأعرف أي مجنونة تترك محاضرات بتسعين صفحة للتعلم في اول سنة
- من أنت ؟
- طالبة طب ، وأريد التعلم قليلا سئمت البقاء الاستماع لمحاضرة ولكن هي لا تسمح لي بالدخول
- يا انسة سألت عن اسمك ؟ لا عن مشاكلك الاجتماعية
- دكتور ...أنت مقيم هنا لذا من المفروض ان تساعدني لا ان تسأل عن اسمي بموجب الإنسانية ، لا تطردني مثلما فعلوا معك في الماضي القريب
- بموجب ماذا؟!
- لا تهتم ! عن اذنك دكتور
بقيت متوقفا لوهلة انظر إليها بجمود ،ما هذه الجرأة بحق السماء
لكنها عادت ادراجها تسألني عن غرفة تغيير الملابس للطبيبات ، لقد ارشدتها للمكان دون أن انبس بحرف ، بالفعل سيطرت علي من أول لحظة ، ولا انكر أنني اعجبت بجراتها !
عدت لمكان عملي وكان علي ان أذهب مع مشرفي للمشاركة في الجراحة واحزروا ماذا العنيدة قصيرة القامة هناك ، لقد تبعت فريق التخدير ولم يشك أحد انها في التاسعة عشر من عمرها من فرط ثقتها ، لم تكن تحفظ حرفا من اسماء ادوات التخدير ، لكنها بالتأكيد تعرف المشرط !
- يا انسة قانون الإنسانية ! ممنوع دخول الصغار لهكذا مكان ، سيغمى عليك
- وهل سمعت اني اعاني من فوبيا الدم؟
- لا ، لكنك صغيرة، والصغار يتعلمون الاشياء التي في طولهم !
- لا تسخر مني ، صحيح انك طويل القامة لكنك كنت مثلي يوما ، دعني أدخل
- ان عددت لي ماذا سنستعمل!
- هذه سهلة المشرط على راسهم
- و ايضا؟
انظروا لهذا اللون القاني الذي ظهر على وجهها ، لقد جعلتني اضحك ملء الاسقف
-صغيرتي عودي للجامعة الآن وبعد سنتين ستتاتين للتعلم مع دفعتك حسنا ؟
تركتها ومضيت ظننت انها لن تعود لكن بعد يومين هاهي بملابسها الزرقاء تقف امام مكتبنا، أريد فقط ان اعرف كيف عرفت اني بقسم الجراحة القلبية
-قرات ذلك على ملاءتك ، مكتوب قسم الجراحة القلبية ، الطبيبات هنا لا يسمحن لي بالدخول الى الجراحات وانت لم تفعل ، لذا جئت لأكون بمناوبة ليلية ، سمعت ان الأطباء هنا ينامون من فرط التعب ، سابقى مكانهم
-وان لم تعرفي كيف تتصرفي
-من قال اني اعرف ، أنا هنا لاتعلم سأتصل لاوقظهم في حال حدثت مشكلة ، ان بقي الأمر على حاله سادرس للإمتحان
-اي بنت أنت بحق السماء ، ثم من أي احضرتي هذه الملابس
-لقد خبأتها منذ سنتين ، انفطر قلبي حتى يأتي هذا اليوم ، وأنا لن اخلعها حتى أخرج من هنا !!!
-حسنا لا داعي للعصبية اتبعيني
اتسع بؤبؤها من فرط السعادة ، وتبعتني دون التوقف عن السؤال عن هذا وذاك والغريب في الأمر اني كنت اجيب بطول بال حتى على الاسئلة التي تبدو غبية لمقيم في سني !! لقد حولتني لاستاذها الخصوصي
من كان يظن ان البنت التي صرخت بوجهي ، اجل الطفلة صرخت بوجهي لأنني لم اخبر عائلة المريض أنه والدهم توفي بلطف تنام الآن بسيارتي بصفتها زوجتي التي ساوصلها للمنزل
اه من جمال القدر !
أتذكر كيف اجتاحتني نوبة غضب عارم وطردتها من أمامي وهي تردد
اعتنق الإنسانية قبل ان تكون جراحا! اسمع جيدا قد أكون لا افقه شيئا لكن ما أنا متأكدة منه انه يستحيل ان ابقى يوما اخر مع عديم إنسانية مثلك
عن اذنك دكتور !
غادرت الغرفة تلك وغادرت معها سنيني الاثنا عشر في التعلم ، حتى مشرفي الذي من المفترض ان يقسو علي هكذا لم يجعلني اسمع كلمات بتلك القسوة !
أنا عديم إنسانية !
لقد كنت أكتئب شهرا ان مات أحد في غرفة الجراحة أمامي
كيف أكون عديم إنسانية
جعلتني اهذي بهذه الجملة لاسابيع حتى اكشف المشرف امري وهو الآخر ضحك علي
-يارجل ، الم اعلمك ان الوفاة ليست خبرا يقال كالغيبوبة ؟
-اذن هل اعتبر مخطئا
-بصراحة أنت مخطئ لكنك لست مذنبا ، السنين الطويلة جعلتك لا تشعر بالاشخاص كثيرا هذا عادي
-لكن هذا ليس حلا وجدت انه يمكن لكلمة من طبيب ان تبقيك مريضا نفسيا مدى الدهر
ضحك المشرف أبيض الشعر واللحية
-اذن أطلب من تلك الصغيرة تعليمك الإنسانية
-عفوا
-ان كل المستشفى سمعت حديثكم تلك المرة ، ولمعلوماتك هناك من كان في صفها وهناك من استغرب انها كانت تبكي امام المشرحة ، حيث كان ابناء ذلك الرجل ، انها مشروع جراحة ناجحة وطيبة
كان ذلك الموقف الذي حصل لي معها اول ما جعل قلبي يفقد تركيزه ووتيرة عمله
وان تم سؤالي متى اغرمت بملاكي فهو يوم قالت اعتنق الإنسانية!
لقد أستجبت لامرها واعتنقتها هي ، بضحكتها البريئة وبعفويتها حين تلاعب الاطفال المرضى الذين لم اكن الق اليهم بالا ، فعلا أنا لم اكن انسانا!
صحيح أنني أردت كل حياتي أن أكون جراح قلب
لكن يبدو اني فقدت أنسانيتي في تلك الدرب
لم تعد ملاكي تأتي للتدريب منذ ذلك اليوم ..وقد مر شهران بالفعل !!! كانا سنتين على قلبي ...
ذات مناوبة وجدت ورقة ملصقة على حائط الغرفة التي نبقى فيها مكتوبة بخط يدها ..."سنلتقي على وعد مشرط"
لم اكن افهم ما قصدها ، ايعقل ان يحب المرء مهنة لهذه الدرجة ، في ايام التي ناوبت فيها معي كانت تسب المنظومة لكنها تهرع خلفي ان شكى مريض !
افتقد الايام التي كانت توقظني لاشرب القهوة
- لو كنت مكانك لما نمت لدقيقة ، ماذا لو لم تستيقظ وكان أحد بحاجة للمساعدة
- هل علي ان اكون الة ، ان توفي أحد فذاك أجله
ابتسمت وردت
- اتعلم أنني بكيت لاجل الحصول على مؤهلات كلية الطب سنة اضافية عن السنة الاصلية ؟
- لماذا؟
- أحب هذا العمل حبا جما ، توفي جدي لما غفى من كان معه ل3 دقائق ، كان جدي املا كبيرا في حياتنا ...ووفاته جعلتني اتعلق بلمهنة اكثر ...صحيح أن الأمر قضاء وقدر والاعمار بيد الله ، لكن لا تنسى" ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا"
ومنذ تلك الليلة صرت أنا من يوقظها ان غفت لتشرب القهوة ، وما عدت انام حتى أعود لمنزلي ولأكون صريحا ما عدت أطيق العمل دون عتابها وتوبيخها ورؤية للدموع والخجل في وجهها ، صحيح انها تغضب بسرعة لكنها كتلة من الادب وتعتذر ان اخطأت في حق الاخرين
خرجت من مكتبي ذات صباح بعد أن لاحظت مرور شهرين دون أن تظهر امامي الملاك الأزرق، جلت كل اقسام الجراحة ولا أثر للمتدربة خاصتي ، إحدى زميلاتي نبهتني انها فترة الامتحانات ومن الواضح انها تدرس
همست لنفسي
لقد حفظت كل شيء بالفعل قبل شهر لما عليها التغيب عن التدريب اذن
تآكلني القلق ووجدتني اركن سيارتي أمام كلية الطب ..ولحسن الحظ تعرف علي جميع مدرسيني ، لم اهتم كثيرا بلقائهم اكثر ما اهتممت بلوحة النتائج ...وهاهو اسمها ، انها ذكية بحسب العلامات ، لكن السؤال الامثل أين هي الآن ؟
الادارة اجابت ان الطلبة من الولايات الاخرى غادرو بالفعل لمنازلهم وهنا اكتشفت كم أنا احمق
لما لم أسألها من أي ولاية هي ، لماذا لم أسألها عن رقم هاتفها أو حسابها على مواقع التواصل
كانت ثمانية أشهر كاملة ، ايعقل اني لم افكر بهذا !!!
استسلمت للأمر الواقع وعدت ادراجي للعمل على أمل ان تعود في السنة القادمة للتدرب هنا معي
كنت اخبر نفسي كل صباح اني رجل ناضج وليس علي التفكير بفتاة ل3 أشهر متتالية دون توقف لكن عبثا فهي ما أستيقظ به اوانام به ، كل شيء في المستشفى صار يذكرني بها، القهوة ، المرضى ، الاروقة ، الملابس وحتى المشارط ،
صرت اشتاق إليها ويزعجني البقاء في المناوبات الليلية بمفردي وفي إحدى ايام شهر جويلية الطويلة كنت افحص ضغط امرأة سبعينية
بالمناسبة كنت امضي الوقت بالنوم لولا ملاك!التي علمتني معنى ان امارس المهنة بحذافيرها وان كنت ساقع من التعب "خلقت بلسما يارجل فلا تشتكي " تمتمت بهذا بعد أن أنهيت فحصها ، ضحكت علي وردت
-اتزعجك زوجتك يا بني
-لست متزوجا يا سيدتي
-اعرف ان الرجال عندما يرتبطون يفقدون عقولهم وأنت تتحدث لنفسك الست مرتبطا؟
هنا قمت برمي إحدى أهم قواعد المهنة" لا شان للناس بحياتك الخاصة و لا شان لك بحياتهم"
-يا جدتي هناك بنت افقدتني عقلي ثم تركتني وذهبت
ضحكت تلك الجدة مني كثيرا حتى أني فكرت ربما كلامي كان نكتة.
-اسمع يا صغيري الفتيات وظيفتهن افقاد الرجال العقل أما انتم فوظيفتكم البحث عنهن:
-كيف أبحث عن بنت في بلد ب 50 مليون نسمة تقريبا
-انتم ذئاب حين تريدون الحصول على شيء ، ومن الواضح انك تحبها ، جدها ولا تتركها تضيع من يديك مجددا
اقنعتني !
لكن السؤال هو :
كيف ساجدها
الجامعة مغلقة ولا اعرف من أي ولاية هي
ثم تذكرت انها تملك رقم زميلات لي هنا ،ضحكت احداهن واعطتني رقمها .
بقيت لساعات اجرب ان اتصل بها ، لكن لم أعرف ماذا سأقول لها .
اشتقت اليك ؟
سئمت حياتي المملة بدونك .
أكيد ستنعتني بالمجنون وتقفل الخط في وجهي .
فآخر مرة صرخت على صديقتها بسبب حبيبها الذي لم يتصل بها ، لا وجود لحبيب يحبك يبقى حبيبا أما يكون زوجا أو انه يمثل وانتظري الحلقة الاخيرة ومجددا لا تتصلي بي من أجل تافه مثله .
تخيلت نفسي مكان ذلك الرجل وتراجعت عن مهاتفتها .
كنت انظر لتللك الأرقام ربما تحدث معجزة وتتصل هي بي ...هذا لن يحصل ، هي لا تملك رقمي ..في نهاية لم اتحمل حتى ينتهي شهر اوت واتصلت بها ، لاكتشف اني غارق في حب صوتها اكثر من عينيها وضحكتها ، ارادت معرفة من أنا وهددت باقفال الخط إن لم أتكلم .
-اهدئي يا مجنونة هذا أنا مشرفك
-مشرفي ، اتقصد من المستشفى ، كيف وجدت رقمي ، ماذا حصل هل أنا معاقبة ؟
-مهلا مهلا! لم يحصل شيء ولست معاقبة ، أردت أن اعرف هل زلت حية أم لا .
-انا حية ارزق ، لما تسأل ؟
-اسال لأنك اختفيتي منذ ذلك اليوم .
-اتقصد منذ اليوم الذي اكتشفت فيه وجود الوحوش بدل البشر .
-ماذا؟
-اسفة على وقاحتي لكنك صدمتني فعلا ، كنت اكذب كل ما قيل لي عندكم حتى اختبرته بنفسي لكن لا مشكلة سأكون أنا التغيير .
-توقفي عن توبيخي لقد تعلمت الدرس :
-رائع اذن سيمكنني العودة لقسمك!
لم افهم قصدها في البداية حتى شرحت انها عملت اسبوعين في قسم النساء ، لقد تخلت عني دون أن يرف لها جفن ، وانا الذي بقيت اشهرا اهذي بإسمها :
طفلة !!
اقفلت الخط في وجهها وتملكني غضب حاد لم افهم سببه ، حاولت نسيان امرها كما نسيت امري لقد صدمت لحقيقة انها لا تكن لي شيئا
شعلت نفسي بكل أنواع الامور عدى التفكير بها ، لكنني لم افلح وعند بداية السنة وجدتها أمامي وهذه المرة بملابس خضراء
-انت بالفعل مجنونة.
-لماذا ؟
-هل تظنين انك صرت جراحة ، حتى ترتديي الاخضر
-لم يبقى الكثير واصير متدربة رسميا هنا ،واحب العمل بها وهي تريحني!
-سنتان ؟ اليس كثيرا
-صدقني حين تحب امرا ما وتعمل به بشغف سيمر الوقت بسرعة ، لقد انتهت سنتي الاولى دون أن اشعر .
-لكنني شعرت وكثيرا؟
يال حمقي كدت ابوح بقلبي ، لحظة فضفضة. هي الآن في العشرين ، لكن هناك طفلة صغيرة بداخلها ، لقد وجدتها تبكي لأنها لم تجد خياطة ورقة العنب دون أن تضر بالحبة :
-انا متأكد ان البقاء في الجامعة احسن لك من العمل هنا.
-لاا ساتعلمها اليوم .
إرسال تعليق
0 تعليقات